نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على مبادرات أطلقها الجزائريون من أجل إعادة الانخراط في الحياة السياسية، تهدف إلى إشراك الجميع في اتخاذ القرار.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ بداية حركة الاحتجاج، يحاول جزائريون إحياء النقاش الديمقراطي من خلال صفحات الفيسبوك، وتطبيقات الهاتف المحمول ومنصات الويب. وعلى صفحة "فهمني السياسة" (اشرح لي السياسة)، تُفسر مفاهيم سياسية على غرار "ما هي الفترة الانتقالية؟"، و"ما هي أدوار الرئيس؟"، و"ما هي الشيوعية؟"، و"فيم تتمثل حالة الطوارئ؟"، في مقاطع الفيديو والمقالات والصور، وباللغات العربية والفرنسية والبربرية "والدارجة"، وهي اللهجة الجزائرية.
وتوضح مايا، البالغة من العمر 19 سنة، والطالبة في المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات بالجزائر والمسؤولة المشاركة في المشروع قائلة: "أردنا تحسيس الناس بمعاني المفردات التي تُستعمل في الخطابات. وحتى تكون هناك رغبة في المشاركة في الحياة السياسية، يجب فهم ما يحدث".
وأضافت الصحيفة أنه في الوقت الحالي، تعُد هذه الصفحة، التي أُطلقت في نهاية شهر آذار/ مارس، أي بعد شهر واحد من اندلاع حركة الاحتجاج في الجزائر ضد الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومن أجل تغيير النظام، ملايين المشتركين. علاوة على تفسير دور المؤسسات، يقدم المتطوعون تجارب أجنبية مثل الثورة الجورجية، أو الثورة الفرنسية أو حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. وعلى امتداد أسابيع، تتلقى هذه الصفحة رسائل شكر مرفوقة باقتراحات تقارير أو مساعدة تتمثل في تقديم خدمات الترجمة.
وقالت "مايا" متحدثة عن هذه التجربة: "لقد كوّنا مجموعة من الأشخاص المثقفين، ونحن نشعر بالانتماء إلى شيء ما. إن هذا الأمر يعد تنمية ذاتية"، وفسرت أنه لم يسبق لها وأن كانت عضوا في حزب سياسي أو أي منظمة. إن اكتساب المهارات يعد وسيلة للاستثمار في حياة دولة بأسرها. ولخصت مايا أن: "العيش في بلد حقيقي يعني إشراك الجميع فيه".
وتطرقت الصحيفة إلى أن المظاهرات أعادت إحياء رغبة بعض الجزائريين في الانخراط في السياسة، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد منذ سنوات قليلة تطور عدة مبادرات مدنية بسيطة في قطاعات تعتبر أقل حساسية، مثل البيئة.
اقرأ أيضا: الجزائر.. تواصل الاحتجاجات للجمعة الـ 25 (شاهد)
وشرح سمير شرطوق، البالغ من العمر 50 سنة، ورئيس شركة استشارات ابتكارية: "هناك تغيير عميق من صنع المجتمع". وينتمي هذا الجزائري الذي يعيش في فرنسا إلى منشئي تطبيق الهاتف المحمول "نتلقاو" ("نلتقي")، الذي بات متاحا على شبكة الإنترنت في أوائل الشهر الجاري.
وتابع: "لقد اكتشفا ما تتميز به حركة الاحتجاج؛ إنه نوع من صحوة المواطنة. أدرك الأشخاص انتماءهم إلى "كل" ( أي الدولة)، وأنهم يتمتعون بحقوق ولكنهم يتحملون أيضًا جزءا من المسؤولية في الحصول على هذه الحقوق. لذلك أردنا مساعدتهم على التجمع". يتيح لك التطبيق تنظيم حدث ودعوة أشخاص آخرين للمشاركة فيه، وتتراوح هذه الأحداث من تنظيف الشاطئ إلى إنشاء مؤسسة.
وأضاف سمير: "يجب علينا تسهيل التمتع بالمواطنة، لأن الديمقراطية هي ممارسة أساسا".
وتطرقت الصحيفة إلى أن ممارسة الديمقراطية تعني حيازتها، أو امتلاكها. وهذا ما تحاول مجموعة من الأطباء، الذين أنشأوا مجموعة تدعى أمانة، منذ عدة أسابيع، وفي مساء أحد أيام شهر تموز/ يوليو، اجتمع هؤلاء الأطباء، الذين يبلغ عددهم 14 شخصا في مقهى للتحضير لاجتماع وطني. تمثل هدفهم في "المساهمة في بناء مؤسسات صلبة وعادلة ومتكافئة"، من خلال تقديم مقترحات تتعلق بالنظام الصحي. وتبدو طريقة نشاطهم ديمقراطية، تتأسس على مبادئ الاستماع إلى الجميع، والنقاش، والقرار المشترك.
وأوضحت الصحيفة أنه في الاجتماع، تُمنح الكلمة بالتناوب، وتُتخذ القرارات بأغلبية ثلثي الأصوات. وتؤكد امرأة شابة التالي: "علينا أن نفسر بشكل أفضل من نكون. أنا على يقين بأن أعضاء المستشفى يعتقدون أننا امتداد لنقابة ما". وأورد مشارك آخر: "يجب أن يكون لدينا موقف سياسي واضح بشأن الثورة"، بينما عارضه زميله: "لا، علينا أن نركز عملنا على الصحة، لأن هذا المجال يعكس شرعية مطالبنا". وأفاد طبيب ثالث: "قبل اتخاذ القرار، علينا منح الكلمة لأعضاء المناطق الأخرى. ليست الجزائر العاصمة هي التي ستغير الأمور".
في هذا الاجتماع، تجلت هشاشة المجتمع المدني الجزائري المتمثلة في عدم ثقة الأفراد في أي شكل من أشكال التنظيم، وصعوبة العثور على أماكن الاجتماع أو الميل إلى مركزية القرارات، في حين أن امتداد الأراضي الجزائرية فضلا عن تنوع خصائصها يتطلب خيارات مختلفة. لكن يرغب هؤلاء الأطباء، المدفوعين بأولى انتصاراتهم، في المحاولة: "لقد نجحنا في التحاور، على الرغم من وجود أشخاص من المحافظين بيننا وآخرين يُخالفونهم التوجهات تماما"، وفقا لما أورده طبيب القلب بلال.
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن العديد من أعضاء المجموعة أنشأوا منصة على شبكة الإنترنت مستوحاة من "ديسيديم"، وهو برنامج تشاركي ظهر في برشلونة واستُخدم في كتالونيا خلال حملة الاستفتاء على الاستقلال. تُمكن هذه المنصة من توفير واسطة عبر الإنترنت لمناقشة النصوص القانونية والتوصل إلى مقترحات تعديل على المدى المتوسط. ويحلل، حمزة، أحد أعضاء المجموعة، قائلا: "نريد أن نفرض أنفسنا كقوة تقدم الاقتراحات. نحن نعلم أن القطاع الصحي يعاني من مشاكل هيكلية تتعلق بمسألة الحوكمة".
لماذا تسعى الجزائر إلى إيقاف الجنرال السابق خالد نزار؟
ماذا لو سارت المظاهرات الجزائرية نحو عصيان مدني؟
لوموند: أين أخفى جنرالات الجزائر عبد العزيز بوتفليقة؟