لم تخف السعودية تعويلها الكبير على فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمنصب، نهاية عام 2016، بالحصول على دعم أكبر من واشنطن في مختلف ملفاتها الملتهبة، بما فيها اليمن، وهو ما ظهر في تكثيف وسائل الإعلام بالمملكة، منذ ذلك الحين، الحديث عن "مرحلة جديدة للشراكة الاستراتيجية"، تعيد للرياض مكانتها "كمركز لصنع القرار العربي والإسلامي".
وفور توليه زمام الأمور بالبيت الأبيض، لم يظهر ترامب ترددا في إصدار قرارات تنفيذية، وصل بعضها حد مخالفة الإجماع الأمريكي والقانون الدولي، كالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للاحتلال وبالجولان "أرضا إسرائيلية"، أو إعلان حالة الطوارئ لتمرير سياساته رغم الكونغرس، أو حتى الدفاع عن الرياض في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
إلا أن دعمه للمملكة في اليمن لم يصل إلى حد التدخل المباشر، واقتصر على بيع المزيد من الأسلحة والحديث عن تقديم إحداثيات ومعلومات.
ومنتصف العام الماضي، كشف تقرير لـ"وول ستريت جورنال" عن أن الإمارات كانت تؤكد عدم خوض معركة الحديدة دون دعم كامل من واشنطن ولندن، إلا أنها لاحقا أعلنت إطلاقها، بالتزامن مع حديث البيت الأبيض عن "مخاوف إنسانية".
الحديدة و"التعثر"
تعد المدينة الساحلية بوابة اليمن الرئيسة، وتهيمن في الوقت ذاته على الملاحة في باب المندب، أحد أهم منافذ النفط السعودي إلى الأسواق العالمية.
ومنذ بدايات "عاصفة الحزم"، وتحرير مدينة عدن، التي تقع على مخرج باب المندب جنوبا، من قبضة جماعة الحوثي، عام 2015، تحول اهتمام الرياض وأبو ظبي غربا نحو سواحل المضيق ومنها إلى الحديدة، إلا أن العملية بدأت تتعقد.
وعلى مدار أكثر من عامين، منذ فرض الرياض أول حصار على ميناء الحديدة منتصف 2017، وصولا إلى الاشتباكات الأخيرة بالمحافظة، نهاية تموز/ يوليو الماضي، لم يستطع التحالف حسم المعركة، مقارنة بأربعة أشهر فقط استغرقها تحرير عدن.
وكانت الضغوط الأممية وتعقد الحسابات الميدانية حاضرة في المشهد، وما تزال، إلا أن تلكؤ دعم "الحليف" الأمريكي، دبلوماسيا على الساحة الدولية وعسكريا على الأرض، كان لافتا.
وتفاقمت بعد ذلك أزمة مسارات تصدير النفط السعودي باشتعال توتر في مضيق هرمز، لتبدأ واشنطن مجددا الحديث عن دعم حلفائها في الخليج أمام التهديد الإيراني، ثم تتراجع مرة أخرى وتعود إلى مربع طلب المزيد من الأموال لقاء "خدماتها".
"سقوط السعودية في الفخ"
يؤكد مدير مركز "يني يمن" الإعلامي، صالح الجبري، أن التحالف الذي تقوده الرياض، وشاركت فيه أبو ظبي بشكل واسع، حقق نتائج إيجابية في البداية، وعمل على ترميم الجيش الوطني، إلا أن "الأجندات الأخرى والأهداف الخاصة" سرعان ما بدأت تطغى على تلك المعلنة، من إعادة الشرعية إلى صنعاء وإجبار الحوثيين على تسليم السلاح الثقيل والعودة إلى المسار السياسي.
ويضيف الجبري، في حديث لـ"عربي21"، أن الإمارات "تحولت في النهاية إلى دولة احتلال في المحافظات الجنوبية والجزر، وخصوصا الموانئ، فيما ركزت السعودية أكثر على المحافظات الشمالية، لكنها باتت اليوم في مربع الدفاع عن حدودها".
اقرأ أيضا: سيناريوهات التقارب الإماراتي الإيراني في اليمن
ويتابع المختص بالشأن اليمني بأن أبو ظبي حرفت المعركة في وقت مبكر نحو محاربة حزب الإصلاح وغيره من التيارات الوطنية، ما تسبب في إطالة أمد الأزمة، وصولا إلى الانكسار أمام صمود الشعب اليمني والخروج من الحرب، بل والتوجه إلى طهران".
ووصف الجبري ذلك بـ"الهزيمة المدوية للأجندة الإماراتية"، إلا أنه أشار بالمقابل إلى أن ذلك تسبب بترك السعودية وحيدة في "المستنقع"، لا سيما وأن الولايات المتحدة فضلت المراقبة.
ويؤكد أن واشنطن "مستفيدة من وضع دول الخليج، وخاصة المملكة، في خانة الابتزاز، ودفعها نحو الاستمرار بدفع المليارات وشراء المزيد من السلاح الأمريكي".
ويوضح أن الرياض ليس أمامها اليوم سوى تعديل المسار والمضي قدما في دعم الشرعية باليمن، فتأثيرات الوضع الحالي على المملكة ستتواصل بكل الأحوال، في ظل امتلاك الحوثيين صواريخ قادرة على ضرب العمق السعودي، وتعطيل الملاحة في باب المندب.
ويقول: "السعودية تمر بمنعطف خطير جدا، سياسيا واقتصاديا وحقوقيا (..) ومن مصلحتها أن تكون صادقة هذه المرة وأن تساهم بالحسم، وإلا فإنها ستكون أول من يكتوي بنار عصابة الحوثي".
"الرياض لا حلفاء لها"
من جانبه، يذهب الكاتب والناشط السياسي اليمني، خالد عقلان، إلى التأكيد على عدم وجود تحالف بين الولايات المتحدة والسعودية، وبأن الأزمة الأخيرة في المنطقة أثبتت ذلك.
ويضيف عقلان، في حديث لـ"عربي21" أن "الرياض تعرضت للطعن من شريكتها في التحالف باليمن، ولا أستبعد أن للإمارات أجندة مع مخابرات دولية تخفيها تماما عن المملكة".
ويتابع: "إن التقارب بين أبو ظبي وطهران يتشكل بطريقة تمثل استهدافا وجوديا للرياض، فحينما يتحدث مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني عن إعادة الإمارات النظر في سياساتها باليمن، وتموضعها العسكري، فإن ذلك يعد بمثابة إعلان هزيمة السعودية".
اقرأ أيضا: لوبلوغ: هل يبحث ابن سلمان عن تحالفات جديدة في المنطقة؟
ويؤكد عقلان أن لتلك "الهزيمة" ما بعدها، موضحا أن الخطوة التالية قد تتمثل في "تسليح عشائر الشيعة بالسعودية عبر طرق متعددة، سيما بعد أن جعلت الإمارات من الحرب في اليمن ثقبا أسود يستنزف المملكة اقتصاديا وعسكريا، وحتى أخلاقيا".
ويختم الناشط اليمني بإلقاء الضوء على التشابه بين أدوار أبو ظبي وطهران في المنطقة، بل وربما "التكامل" بينهما، متسائلا عن ما إذا كانت الرياض تدرك ذلك، "أم أنها لم تعد قادرة على التفريق بين الصديق والعدو".