نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية تقريرا لمراسلها ريتشارد سبنسر، يتساءل فيه عن سبب استمرار الحرب في سوريا، فقبل عام تعهد ديكتاتور دمشق وبثقة بتحقيق النصر النهائي، إلا أن طيرانه لا يزال يسقط القنابل من الجو على المدنيين، ومدافعه تقصفهم من الأرض.
ويقدم التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، صورة عن استمرار الرعب، متحدثا عن يارا بدوي، التي فقدت رجلها اليسرى من الفخذ، فيما ترقد والدتها على سرير العناية المركزية، أما والدها وأخواتها فقتلوا في القصف الأخير للنظام على بلدة أريحا في شمال غربي إدلب، مشيرا إلى أن هذه هي قصة 20 مدنيا قتلوا في البلدة جراء الغارات، أو 31 آخرين لقوا حتفهم في البلدة القريبة، معرة النعمان.
ويقول سبنسر: "قل هذا لبقية السوريين، فثلثا البلاد عادت تحت سيطرة النظام، لكن المعارضة المسلحة تواصل هجماتها على الحكومة، فيما تستمر الأخيرة بملاحقة الشباب وتجنيدهم في الجيش".
وتجد الصحيفة أن قصف أريحا ومعرة النعمان لا معنى له من الناحية العسكرية، فهما ليستا قريبتين من خطوط القتال بين النظام والمعارضة في الجنوب، ولا تعدان أيضا من المعاقل التاريخية للمسلحين المعارضين للنظام والجهاديين الذين يتحكمون في منطقة إدلب، ومع ذلك تم سحقهما بالغارات الجوية.
وينقل التقرير عن أحمد تريسي، وهو من سكان أريحا، قوله: "في كل يوم يقتل الناس ويقطعون بدم بارد.. ترى جثث الأطفال المحروقة والمقطعة، وهذا مرعب، فالأهداف التي يتم استهدافها هي مدنية بالكامل وليست مواقع عسكرية، أسواق وبيوت ومطاعم".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذه المشاهد عادية في الحرب السورية، وكانت في الماضي تسبق عملية عسكرية للنظام، أو استسلاما للمعارضة، وفي حالة أريحا ومعرة النعمان فقد ضربتا لأن النظام فشل في التقدم، ففي نيسان/ أبريل قامت قوات النمر والحرس الجمهوري الأقوى في جيش النظام بقيادة هجوم على إدلب، واستطاع النظام السيطرة على عدد من القرى، إلا أن الهجوم المضاد، الذي قادته هيئة تحرير الشام، أدى إلى صد الهجوم وجمود في الجبهة".
وتذكر الصحيفة أن حوالي 900 من قوات النظام قتلوا في حرب الاستنزاف التي تلت ذلك، إلى جانب نقص المواد الغذائية والإمدادات، ما أثر على معنويات المناطق المؤيدة لدمشق، فالحرب كان يجب أن تنتهي في الربيع والصيف العام الماضي، بعد أن أنهى النظام هجوما بالكلور على آخر معقل للمقاتلين في الغوطة الشرقية، وتحرك بعد ذلك ضد بقية معاقل المعارضة.
ويشير التقرير إلى أنه في تموز/ يوليو، وبعد سلسلة من العمليات التي ترافقت مع محادثات استسلام، قادها الروس، أدت إلى استعادة النظام مساحات في الجنوب السوري، خاصة درعا، وبموجب اتفاقيات "المصالحة"، سمح للمقاتلين بالحفاظ على أسلحتهم، والمشاركة في الإدارة المحلية، فيما اختار آخرون العودة إلى قراهم.
ويلفت سبنسر إلى أن هذا تزامن مع عملية لقوات سوريا الديمقراطية، التي تقدمت بدعم أمريكي لمحاصرة تنظيم الدولة في آخر مناطقه في وادي الفرات، مشيرا إلى أنه في نهاية المعركة في بلدة باغوز، التي قادتها وحدات من قوات حماية الشعب، رافقها مستشارون بريطانيون وفرنسيون وقوات أمريكية خاصة، كان النظام قد أحكم سيطرته على ثلثي البلاد.
وتفيد الصحيفة بأن إدلب ظلت منفصلة، وتحت سيطرة تحالف فوضوي من جماعات الجيش السوري الحر والجهاديين، التي لم يعطها الدبلوماسيون فرصة للصمود أمام هجوم واسع من النظام وحلفائه الإيرانيين، لكنها صمدت، مشيرة إلى أن الدبلوماسيين يفسرون فشل النظام في استعادتها بكونها جزءا من مشكلة كبيرة يواجها نظام بشار الأسد، فالقوى الخارجية التي ساعدته على حرف ميزان الحرب لصالحه تمنع الأسد من إنهاء ملف إدلب.
وينوه التقرير إلى أنه في الوقت الذي ساعد فيه التدخل الروسي عام 2015 في روسيا على حرف ميزان القوة في الحرب السورية، إلا أن موسكو لم تلق بثقلها وراء الحملة على إدلب؛ لأن الرئيس فلاديمير بوتين، بحسب دبلوماسي غربي، "لديه أولوياته الأخرى"، فهو يريد إرضاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يصر على بقاء المحافظة بعيدة عن يد النظام، وأرسل أسلحة متقدمة إلى الجماعات المسلحة التي تدعمها أنقرة، مع أنها تحالفت مع جماعات "إرهابية"، مثل هيئة تحرير الشام.
ويقول سبنسر إن "تركيا دعمت الحرب على النظام منذ البداية، لكنها لم تعد ترى أن سقوطه بات ممكنا، إلا أن سقوط آخر معقل للمعارضة له سيكون بمثابة إهانة شخصية لأردوغان، بالإضافة إلى أن سقوطها يعني موجة جديدة من اللاجئين الذين سيفرون باتجاه الحدود التركية، وتركيا تستقبل الآن أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري".
وتورد الصحيفة نقلا عن الناشطين المتعاطفين مع المعارضة، قولهم إن صمود مقاتلي هيئة تحرير الشام أسهم في فشل النظام في التقدم نحو المحافظة، مشيرين إلى أن معظم المقاتلين فيها هم ممن نقلهم النظام في حافلات بعد خروجهم من مناطق أخرى في سوريا.
وينقل التقرير عن الناشط السوري المعارض في واشنطن معاذ مصطفى، قوله إن معركتهم هي الأخيرة، فلا ملجأ لهم، و"إدلب ليست إدلب فقط، بل حمص وحلب ودمشق وحماة ودرعا".
ويشير الكاتب إلى أن الملايين في الشرق من البلاد يعيشون في حالة من عدم اليقين، في ظل تحالف مشترك بين قوات حماية الشعب المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، إلى جانب زعماء القبائل العربية المعادين للأسد والقوات الأمريكية، لافتا إلى أنه لا أحد في هذه المنطقة يعلم إن كان النظام سيستعيدها، أو فيما ستظل القوات الأمريكية فيها، أو ستوفي تركيا بوعدها الذي تذكره أسبوعيا وتجتاح المناطق للتخلص من العدو الكردي.
وتفيد الصحيفة بأن أمريكا تريد استمرار الأكراد في إدارة المنطقة حتى بعد خروجها، وهو ما يرفضه أردوغان، الذي يطالب بمنطقة آمنة على طول الحدود السورية لقطع الإمدادات عن أكراد سوريا من المتمردين الأكراد في تركيا، مشيرة إلى أن أردوغان أكد أنه سيحقق هذا بالقوة إن اقتضى الأمر.
ويلفت التقرير إلى أنه مثل بقية مناطق النزاع التي انخرط فيها بوتين في أوكرانيا وسوريا، فإن محاور الحرب فيهما تجمدت، لكن المدنيين، مثل يارا، سيواصلون المعاناة، والنتيجة هي تحول إدلب تحت سيطرة الجهاديين، الذين باتوا القوة الرئيسية فيها، ما يعني حاجة الناس فيها للمساعدة التي باتت اليوم شحيحة بسبب قطع الدول الغربية معظم برامجها الإغاثية عن المنطقة.
ويورد سبنسر نقلا عن الضابط البريطاني السابق هاميش دي بريتون- غوردون، الذي يقدم النصح للأطباء السوريين حول كيفية التعامل مع الهجمات الكيماوية، قوله إن هجوم أريحا، الذي لفت انتباه العالم، هو واحد من الغارات التي تحدث على قاعدة يومية، وأضاف غوردون أن "جنون الأيام الماضية سيستمر، وهذا يعني قتل آلاف المدنيين".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول تريسي من أريحا، إن "البلدة مغلقة محلاتها وأسواقها، وشوارعها فارغة، وهذه كارثة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
هل تشن روسيا هجوما بريّا في سوريا؟
صحيفة: ما مصير عضوية تركيا بالناتو بعد شراء "أس400"؟
كيف أصبحت طائرات إسرائيل المسيرة أداة روسيا لحماية الأسد؟