نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيسك، يقول فيه إنه ينبغي تجاهل مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، وتذكر خطة السلام الأمريكية قبل 100 عام.
ويقول فيسك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "قبل مئة عام بالضبط تقريبا كان هناك رئيس أمريكي يبحث عن (صفقة قرن) للشرق الأوسط، لكن الأكاديمي المسيحي هنري كينغ من كلية أوبرلين لم يكن جاريد كوشنر، ولم يكن هو ولا رجل الأعمال تشارلز كرين، الذي أصبحت عائلته ثرية من صناعة مقاعد الحمام، زوجا لابنة الرئيس، لكن الرئيس وودرو ويلسون أرسلهما في مهمة طموحة في عام 1919، ليتجولا في أنحاء الإمبراطورية العثمانية المحطمة؛ للبحث عما يمكن عمله للمسلمين والمسيحيين واليهود في الشرق الأوسط، وكذلك الأتراك والأرمن واليونانيين".
ويبين الكاتب أنه "على خلاف كوشنر والسفير الأمريكي الصهيوني لإسرائيل ديفيد فريدمان، فإنهما لم يتحركا في المنطقة للتحدث مع أثرى العرب الذين يستطيعان العثور عليهم، وفشلا في الالتقاء بعرب ويهود فلسطين، لكنهما حاولا معرفة ما إذا كان بالإمكان تطبيق قاعدة ويلسون بخصوص حق تقرير المصير على الأرض المقدسة".
ويشير فيسك إلى أنه "في منتصف صيف عام 1919 قامت اللجنة التي قادها كينغ وكرين بالسفر في أنحاء الشرق الأوسط كله، فزاروا 36 مدينة، بما في ذلك القدس ويافا ودمشق وبيروت وطرابلس وحمص وحماة وحلب، واستمعوا مباشرة لما يريده أهالي 1520 قرية، وتسلموا 1863 عريضة".
ويقول الكاتب: "سافرا في البحر والبر، وأكلا على طاولات الحكام البريطانيين والملك فيصل، وفي قصر الملك فيصل لبسا ثيابا عربية، حيث أقام لهما مأدبة فاخرة، وأصدرا تقريرا في المحصلة، لكن ويلسون كان مريضا إلى درجة منعته من قراءة تقريرهما الذي كبتته وزارة الخارجية".
ويضيف فيسك: "أما وزارة الخارجية الأمريكية اليوم فلم تعد موجودة تقريبا، حيث ألغاها ترامب تماما، واعترف وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بأن جاريد كوشنر كان لا يطلعه على شيء، لكن ويلسون كان يثق في كل من كينغ وكرين ومساعديهما، مع أن هؤلاء كانوا كل من تبقى من لجنة كان من المفروض أن تكون دولية، ويشارك فيها دبلوماسيون من بريطانيا وفرنسا، لكن للأسف كان وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو قد حكمتا على لجنة كينغ-كرين بالفشل، قبل أن يركبا القطار من باريس، عبر البلقان، إلى إسطنبول".
ويجد الكاتب أن "من المحزن أنه في وقت يحاول فيه ترامب وكوشنر إغراق المستقبل الفلسطيني في محيط من الدولارات الخليجية لم يتذكر أحد لا في الشرق ولا في الغرب الذكرى المئة لأكثر التحقيقات الغربية تفصيلا، في ما كان يريده شعب الشرق الأوسط لمستقبلهم، ألا تستحق شيئا من إحياء ذكراها في هذا العام البائس من الخيانة والخطر في الشرق الأوسط؟".
ويلفت فيسك إلى أن "أحد الاستنتاجات الذي وصلت إليه اللجنة، وتأكد الأكاديميون العرب من صحته، هو أن سكان الشرق الأوسط كانوا يريدون أن يعيشوا تحت الوصاية الأمريكية، وهو ما يعني أنهم كانوا يثقون في أمريكا أكثر من القوى الغربية الأخرى، (فكانوا يكرهون الفرنسيين لكنهم أيضا لا يثقون في البريطانيين)".
ويقول الكاتب: "علينا أن نذكر هنا بأن ولاية سوريا العثمانية كانت تضم لبنان وإسرائيل/ فلسطين والأردن، وهناك الجزء المهم من التقرير الأمريكي: (نوصي.. بأن تبقى سوريا وفلسطين ولبنان وحدة واحدة بحسب رغبات الغالبية العظمى.. وأن يكون الأمير فيصل ملكا لدولة سوريا الجديدة.. وأن يتم تعديل البرنامج الصهيوني المفرط بشكل كبير.. وأنه إن لم يتم انتداب أمريكا لأي سبب أن تنتدب بريطانيا العظمى)".
ويفيد فيسك بأن "اقتراح اللجنة كان أن يمنح الانتداب لبريطانيا إن لم تشأ أمريكا القيام بتلك المهمة، وكان يتوقع أن تحتل أمريكا أرمينيا لحماية الدولة الجديدة من الجيش التركي، الذي ارتكب مذابح فيها عام 1915، لكن أمريكا تراجعت عن هذه المهمة الإنسانية".
وينوه الكاتب إلى أن "أمريكا انحنت في المحصلة للدول الإمبريالية القديمة، التي انتصرت بمساعدتها في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا وهنغاريا والنمسا والإمبراطورية العثمانية، ولم يعد النفوذ الأمريكي إلى الشرق الأوسط إلا بعد أداء الدولتين المثير للسخرية في أزمة قناة السويس عام 1956، وكلنا يعلم ماذا حصل قبل ذلك بحوالي عقد من الزمان عندما تخلت بريطانيا عن فلسطين".
ويذكر فيسك أنه "في عام 1919 كانت تركيا لا تزال في حالة حرب أهلية، ونزل اليونانيون، بمساعدة من قوات التحالف وخمس سفن حربية أمريكية توفر الحماية، في إزمير، ومنها شقوا طريقهم إلى أنقرة وارتكبوا جرائم كثيرة في طريقهم، وكانت القوات الفرنسية تقاتل قوات مصطفى كمال أتاتورك في كيليكيا، وكانت قواعد ويلسون بخصوص حق تقرير المصير قد تلاشت بسبب مرضه، وزادت عزلة أمريكا، فلم يكن مفاجئا أنه تم التكتم على تقرير اللجنة، لكن تم نشره خلسة بعد ثلاثة أعوام تقريبا".
ويقول الكاتب: "كان هناك شك أصلا في إرسال اللجنة؛ لأن الفرنسيين، وبحسب الدبلوماسي الأمريكي السابق، هاري هاوردز، الذي قال بعد 40 عاما، إن فرنسا كانت ترى أن الأمريكيين (كانوا أكثر أمانة من أن يتعاملوا مع الشرقيين)، وحاول الفرنسيون جهدهم أن يخربوا اللجنة، وأقنعوا لويد جورج بالانسحاب منها، إلا أن فيصل الذي كان سيصبح ملكا كتب لويلسون بأنه عندما يزور ممثلوه سوريا فإنهم سيجدون (بلدا موحدة في حبها وامتنانها لأمريكا)".
ويفيد فيسك بأن "اللجنة في طريقها للشرق الأوسط قد أخذت معها أكواما من الوثائق لدراستها، بما في ذلك المنشورات الصهيونية والأدلة السياحية وغير ذلك".
ويجد الكاتب أن "من المثير أن أحد التقنيين في اللجنة أشار إلى (وضوح الأهمية الكبرى للشعب الأمريكي للإبقاء على موقع قوي في تجارة النفط.. وضرورته لضمان.. حق الصناعة الأمريكية لأن تحظى بنصيبها من تطوير مصادر النفط في أراضي (الشرق الأوسط) التي على وشك أن تقع تحت السيطرة البريطانية)، وهذا مؤشر على اهتمام أمريكا بالنفط من ذلك الوقت، وهو ما يقلل من أهمية تغني أمريكا بحق تقرير المصير لشعوب المنطقة".
ويشير فيسك إلى أن لجنة من المسلمين والمسيحيين قد أعربت للجنة عن رغبتها في بقاء سوريا موحدة مع فلسطين، وكلها تحت الوصاية البريطانية، فيما طالب وفد صهيوني بوطن قومي بناء على وعد بلفور.
ويلفت الكاتب إلى أن "تشارلز كرين توصل إلى أن معظم المسلمين والمارون والدروز وغيرهم من الطوائف المسيحية الذين هاجر أشخاص منهم إلى أمريكا، (كانوا موالين بشدة) للولايات المتحدة، ولذلك فإن هذا (جعل سكان سوريا وفلسطين يثقون في أمريكا)، وربما ساعد على تلميع صورة أمريكا وجود ما يعرف اليوم بالجامعة الأمريكية".
ويفيد فيسك بأنه "مع وصول اللجنة إلى دمشق كان (شعب الساحل) يطالبون (بالاستقلال الكامل لسوريا من جبال طوروس في الشمال ونهري خابور والفرات في الشرق إلى العقبة ورفح في الجنوب إلى البحر الأبيض المتوسط غربا)، كما ذكر التقرير بأن سكان هذه المناطق يرفضون الهجرة الصهيونية إلى بلادهم ويرفضون (تحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود)".
وينوه الكاتب إلى أن "التقرير أشار إلى أن عمدة دمشق والمفتي والقاضي كانوا يريدون حكما أمريكيا؛ لأن أمريكا أكثر إنسانية ودخلت الحرب العالمية الأولى نيابة عن الشعوب المظلومة، ولأنها (ثرية جدا)، وفي لبنان حيث كانت حركات تحرير المرأة بقوتها كما كانت في مصر بعد الحرب، والتقى وفد من النساء المسلمات بقيادة ابتهاج قدورة لم يطالبن فقط بالاستقلال، بل بالتطور أيضا، لتضمن سوريا (الطبيعية) مكانا لها بين الدول المسؤولة في العالم، لكن بالنسبة لعضو في اللجنة الأمريكية فإن أمريكا (منحت وعودا أكيدة لليهود)، إن طبقت فإنها ستتسبب (بصعوبات غير معلومة المدى مع المسلمين وتعقيدات سياسية في البلاد)".
ويذكر فيسك أن "الفرنسيين قاموا بدفع وفود مسيحية لرؤية اللجنة الأمريكية عندما زارت طرابلس، وأعطي المسيحيون، الذين يفضلون انتدابا فرنسيا، أولوية على المسلمين الذين كانوا يرغبون باستقلال تام".
ويشير الكاتب إلى أن "تقرير كينغ-كرين وصل الى الاستنتاج أنه (قد تنشأ هناك مخاطر من التعاملات غير الصادقة.. لكن هناك أمل كبير بالسلام والتطور إن تم التعامل معهم بصراحة وبأمانة)، ولكن كانت تلك آمالا كاذبة للعرب، ما دعا غيرترود بيل لشجب لجنة كنغ كرين باعتبارها خداعا إجراميا، فالملك فيصل الذي خاطب الأمريكيين ببلاغة كبيرة تمت إزاحته عن عرش سوريا من الجيش الفرنسي، وتم تنصيبه على العراق تعويضا له من وينستون تشرتشل، وكان العراق تحت الحكم البريطاني ولم تزره لجنة كينغ-كرين".
ويتساءل فيسك: "هل كان ذلك كله مقابل لا شيء؟ لقد صدر عن تلك اللجنة تحذير آخر، فقالت لويلسون: (ليس أنت فقط لكونك رئيسا.. بل على الشعب الأمريكي كله أن يدرك أنه إذا قررت الحكومة الأمريكية دعم إقامة دولة يهودية في فلسطين فإن ذلك يلزم الشعب الأمريكي باستخدام القوة في المنطقة، لأنه بالقوة فقط يمكن إقامة دولة يهودية في فلسطين والحفاظ عليها".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "في تلك الأيام كانت معرفة الكتاب المقدس تعد تدريبا جيدا لفهم الشرق الأوسط، لكن اليوم يعتقد بعض رجال الدولة أن معرفة القرآن قد تساعد في الفهم أكثر، إلا أن الحقيقة هي أن التاريخ قد يكون مؤشرا أفضل للرجال والنساء الذين يسعون لتقرير مستقبل المنطقة، لكن ذلك يبدو طلبا كبيرا عندما يكون خلفاء وودرو ويلسون يفضلون الدفع النقدي و(صفقة القرن) ومناقشة (القضايا) و(السلبيات) في فنادق البحرين".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
نيوزويك: هذه هي العقبة الكبرى في خطة كوشنر للسلام
وول ستريت: لماذا صمت العرب عن انتقاد إسرائيل في المنامة؟
التايمز: ورشة البحرين تأكيد للتطبيع الخليجي مع إسرائيل