يرمز المخيم الفلسطيني إلى قضية اللاجئين، ويمثل رمزا وطنيا وسياسيا
لحق العودة، ويذكّر العالم بالنكبة؛ الاسم المرادف للكارثة والمأساة الإنسانية
التي ألمت بالفلسطينيين عام 1948، والتي ترمز أيضا إلى التهجير القسري الجماعي
الذي نفذته الحركة الصهيونية بحق الفلسطينيين، بدعم من بريطانيا.. وطالما ظل
المخيم، تظل قضية اللاجئين قائمة.. من هنا كانت الحملة الإسرائيلية المحمومة ضد
المخيمات، في محاولة منها لإنهاء وجودها، كلما أمكن لها ذلك، وللأسف تورطت أنظمة
عربية وتنظيمات أصولية في هذا المخطط، سواء كان ذلك مقصودا، أم غير مقصود.
وقد
نجحت إسرائيل في تدمير عدد من المخيمات، أولها مخيم النبطية في الجنوب اللبناني، الذي
سوّته الطائرات الإسرائيلية بالأرض (1974)، أما الأطراف الخارجية التي ساهمت
بطريقة أو بأخرى في إنجاح هذا المخطط، فقد تمكنت من تدمير مخيم تل الزعتر (على يد
الكتائب 1976)، وتنفيذ مذبحة صبرا وشاتيلا التي نفذتها "الكتائب" بحماية
شارون (1982)، وحرب المخيمات التي شنتها حركة "أمل" لثلاث سنوات متتالية
على شاتيلا وبرج البراجنة (1985 - 1988)، ومخيم نهر البارد الذي دمرته بالكامل
منظمة "فتح الإسلام" (2007)، وأيضا مخيمات ضبية، جسر الباشا، مار إلياس
التي دمرت كليا في الحرب الأهلية اللبنانية.
وحيث
يدرك الجميع أن مصير ومستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان وسورية، وبالتالي ديمومة
قضية اللاجئين، إنما يتوقف على بقاء المخيمات، وبالنظر إلى هذا التاريخ الملطخ
بدمها، من الصعب ألا نقتنع بوجود مؤامرة تستهدف وجودها، وضرب رمزيتها، وما تعنيه
لحق العودة، بل تريد تصفيتها نهائيا، وجعلها جزءا من الذاكرة المنسية. هذه
المؤامرة التي تسعى لإخراج اللاجئين من أي تسوية سياسية، وجعلهم مجرد جموع هائمة
على وجهها في شتى بقاع الأرض، تبحث عن خلاصها الفردي فقط، تنفذها أطراف متعددة،
بدءا من إسرائيل، مرورا بالنظام السوري وغيره من الأنظمة، وانتهاء بـ"داعش".
وفي
سياق متصل، يمكننا رؤية أيضا ما قام به نظام القذافي سنة 1993 حين طرد الفلسطينيين
المقيمين في ليبيا وجمعهم في خيام مؤقتة في الصحراء على الحدود المصرية. وأيضا ما
قامت الميليشيات الطائفية بعد سقوط النظام العراقي من تنكيل بالفلسطينيين المقيمين
في العراق، حتى تقلص عددهم من عشرين ألف إلى بضعة مئات، جمعوهم في مخيمات بائسة
على حدود الأردن وسورية لسنوات طويلة، حتى تم نفيهم إلى أقاصي الأرض. وكذلك تفريغ
مخيم اليرموك من سكانه، حتى تراجع من 250 ألف إلى بضعة آلاف، وهؤلاء يواجهون
مستقبلا غامضا.
فالقضية
هي استهداف المخيم بحد ذاته، ولو نظرنا إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان، سنجد أن
سكانها يعانون أوضاع البؤس والفقر، وحرمانهم من حقوقهم المدنية والطبيعية، الأمر
الذي أدى إلى تفاقم إحساسهم بالعزلة والضياع، ودفعهم للهجرة، حتى تقلصت أعدادهم من
469 ألف لاجئ، إلى 114 ألف فقط.
وحتى
لو لم تكن القضية مؤامرة بالمعنى الحرفي للكلمة، أو تدفيع الفلسطينيين أثمان
الحروب والصراعات الداخلية في المنطقة، فهي ممارسات ممنهجة تأتي في إطار مخطط
لإنهاء كل التجمعات الفلسطينية، وتذويبها وتشتيتها، ودفع اللاجئين للتفكير في
الحلول الفردية، والهجرة إلى شتى أصقاع الأرض، تمهيدا لإقفال ملف حق العودة.
وقد
تعمقت أزمة قضية اللاجئين في عهد ترامب، وصارت أكثر تعقيدا، وأبعد عن أي حل عادل،
وصارت مطالب الفلسطينيين بحق العودة أكثر صعوبة، والسبب في ذلك سياسات حكومة
نتنياهو المتطرفة، والتي تعبر عن تنامي قوة اليمين الصهيوني في إسرائيل، بل وفي
أميركا وأوروبا.
في
عهد ترامب، وضمن الخطوات العملية لتنفيذ "صفقة القرن"؛ تحوّل الموقف
الأميركي تجاه قضية اللاجئين من الازدواجية والتهرب من القرار 194، والالتفاف
عليه، إلى نكران قضية اللاجئين، والعمل على تصفيتها؛ وتقوم الخطة الأميركية
الإسرائيلية الحالية على نقطتين، الأولى: إنهاء وكالة الغوث، وتقليص الدعم المقرر
لها بداية، ثم سحب الاعتراف بها ممثلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين. الثانية: إعادة
تعريف اللاجئ، بحيث يتم اختزاله بالجيل الذي كان في فلسطين إبان النكبة وما زال على
قيد الحياة، أي عدم الاعتراف بالأحفاد والأجيال التي نشأت بعد النكبة بصفتهم
لاجئين. وبناء عليه، تم تحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين بنصف مليون فقط، وليس 5.9
مليون، كما هو مسجل في وثائق الوكالة، وتحويل قضية هؤلاء إلى المفوضية السامية
للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
الموقف
العربي الرسمي لحد الآن ضعيف وخجول، ولا يرقى للمستوى المطلوب، لا إعلاميا ولا
سياسيا، وهذا الموقف الصامت، يثير الشك في أن بعض القيادات العربية إما أنها
موافقة على التوجهات الأميركية بشأن قضية اللاجئين، أو أنها عاجزة عن اتخاذ موقف
معارض.. كما أن الدول العربية الغنية لم تبادر بسرعة لتعويض العجز المالي في وكالة
الغوث، من أجل إنقاذها.. وحسب بعض التسريبات الصحافية، فإن بعض الدول العربية قد
تقبل بالعروض الأميركية المقدمة، وهي تحويل المبالغ المالية التي كانت تصرف على
وكالة الغوث، بحيث تدفع مباشرة لتلك الدول، وفي هذه الحالة تظل الخدمات المقدمة
للاجئين مستمرة، ولكن دون الوكالة، ما يعني إلغاء البعد السياسي والدولي لقضية
اللاجئين، وتحويلها إلى مجرد خدمات.
بيد
أن إفشال هذا المخطط على أرض الواقع، يتوقف أولا على الحراك الشعبي الفلسطيني،
وعلى موقف القيادة الفلسطينية الصارم والواضح، وعلى تحرك الأطراف الأخرى، تحديدا
الدول العربية، وكذلك الدول الصديقة، ومدى قدرتها على التصدي للمخطط الأميركي،
وعلى إنقاذ الأونروا، ودعمها ماديا، خاصة بعد توقف أميركا عن تقديم
المخصصات المفروضة عليها. فإذا نجحت الدول العربية والأوروبية هذه العام بمنع
انهيار الوكالة، ودعمها ماليا، فليس هناك ضمانات كافية لفعل ذلك مستقبلا.
وأخيرا،
مخططات إنهاء قضية اللاجئين ليست بالجديدة؛ وقد حاولت إسرائيل وأميركا مرارا
وتكرارا تنفيذها، إلا أنها لم تنجح، لأنها قضية راسخة في الوجدان الشعبي الفلسطيني،
صحيح أن اللاجئين لم يعودوا إلى وطنهم حتى الآن، لكنهم ظلوا متمسكين بحق العودة،
ورافضين لمشاريع التوطين.. وكما أفشلت التظاهرات الشعبية في قطاع غزة مخططات
التوطين في الخمسينيات، ستفشل كل المخططات الأخرى، طالما أن اللاجئين يطالبون
بحقهم في العودة. وكما قيل: لا يضيع حق وراءه مُطالِب.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية