كتاب عربي 21

إيران تكسب عداء غالبية الأمة.. ماذا عمن يواجهونها؟

1300x600

أجرى مركز الدراسات الدبلوماسية الإيرانية المقرّب من الخارجية، لقاءً خاصا مع الباحث والخبير الإيراني المختص في الشؤون الدولية، نوذر شفيعي، حمل تقييما للسياسة الخارجية الإيرانية.

وحمّل الخبير الإيراني الدبلوماسية الإيرانية مسؤولية العداء مع غالبية الأمة العربية والإسلامية، معتبرا أن "أحد أهم أخطاء السياسة الخارجية الإيرانية"، تتمثل في تركيزها على "التواصل مع الشعوب وليس الحكومات"، والنتيجة أن إيران لم تحصل "على أي نتائج إيجابية من الشعوب". ويعود ذلك برأيه "إلى "التوجه المذهبي للسياسة الخارجية الإيرانية، وبعض القرارات العسكرية والأمنية التي تبنتها إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، وبعض القضايا الأخرى".

وحذر شفيعي من استمرار سياسات إيران الخارجية الحالية، قائلا: "اليوم يجب أن تكون مصالحنا الوطنية هي الأولوية والأساس لإقامة العلاقات بين إيران والدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز، وإذا لم نعتمد مثل هذه السياسة، فبكل تأكيد في السنوات القادمة سندفع الثمن باهظا".

ورأى أنه "بدلا من الإنفاق العسكري والمالي والأمني والتسليحي، وحتى الاستنزاف البشري خلال السنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة، علينا من الآن أن نضع معايير للسياسة الخارجية الإيرانية تتسم بالمرونة والعقلانية من أجل الحفاظ على مصالحنا الوطنية".

وحول ما يسمى محور المقاومة، قال شفيعي: "هذا المحور الذي تعتبر إيران أنه يمثل ذروة نفوذها الإقليمي في المنطقة مرتبط بالدعم المالي الذي تقدمه. وفي حال انقطع التمويل الإيراني عن هذا المحور، فستواجه إيران بكل تأكيد عزلة عنه على الفور، وستقطع الجماعات المنضوية فيه علاقتها بإيران".

 

يرى أن المصالح الوطنية الإيرانية ينبغي أن تحكم السياسة الخارجية الإيرانية، بعيدا عن مشروع التمدد المذهبي الذي يتبناه المحافظون، والذي يتخذ من شعار "المقاومة والممانعة" سلّما

يمثل هذا الطرح الذي يتبناه شفيعي نمط تفكير التيار الإصلاحي، والذي يرى أن المصالح الوطنية الإيرانية ينبغي أن تحكم السياسة الخارجية الإيرانية، بعيدا عن مشروع التمدد المذهبي الذي يتبناه المحافظون، والذي يتخذ من شعار "المقاومة والممانعة" سلّما أساسيا للوصول إلى أهدافه.

كان هذا المشروع قد حصل على دفعات قوية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وكان الانتصار الكبير الذي حققه حزب الله على الكيان الصهيوني في أيار/ مايو عام 2000، وقبله المعارك الجزئية التي خاضها، مدخلا للترويج للمشروع، بجانب المشاركة في محور تمكّن من إفشال مشروع التمدد الصهيوني عبر أوسلو، مع العلم أن  جزءا مهما من عملية الإفشال قد تم بتعاون الأنظمة العربية المحسوبة على "محور الاعتدال" التي أدركت بدورها طبيعية الأحلام الصهيونية. ونتذكر على هذا الصعيد، قمة الإسكندرية التي جمعت مصر والسعودية وسوريا منتصف التسعينيات، وخطاب عمرو موسى (الثوري نسبيا) في تلك الأيام.

شعرت إيران في تلك الأثناء أنها اخترقت المجتمعات العربية والإسلامية، وأن مشروع التمدد المذهبي قد بدأ يؤتي أكله، لكن ما أظهرته من تواطؤ مع الغزو الأمريكي للعراق، ومن ثم تعاون القوى التابعة لها مع الاحتلال، وصولا إلى إعدام صدام حسين (يوم عيد الأضحى)، وما تلاه من سياسات في العراق، ما لبث أن كشف الوجه الحقيقي للسياسة المذهبية الإيرانية. لكن ذلك كله كان في كفة، والتدخل الإيراني ضد الشعب السوري في كفّة أخرى، واكتملت الفضيحة بالتدخل الإيراني عبر الحوثيين في اليمن.

 

تحوّلت إيران إلى عدو سافر في وعي الغالبية العربية والإسلامية، باستثناءات محدودة جدا تمثلها بعض تيارات اليسار والقومية

هنا تحوّلت إيران إلى عدو سافر في وعي الغالبية العربية والإسلامية، باستثناءات محدودة جدا تمثلها بعض تيارات اليسار والقومية هامشية التأثير.

ولم تكن كارثية هذه السياسة المذهبية محصورة في هذا الإطار، بل تجاوزتها إلى نزيف في سوريا، وحريق في العراق واليمن؛ أدى إلى تنازل خامنئي عن مشروعه النووي لأجل رفع العقوبات، ثم كان أن عادت العقوبات من جديد على يد ترامب.

ما ذكره الخبير الإيراني هو لسان حال التيار الإصلاحي الذي يقدم ما يشبه "جردة حساب" للسياسات الكارثية التي دفع ثمنها الشعب الإيراني، من دون أفق حقيقي لتحقيق المشروع المذهبي. وقد سبق أن جاء هذا التقييم في عشرات التقارير، رغم سطوة المحافظين وهيمنتهم على السلطة في إيران، وصعوبة انتقادهم تبعا لذلك.

ما يريده التيار الإصلاحي تبعا لذلك هو ما يريده الإيرانيون الذي يبحثون عن العيش، وليس عن أحلام التمدد المذهبي، لكن البعد الآخر هنا هو أن هذا التيار لا يبدو أقل خطورة، إذ أن حديثه عن التصالح مع الأنظمة، ينطوي على تجاهل للشعوب وأحلامها في الحرية والتحرر، في ذات الوقت الذي ينطوي فيه على نوايا مصالحة مع الغرب والكيان الصهيوني، ما يعني أن النتيجة هي استعادة دور "الشاه" المخلوع؛ لأن القوى الإمبريالية (أمريكا والقوى الصاعدة الجديدة) لن يكون من مصلحتها حدوث مصالحة إيرانية عربية تركية.

 

ما يريده التيار الإصلاحي تبعا لذلك هو ما يريده الإيرانيون الذي يبحثون عن العيش، وليس عن أحلام التمدد المذهبي، لكن البعد الآخر هنا هو أن هذا التيار لا يبدو أقل خطورة، إذ أن حديثه عن التصالح مع الأنظمة، ينطوي على تجاهل للشعوب

من المؤكد أن حدوث هذه المصالحة بعيدا عن التدخلات الخارجية هو المسار الأهم لوقف نزيف شعوب المنطقة، لكن المعضلة تأتي هنا من الطرف الآخر العربي الذي يواجه إيران، والذي جعل أولويته الأولى خلال العقد الأخير هي مواجهة أحلام الشعوب في الحرية والتحرر، كما عبّر عنها الربيع العربي، ما يجعل السؤال الكبير هو: هل ينطوي عرض التيار الإصلاحي الإيراني على تعامل مع الأنظمة وتجاوز للشعوب العربية، مقابل تحقيق مطالب الشعب الإيراني الذي ترفض أغلبيته سياسات المحافظين؟! الجواب عمليا هو هذا بالضبط، إذ لا يبدو الإصلاحيون معنيين؛ لا بقضية  بفلسطين، ولا بمطالب الشعوب العربية في الحرية، وهم يفضّلون التعاون مع الأنظمة وليس الشعوب.

لسنا هنا بصدد الاختيار بين التيارين، إذ أن فرص التيار الإصلاحي في السيطرة محدودة، كما أن التيار المحافظ لا يَعدِنا كشعوب إلا باستمرار الصراع المذهبي، حتى لو دعم المقاومة في فلسطين، ونتائج مغامراته في سوريا والعراق واليمن مدمّرة، وهي أكثر من خدم الكيان الصهيوني في واقع الحال.

لنذهب إلى الجانب الآخر من القضية الراهنة، ممثلا في الأنظمة التي تدّعي مواجهة إيران.

لا خلاف على أن هذه الأنظمة تخشى إيران، ولا ترفع شعار مواجهتها كذبا؛ لأن تعامل الأخيرة مع الجاليات الشيعية في الدول العربية كجاليات إيرانية يمثل وصفة فوضى، فكيف حين ينطوي الأمر على مشروع تمدد مذهبي كبير، يهدد الخاصرة السعودية، ويهدد وقائع التاريخ والجغرافيا في المنطقة.

المصيبة تتمثل في جانبين؛ الأول أن هذه الأنظمة لا تمانع في دفع ثمن لأمريكا من جيب قضية الأمة المركزية، بجانب الأثمان المالية الباهظة كي تواجه لها إيران، فيما الحقيقة أن أمريكا ليست معنية سوى بمصالح الكيان الصهيوني، ولا تريد لجم طموحات إيران المذهبية التي تعزز الصراع بينها وبين المحيط العربي والإسلامي؛ لأنه صراع يدرّ المكاسب المعروفة.

 

حريق هذه المنطقة المدمّر لن يتوقف من دون تغيير جوهري في المعسكرين المتقابلين: الأول هو الإيراني الذي ينبغي أن يتجاوز مشروعه المذهبي إلى صيغة تعايش وجوار، فيما يتجاوز الثاني عقدة رفض الإصلاح السياسي، والمصالحة مع شعوبه

أما المصيبة الثانية فتتمثل في أن إدارة الصراع مع إيران تتم بطريقة بائسة، إذ تابع الجميع نتائجها في سوريا مثلا، وكذا في اليمن وقبل ذلك العراق. وسبب ذلك كله هو خلل الأولويات، فما دامت تلك الدول ترى أن قوى "الإسلام السياسي"، والأهم مطالب الشعوب في الإصلاح هي الخطر الأكبر، وتشتبك مع شعوبها وغالبية الأمة، فلن تتمكن من إدارة معركة ناجحة أخرى، لأن السياسة أولويات في نهاية المطاف.

كل ما سبق يؤكد أن حريق هذه المنطقة المدمّر لن يتوقف من دون تغيير جوهري في المعسكرين المتقابلين: الأول هو الإيراني الذي ينبغي أن يتجاوز مشروعه المذهبي إلى صيغة تعايش وجوار، فيما يتجاوز الثاني عقدة رفض الإصلاح السياسي، والمصالحة مع شعوبه وشعوب الأمة وحقها في الحرية والتعددية؛ بجانب الانحياز لقضيتها المركزية (فلسطين). وعندها يمكن لمحاور الأمة الثلاثة أن تلتقي على كلمة سواء عنوانها التعاون، وأقله التعايش، بعيدا عن التدخلات الخارجية.