شهدت الفترة من 5 إلى 15 أيار/
مايو الحالي زيارة فريق من خبراء صندوق النقد الدولي بقيادة "سوبير لال"؛ لإجراء المراجعة الخامسة والأخيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، الذي يدعمه
اتفاق لمدة ثلاث سنوات في إطار "تسهيل الصندوق الممدد".
وقد توصل فريق
خبراء صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية إلى اتفاق؛ بمقتضاه تحصل مصر على
الشريحة الأخيرة من قرض الصندوق بقيمة ملياري دولار، ليصل مجموع المبالغ المنصرفة في
ظل البرنامج إلى 12 مليار دولار.
وقال صندوق النقد الدولي إن مصر
واصلت على مدار السنوات الثلاث الأخيرة؛ تطبيق برنامجها الوطني للإصلاح الاقتصادي،
والذي استهدف تصحيح الاختلالات الخارجية والداخلية الكبيرة، وتشجيع النمو
الاحتوائي وخلق فرص العمل، وزيادة الإنفاق الاجتماعي الأكثر استهدافا. وركز
الصندوق على العديد من النقاط؛ في مقدمتها: ارتفاع نمو إجمالي الناتج المحلي من
4.2 في المئة في العام المالي 2016–2017م، إلى 5.3 في المئة في العام المالي الماضي
(2017–2018م)، وتراجع معدل البطالة من 12 في المئة إلى أقل من 9 في المئة، وانخفاض
التضخم من 33 في المئة في تموز/ يوليو 2017م إلى 13 في المئة في نيسان/ أبريل 2019
، وارتفاع الاحتياطي الأجنبي من 17 مليار دولار في حزيران يونيو 2016م، إلى 44
مليار دولار في آذار/ مارس 2019م . كما أشاد صندوق النقد الدولي بالسلطات المصرية
لتنفيذها إجراءات الحماية الاجتماعية التي خففت عبء الإصلاح الاقتصادي عن محدودي
الدخل.
والناظر إلى الصندوق وخطواته
وبياناته بصورة تحليلية، يجد أن الصندوق في واد وواقع الاقتصاد المصري في واد آخر،
وهذا ليس غريبا على الصندوق الذي دمر اقتصاد أكثر من ستين دولة على مستوى العالم،
من خلال روشتاته الاستعمارية وأهدافه الخبيثة لاستعباد الدول، من خلال تكبيلها
بالديون وتقييد حريتها باسم الإصلاح الاقتصادي والحرية الاقتصادية.
الصندوق في واد وواقع الاقتصاد المصري في واد آخر، وهذا ليس غريبا على الصندوق الذي دمر اقتصاد أكثر من ستين دولة على مستوى العالم، من خلال روشتاته الاستعمارية وأهدافه الخبيثة لاستعباد الدول
فالصندوق الذي يتغنى بزيادة في
معدل النمو؛ لم يذكر كلمة واحدة عن أسباب هذه الزيادة.. هل هي أسباب هلامية أم
هيكلية؟ فالصندوق تناسى وأغفل عمدا التطرق للاقتصاد الحقيقي والإصلاح الهيكلي
والمؤسسي، وركز على المؤشرات المالية والنقدية فقط، مهملا عمدا تركيبة النمو
الاقتصادي ومدى مساهمته في تحقيق عدالة في التوزيع أو توليد فرص عمل منتجة
ومستدامة. فهو في حقيقته نمو هش ضعيف لأن مصدره بعيد عن القطاعات التنموية، كقطاع
الصناعة بصفة عامة والصناعة التحويلية بصفة خاصة، فضلا عن قطاع الزراعة. فمصدره
كان مدفوعا بشكل رئيس بثلاثة قطاعات، هي: الفنادق، والنفط والغاز، والعقارات، وفقا
لبيانات وزارة التخطيط. كما أن الناظر إلى هيكل
الاستثمارات الأجنبية في مصر يجد
أنها تتركز في معظمها في أدوات دين من ناحية، ومن ناحية أخرى يتركز الجزء المباشر
منها في قطاع البترول الذي استحوذ على 71 في المئة من الاستثمارات الأجنبية
المباشرة، خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، مقابل 6.9 في المئة و0.5 في
المئة لكل من قطاعي الصناعات التحويلية والزراعة على التوالي.
والحديث عن انخفاض البطالة يمثل
أكذوبة كبرى في بلد أغلقت الألوف من مصانعه واستولى العسكر على اقتصاده وترك
الفتات للقطاع الخاص، كما أنه للأسف الشديد ما زالت الحكومة المصرية تعتمد على
تزييف نسبة البطالة وفق مقياسها غير المنطقي، والذي لا يعتمد على أسس حقيقية وبدل
بطالة يمكن من خلاله الوقوف على الرقم الحقيقي للبطالة، بعيدا عن اعتبار العمالة
الموسمية أو استبعاد من يعمل يوما واحدا من الدخول في عداد البطالة.
أما انخفاض التضخم الذي يتغنى
به الصندوق، فهو
خديعة كبرى، فهذا انخفاض جاء نتيجة لتغير سنة الأساس بعد أكثر من
عامين ونصف من تعويم الجنيه المصري، الذي كان من إملاءات الصندوق، مع غيره من
الإجراءات الفتاكة المرتبطة برفع الدعم وزيادة الضرائب، والتي كانت وبالا على
المواطن المصري. ثم أي انخفاض للتضخم والأسعار يزداد لهيبها ارتفاعا يكتوي به
المصريين في حياتهم اليومية؟!
أما ارتفاع الاحتياطي الأجنبي
فهو مصيبة كبرى؛ لأنه احتياطي ليس ناشئا عن قوة الصادرات وترشيد الواردات، فرغم ما
مثله التعويم من انخفاض لقيمة الجنيه المصري ومن ثم تعزيز التنافسية لزيادة
الصادرات المصرية ومن ثم تحسين الميزان التجاري، إلا أن النتيجة جاءت سلبية. فخلال
الفترة من عام 2013-2014م إلى عام 2017-2018م؛ نمت قيمة الصادرات السلعية بـ 24 في
المئة، بينما تراجعت نسبة تغطية الصادرات للواردات السلعية من 43.2 في المئة إلى
40.9 في المئة خلال نفس الفترة.
كما أن هذا الاحتياطي في حقيقته
يمثل ديونا في ذمة الجيل الحالي والأجيال المستقبلية، حيث ارتفع الدين الخارجي منذ
الانقلاب إلى نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي بنسبة 125 في المئة، محققا مبلغ
96.6 مليار دولار، وبذلك فهو احتياطي تجميلي، حتى إن خدمة الدين من فوائد وأقساط
القروض تستحوذ على 60 في المئة من المصروفات بالموازنة العامة للعام المالي القادم
(2019-2020م)، بما يمثل
سبعة أضعاف الإنفاق على التعليم، و13 ضعف الإنفاق على الصحة. كما مثل الدين الخارجي 195 في المئة من صادرات السلع والخدمات في العام
2017-2018م، في حين مثلت خدمته نسبة 28 في المئة عن نفس العام.
ماذا بعد قرض الصندوق وحصول مصر عليه كاملا؟.. والإجابة على هذا السؤال في الإعلام والتصريحات الحكومية لن تكون سوى التغني بثمار الإصلاح الاقتصادي، وهي في حقيقتها مزيد من الحصاد المر الذي سينعكس علي المواطن مزيدا من الضرائب ورفع الدعم والارتفاع في الأسعار
كما أن ما يشهده سعر الجنيه من
ارتفاع مقابل الدولار في الوقت الحالي هو تجميلي أيضا، بفعل قوى السوق التي يحركها
البنك المركزي من وراء جدر، فضلا عن تحركات أصحاب المصالح الذين اقتنوا الدولار
قبل تعويم الجنيه وباتوا الآن يتخلصون منه سعيا لتحقيق ربحية عالية من فروق الأسعار،
فضلا عن دخول الأموال الساخنة للاستفادة من سعر الفائدة العالية.
أما ما أشاد به الصندوق من
إجراءات الحماية الاجتماعية
لمحدودي الدخل، فخير رد على ذلك ما ذكره البنك الدولي
من
ارتفاع نسبة الفقر في مصر إلى 60 في المئة، بعد أن كانت 27 في المئة قبل ثورة
كانون الثاني/ يناير، كما أن تاريخ الصندوق واضح ولا يحتاج لبرهان فهو يعمل لإفقار
الشعوب في الدول النامية.
ويبقى السؤال المهم: وماذا بعد
قرض الصندوق وحصول مصر عليه كاملا؟.. والإجابة عن هذا السؤال في الإعلام
والتصريحات الحكومية لن تكون سوى التغني بثمار الإصلاح الاقتصادي، كما كان يعمل
سحرة فرعون من قبل، وهي في حقيقتها مزيد من الحصاد المر الذي سينعكس علي المواطن
مزيدا من الضرائب ورفع الدعم والارتفاع في الأسعار، وما قرار وزير الكهرباء، الذي
لم يجف مداده
برفع سعر الكهرباء بنسب وصلت إلى 40 في المئة من بداية تموز/ يوليو
القادم، عنا ببعيد!