الشعب الجزائري هو في آن واحد، شعب الكفاح المسلح وشعبُ الانتخابات. ينتصر في المعركتين معا، ولا يخاف لا فرنسا ولا أبناءها. واليوم، الشعب الجزائري هو شعب الثورة السلمية والانتخابات أيضا. مَن يدفعه إلى غير ذلك هم أبناء فرنسا الذين يخافون أن ينتصر عليهم مرة أخرى، حتى عند امتلاكهم آليات التزوير.
لم يهضموا بعد أن الشعب المكافح في
1962 قَبِل أن يتحدَّاهم بالانتخابات كما قَبِل أن يتحداهم على أرض المعركة. ولم
يهضموا إلى اليوم أن الشعب المسلح بإرادته ووعيه وتنظيمه، سيقبل أيضا أن
يتحدَّاهم بالانتخابات ولا يخاف التزوير؛ لذلك يسعون بكل الوسائل عن طريق أذنابهم
إلى إدخاله في مرحلة انتقالية بلا دستور ولا مؤسسات ولا رئيس جمهورية، يتم فيها
تمييعُ كل شيء وطرح جميع المسائل للنقاش، للوصول إلى مرحلة يُوجِّهون فيها
الانتخابات لصالح مَن يريدون، أو يلغونها تماما إلى أجل غير معلوم، كما حدث لهم في
سنة 1992 عندما فوجئوا بالشعب يهزمهم في إطار قوانينهم الانتخابية وحكومتهم.
ينبغي أن تكون هذه المسألة واضحة
في الأذهان قبل أي شيء آخر.
إن الشعب الجزائري الواعي والمنظم
والصامد، لم يُطالِب بخروج الإدارة الاستعمارية قبل أن يهزمها في استفتاء 1962، ولا
طالب بمرحلة انتقالية، إنما دخل الانتخابات وهو في أوج القوة وانتصر فيها، وقدّم
للعالم أنقى صورة من صور النضال الشريف والحرّ، إذ تَوَّج انتصاره العسكري
بانتصار انتخابي سياسي لا شك فيه، اعترف به العالم وزكَّته الأممُ المتحدة، وأصبح
مضرب الأمثال للشعوب في كل القارات. وعلى الشعب الجزائري اليوم أن يُواصل على درب
آبائه، ويؤكد للعالم، وهو في أوج قوته السلمية، قدرتَه على الانتصار في معركة
الانتخابات كما انتصر في معركة المسيرات. ينبغي ألا يتم تغليطه من قبل أبناء
فرنسا الجدد بشعار رفض الانتخابات. عليه فقط أن يضع شروطه؛ وهما شرطان لا ثالث
لهما:
ـ أن يشرف بنفسه على تأسيس هيئة
وطنية جديدة لتنظيم الانتخابات.
ـ وأن يكون هو مَن يُحدِّد تاريخ
هذه الانتخابات في نطاق ما تسمح به الشرعية الدستورية.
وهذان الشرطان بالإمكان تحقيقهما
اليوم قبل الغد، ولا يحتاجان أبدا إلى دستور جديد أو تشريعات جديدة أو مجلس رئاسي
جديد. كل هذه الشروط إنما هي مبرراتٌ لمحاولة فرض مرحلة انتقالية هي في الحقيقة لا
انتقالية، تكون مقدّمة لدخولنا في مرحلة المؤقت الذي يدوم ومعه تحدث الاحتمالات كافة، وخلالها يبدأ تمييع كل الأهداف.
إنها نظرتي لِما ينبغي أن يكون
عليه الحل، حتى يشرع الشعب في إصلاحاته الدستورية والاستراتيجية المختلفة، وهو في
كنف الشرعية مع رئيس منتخب يضمن هذه المرة حقا انتقالنا من نظام سياسي بائد إلى
نظام سياسي جديد.
عن صحيفة الشروق الجزائرية