كتاب عربي 21

ما وراء الاعتداء على كليتشدار أوغلو؟

1300x600

تعرض رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، كمال كليتشدار أوغلو، يوم الأحد، للاعتداء والشتائم من المواطنين الغاضبين في قضاء "تشوبوق" بمحافظة أنقرة، خلال مشاركته في تشييع أحد الجنود الأتراك الذين استشهدوا في مواجهات مع عناصر حزب العمال الكردستاني على الحدود مع شمال العراق.

القادة السياسيون، بمن فيهم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، استنكروا الاعتداء الذي تعرض له كليتشدار أوغلو، وأكدوا أن استخدام العنف في الاحتجاج والتعبير عن الغضب أمر مرفوض. كما أن السلطات التركية فتحت تحقيقا لكشف ملابسات الحادثة، حتى تزول الغموض وعلامات الاستفهام، وتتضح الصورة.

أما كليتشدار أوغلو، ففي تعليقه على حادثة الاعتداء، ادعى بأنها كانت مدبرة، وأنه تم توزيع العصي على المحتجين قبل وصوله للمنطقة، كما اتهم المسؤولين بأنهم لم يتخذوا التدابير اللازمة لحمايته، وقال إنه أخبر العائلة والسلطات المحلية بأنه سيشارك في مراسم تشييع الشهيد. إلا أن كل ما ذكره رئيس حزب الشعب الجمهوري، من الألف إلى الياء، اتضح أنه غير صحيح على الإطلاق، وتم نفيه من قبل المعنيين.

 

حزب الشعب الجمهوري تحالف في الانتخابات الأخيرة مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعتبره الرأي العام التركي الذراع السياسي لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية

حادثة الاعتداء كانت عفوية، والمتورطون فيها كلهم من أهل القرية وأقارب الشهيد وجيرانه. ولم يتم توزيع العصي قبل وصول كليتشدار أوغلو المفاجئ، كما أن رئيس حزب الشعب الجمهوري لم يخبر السلطات المحلية بأنه سيشارك في مراسم التشييع. بل العائلة قالت إنها لم تكن ترحب بمشاركة كليتشدار أوغلو في مراسم تشييع ابنها الشهيد.

حزب الشعب الجمهوري تحالف في الانتخابات الأخيرة مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعتبره الرأي العام التركي الذراع السياسي لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. وينظر كثير من المواطنين الأتراك إلى كليتشدار أوغلو على أنه "صديق للإرهابيين ومدافع عنهم". وبالتالي، لا يحتاج المرء إلى أن يكون عبقريا ليعرف أن المشاركين في مراسم التشييع، على رأسهم أقارب الشهيد وجيرانه، لن يرحبوا به، وأن احتمال تعرضه لاعتداء كبير للغاية.

هناك أسئلة تطرح نفسها، مثل: "لماذا أصر رئيس حزب الشعب الجمهوري على المشاركة في مراسم التشييع واستفزاز مشاعر عائلة الشهيد وأقاربه، على الرغم من معرفته أن العائلة لا ترحب به؟"، و"لماذا لم يخبر السلطات المحلية مسبقا بأنه سيشارك في مراسم تشييع الشهيد؟"، و"لماذا يختلق كل تلك الأكاذيب التي تصب الزيت على النار؟".

كافة المؤشرات تشير إلى أن مشاركة رئيس حزب الشعب الجمهوري في مراسم تشييع الشهيد كانت مخططة ومقصودة، إلا أن السؤال الذي لا نزال نجهل جوابه هو: "هل كليتشدار أوغلو نفسه أراد أن يستفز عائلة الشهيد وأقاربه، أم هناك من دفعه بهذا الاتجاه ليضحي به من أجل خلط الأوراق وإثارة الفتنة والفوضى في البلاد؟".

 

هناك من يرى أن حزب الشعب الجمهوري، المتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، يريد أن يستغل حادثة الاعتداء على كليتشدار أوغلو للنيل من صويلو

حزب الشعب الجمهوري يتهم وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، بالتقصير المتعمد في توفير الحماية لكليتشدار أوغلو خلال مشاركته في مراسم التشييع، ويطالب باستقالته أو إقالته. ومن المعروف أن صويلو يعتبر من أنجح وزراء الداخلية في تاريخ تركيا، خاصة في مكافحة الإرهاب. ولذلك، هناك من يرى أن حزب الشعب الجمهوري، المتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، يريد أن يستغل حادثة الاعتداء على كليتشدار أوغلو للنيل من صويلو.

هناك أمثلة كثيرة تعرض فيها سياسيون للاعتداء، مثل تعرض وزير الطاقة السابق، تانر يلديز، للضرب في أنفه عام 2010 خلال مشاركته في مراسم تشييع شهيد بمدينة قيسري، وتعرض نائب رئيس الوزراء السابق، بكر بوزداغ، للاعتداء عام 2013، خلال مشاركته في احتفالات "حجي بكتاش ولي" التي شارك فيها أيضا كليتشدار أوغلو. وفي جميع تلك الحوادث، كان موقف حزب الشعب الجمهوري ومؤيديه، مبررا للاعتداء، ومعتبرا إياه "تعبيرا عن الاحتجاج على سياسات الحكومة الخاطئة".

حزب العدالة والتنمية منذ أول لحظة أدرك خطورة الحادثة، وأعرب عن رفضه القاطع لاستخدام العنف في التعبير عن الغضب والاحتجاج، وبهذا قطع الطريق أمام محاولات استغلالها لإثارة الفتنة. ولكنه أكد أيضا أن المواطنين الذين هاجموا كليتشدار أوغلو ليسوا إرهابيين، مهما كانوا قد أخطأوا في التصرف، وأن كليشدار أوغلو كان عليه أن يراعي مشاعر عائلة الشهيد الجريحة التي فقدت فلذة كبدها على يد "حلفاء حزب الشعب الجمهوري".