قطاع صناعة السلاح يشغّل في فرنسا 150 ألف شخص و400 ألف آخرين، بشكل غير مباشر
نشرت صحيفة "لو
جورنال دي ديمونش" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على ما تمثله عمليات بيع
الأسلحة بالنسبة لفرنسا.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن 12 منظمة غير حكومية فرنسية وأجنبية
طالبت الحكومة الفرنسية، خلال الأسبوع المنقضي، بوقف جميع شحنات الأسلحة الموجهة
سواء إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، وكان بينها
منظمات عريقة مثل منظمة العفو الدولية، فضلا عن منظمة أخرى تعنى بضحايا النزاع في
اليمن.
ويبدو أن بيع بعض
الديمقراطيات الغربية، على غرار فرنسا، الأسلحة إلى دول لا تتبنى قيم الديمقراطية،
مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يعد موضع تساؤل بالنسبة
لبعض الأشخاص. لكن إذا تورطت البلدان ذاتها في صراعات تسببت في سقوط العديد من
الضحايا المدنيين، فمن المؤكد أن فرنسا متهمة أيضا بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب.
وذكرت الصحيفة أن مذكرة
مديرية الاستخبارات العسكرية، التي استندت إليها المنظمات غير الحكومية، والتي
طالبت بها السلطة التنفيذية من أجل التمكن من تقييم الوضع، تشير إلى احتمال وجود
خطر يتمثل في إطلاق إحدى البطاريات الثلاث لمدفعيات هاوتزر ذاتية الدفع، من الجانب
السعودي، قذيفة مدفعية على المدنيين. وإلى الآن، لم يُقدم الحوثيون الذين
يحاربهم التحالف العربي أدنى دليل على أن قذيفة مدفعية أو قنبلة فرنسية الصنع قد
قتلت المدنيين اليمنيين.
خلافا لذلك، كشفت
الأمم المتحدة أن قذائف موجهة إيرانية قد أطلقت من طرف رجال مليشيات الحوثيين
واستهدفت خصومهم في المنطقة المدنية. ولكن، هل يحل هذا الأمر مشكلة القضايا
الأخلاقية؟ بالطبع لا. ولتوضيح مدى تعقيد ملف مبيعات الأسلحة، يتعين التذكير ببعض
الحقائق التي لا يستسيغ كثيرون معرفتها، لعل أولها أن فرنسا تعتبر من بين الدول
الثلاث الأولى المصدرة للأسلحة في العالم، وثانيها سعي فرنسا لتسليم الأسلحة إلى
بلدان ليست في حالة حرب، ولكنها قد تعيشها مستقبلا.
وأوردت الصحيفة أنه إذا
توقفت فرنسا عن إنتاج أو تصدير الأسلحة، فإن دولا أخرى، أولها الولايات المتحدة
وروسيا والصين، ستقوم بذلك مكانها. وغالبا ما تثير هذه الفكرة السخط. فهل يجب
التخلي عن هذا القطاع الاقتصادي والصناعي والاستراتيجي؟
وأشارت الصحيفة إلى
النموذج الاقتصادي القائم على صناعة الأسلحة، إذ إنه على الرغم من أن هذا القطاع
يشغّل في فرنسا 150 ألف شخص و400 ألف آخرين، بشكل غير مباشر، إلا أن هذه الحجة قد
تكون متجاهلة. وينطبق الأمر ذاته على نتائج التصدير، التي تسمح بإعادة التوازن
لتجارة خارجية عاجزة هيكليا، ناهيك عن البحث والتطوير، اللذين لهما تداعيات لا
محدودة على الاختراعات والتكنولوجيات في المجال المدني والاستهلاك اليومي.
وأضافت الصحيفة أنه عند
هذا المستوى بالذات، تظهر مفارقة النقاش العام حول هذا الموضوع. فمن ناحية أولى،
يتفق الجميع على أن الحرب أمر فظيع يجب تجنبه مهما كان الثمن، ولهذا السبب تحديدا
توجد الدبلوماسية. ومن ناحية أخرى، يشتهر الجيش الفرنسي بشجاعته في العمليات
الخارجية، ومع ذلك لا يمكن لمعداته أن تتطور إلا في حال بيعت وصُدّرت. ولكن في حال
اندلع صراع، تُطرح ثلاثة خيارات على الأقل.
وذكرت الصحيفة أن الخيار
الأول يتمحور حول انتهاج الحياد الدبلوماسي، مثلما فعلت سويسرا، التي تحتل المرتبة
الحادية عشر ضمن أبرز مصدري الأسلحة في العالم. أما الخيار الثاني، فيتمثل في
التدخل لصالح أحد الأطراف المتناحرة، لكن لا ينطبق هذا الأمر على وضعية فرنسا في
اليمن، على الرغم من أن جزءا من الأسلحة المباعة قبل النزاع، تُستخدم الآن من طرف
السعوديين والإماراتيين. وبالنسبة للخيار الأخير، فيدور حول الرغبة في أداءدور في
منطقة تعتبر استراتيجية بالنسبة لأوروبا.
ولكن بالنسبة لأوروبا،
يظل الشرق الأوسط ومنطقة الخليج طريق وصولها إلى آسيا. ويذكر الدبلوماسيون
والعسكريون الفرنسيون، بغض النظر عن الحكومات التي ينتمون إليها، بأمر يجب أخذه
بعين الاعتبار (وتشدد عليه المنظمات غير الحكومية)، وهو أن السلام في الداخل يتأسس
على الدفاع.
وأكدت الصحيفة أن الدفاع
لا يكون مستداما إلا بواسطة الابتكار والتصدير. وعلى الرغم من أنه يمكن لفرنسا
اختيار زبائنها أو إلغاء عقودها وتحالفاته، بيد أنه في هذه الحالة، تصبح مصداقيتها
وتوقيعها موضع شك، الأمر الذي يعد بالنسبة لفرنسا تحديا حقيقيا.