أثارت
مذبحة المسجدين بنيوزيلندا التي ارتكبها اليميني المتطرف الأسترالي برينتون تارانت،
أسئلة كثيرة حول دوافع ارتكابه لها، ومدى دلالة وقوع المجزرة على صعود اليمين المتطرف
في أوروبا والغرب عموما.
وتعددت
التحليلات حول أسباب وقوع تلك المذبحة المروعة، وفي الوقت نفسه ربطها بظاهرة صعود اليمين
المتطرف في أوروبا، بين من يرجعها إلى منظومة السياسة والثقافة في العالم الغربي، ونظرتها
النمطية إلى الإسلام، وبين من يعتبرها ردة فعل على أعمال إرهابية يرتكبها متطرفون مسلمون.
ووفقا
لباحثين ومراقبين فإن "كثيرا من الدراسات الاستشراقية القديمة ساهمت بشكل كبير
منذ مائة عام في تشكيل صورة مشوهة عن الإسلام، وطبعت في مخيلة الغربيين صورة نمطية
عن المسلمين، تتسم بالعنف وسفك الدماء والبربرية والتخلف".
من جهته
لفت الكاتب والباحث السوري المقيم في النمسا، أحمد الرمح إلى أن "ظاهرة اليمين
المتطرف في الغرب موجودة وقد مرت بمراحل تاريخية مختلفة، وترتبط صعودا وهبوطا بالفعل
ورد الفعل".
وأرجع
تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا والغرب عموما في السنوات الأخيرة إلى سببين رئيسين
"أولهما ردة فعل على صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي استغلها اليمين
المتطرف ووظفها إعلاميا للعودة إلى الشارع بقوة، ومن ثم إلى البرلمانات والحكومات،
لاعبا على وتر "الإسلاموفوبيا"، وقد نجح في عدة دول كهنغاريا والنمسا والسويد".
أما
السبب الثاني، بحسب الرمح فيرجع إلى "الظاهرة الترامبية، المتمثلة باليمين الرأسمالي
الإمبريالي، التي تغذي بشكل رئيس اليمين المتطرف في أوروبا، وتدفع باتجاه صعوده في
الدول الأوروبية".
وامتدح
الرمح في حديثه لـ"عربي21" الغرب "فهو على الرغم من وجود قوى اليمين
المتطرف في مجتمعاته، إلا أنه عاقل ويعرف كيف يدير أزماته، ولا يتأثر كثيرا بالانفعالات
العاطفية".
وأضاف:
"غالبا ما يتسم العالم الغربي بالحكمة في مواجهة الظواهر السلبية، من غير أن يجعل
من ردات الفعل دافعا لتحديد مواقفه وسلوكياته"، متوقعا "انحسار موجات اليمين
المتطرف بعد إعلان القضاء على تنظيم الدولة في سوريا، وتراجع الظاهر الترامبية، وهو
ما سيظهر جليا في الانتخابات القادمة في الدول الأوروبية" على حد قوله.
من جانبه
أرجع الداعية الأردني، المقيم في السويد، فكري المسكاوي "وقوع جريمة المسجدين
بنيوزيلندا، وصعود اليمين المتطرف في الغرب عموما إلى أسباب عقائدية وأيدلوجية مستشهدا
بآيات قرآنية تتحدث عن موقف أهل الكتاب من المسلمين".
وأضاف
لـ"عربي21": "هذا هو ملخص ما نشره صموئيل هنتنغتون الذي يؤمن بضرورة
صدام الحضارات – وتحديدا الغربية والإسلامية -، والذي أصبح هاجسا يحاول الغربيون من
خلاله إثبات قدرتهم على الصمود في مواجهة انتشار الإسلام وحيوته وعنفوانه".
وتابع: "كما تواطأ الإعلام والمؤسسات الرسمية السياسية والأمنية في الغرب على نشر الرعب
من الإسلام والمسلمين بصورة منظمة، ثم التباكي بعدها بأن السبب هو ظهور الإسلاموفوبيا
دون التطرق إلى كيفية ظهورها".
وذكر
المسكاوي أن من العوامل المؤججة لتصاعد اليمين المتطرف في أوروبا "الخوف من التغيرات
الديمغرافية بسبب الدين، والخوف من انتشار الإسلام في المجتمعات الغربية، خصوصا مع
الأعداد المهاجرة إلى الغرب من العائلات المسلمة، وإثارة هذه المخاوف في الإعلام وفي
الخطاب السياسي والرسمي، وحتى في خطاب المؤسسات الدينية النصرانية".
وأشار
الإمام والخطيب المسكاوي إلى أن "فشل النخب السياسية في مواجهة آثار نظام العولمة،
والذي جعل البلاد الغربية مرتهنة، بل مستعبدة لسياسات يفرضها الواقع العالمي الجديد
على الدول فرضا، وهو ما دفع باتجاه إيجاد عدو مفترض، ورفع وتيرة الخوف منه لإشغال الناس
عن حقيقة الواقع الذي جعل بلادهم مرتهنة بل ومهددة".
بدوره
قال الكاتب المصري المقيم في ألمانيا، حسام الدين عوض "إن التطرف الفكري نمط من
أنماط الانحراف، تسهم عوامل كثيرة في إذكائه، بخلاف كونه مجرد رد فعل على فعل الغير".
وأضاف: "فعلى سبيل المثال، فإن بعض الباحثين من ذوي العاطفة الإسلامية يُرجعون التطرف
الذي تدعو إليه وتمارسه بعض الجماعات الدينية لعلة استبداد الأنظمة السياسية في العالم
العربي، رغم أن التاريخ يثبت أن الخوارج (يمثلون قمة التطرف)، ظهروا في زمن الحكم الرشيد".
وتابع: "وقد رأينا مثل ذلك التسويغ المؤسف من متطرفي العلمانية، حينما تعالت أصواتهم
منددة بـ"الفاشية الإسلامية" المسؤولة عن ظهور التطرف اليميني في الغرب على
حد زعمهم، والذي تمخض بدوره عن تلك الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا، والتي هزت ضمير
العالم".
ووصف
عوض في حديثه لـ"عربي21" ذلك اللون من التفسير والتسويغ بأنه "تبسيط
مخل لحقيقة الانحراف الفكري الذي يقع للموتورين المنتسبين إلى مختلف الأديان والملل
والنحل، لأسباب ثقافية ومجتمعية وذهنية ونفسية مختلفة"، مشيرا إلى أنه "مما
لا شك فيه أن الظلم يغذي التطرف ويمنحه ماء الحياة حتى يزدهر ويترعرع وينتشر، لكنه
ليس السبب الوحيد المسؤول عن وجوده".
وردا
على سؤال حول ما إذا كانت ظاهرة اليمين المتطرف مرشحة للازدياد والتوسع في أوروبا،
رجح عوض أنها مرشحة بالفعل لذلك" معللا ذلك بقوله "بالرغم مما رأيناه من
التعاطف العالمي غير المسبوق مع ضحايا الجريمة الإرهابية في نيوزيلاندا، إلا أن وتيرة
التطرف في تسارع ملحوظ بسبب بذور الكراهية التي تبثها جهات وقوى مختلفة، والتي يتغذى
عليها سماسرة الحروب هنا وهناك".
وحذر
عوض في ختام حديثه من الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام "في تشويه صورة المسلمين
في الغرب، وهو ما يدفع باتجاه تنامي ظاهرة اليمين المتطرف في الغرب، الأمر الذي يشي
بمستقبل مخيف إن لم يتداركه العقلاء على الجانبين"، وفق وصفه.