أكد صحفيون وسياسيون مصريون أن ما كشفه رئيس الهيئة الوطنية للصحافة كرم جبر، بتوقيع بروتوكول مع الأجهزة السيادية بالدولة لحماية وتأمين المواقع الإلكترونية الإخبارية التابعة للمؤسسات والصحف القومية، يعد إعلانا صريحا بمنح أجهزة المخابرات المصرية، حق التجسس على حسابات الصحفيين العاملين بهذه المؤسسات، بالإضافة للمستخدمين والمترددين عليها.
ووفقا للمختصين الذين تحدثوا لـ "عربي21" فإن هذه الخطوة منحت الأجهزة الأمنية السيطرة على المؤسسات القومية، في حال تحولها لصحافة إلكترونية، بعد أن استطاعت السيطرة على المؤسسات الصحفية الخاصة، من خلال الشركات الإعلامية التابعة لأجهزة المخابرات الممثلة في "إعلام المصريين" و"إيجل كابتل".
وكان جبر أكد في تصريحات تليفزيونية، أنه اتفق مع رئيس مجلس الوزراء، خلال اجتماعهما الأربعاء الماضي، على إسناد مهمة حماية وتأمين المواقع الإلكترونية التابعة للمؤسسات القومية للأجهزة السيادية، ولم يوضح طبيعة هذا التأمين، ولماذا تم اختيار الأجهزة السيادية دون غيرها، رغم وجود جهاز خاص بتأمين المعلومات تابع لوزارة الاتصالات.
وحسب جبر فإن القرار السابق سوف يجعل مواقع: "بوابة الأهرام العربية، بوابة الأهرام الإنجليزية، بوابة أخبار اليوم، الموقع الإلكتروني لوكالة أنباء الشرق الأوسط، بوابة روزاليوسف، بوابة الجمهورية"، تحت إشراف مباشر لجهازي المخابرات العامة والحربية، بالإضافة للمواقع الإلكترونية التابعة لمؤسسات وصحف دار الهلال والمصور وأكتوبر.
اقرأ أيضا: مصادر: شركة للمخابرات المصرية تستحوذ على قنوات DMC
وقد تزامنت تصريحات جبر مع تصريحات أخرى للمتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد، أكد فيها أن الدولة لا تستطيع أن تقدم مساعدات أو محفزات للمؤسسات الصحفية القومية للأبد، مطالبا المؤسسات بإصلاح ذاتي لمواكبة التطور.
وأشار المتحدث باسم الحكومة إلى أن الصحافة الورقية في كل أنحاء العالم تواجه مشكلة بسبب الاتجاه إلى الصحافة الإلكترونية، وهو ما يتطلب إعادة هيكلة الصحف، وتقليل عدد الإصدارات من جانب كل مؤسسة، والتوجه نحو الاستثمار في الصحافة الإلكترونية.
أهداف متعددة
وفي تعليقه على هذه الخطوات المتسارعة للسيطرة الأمنية الكاملة على المؤسسات الصحفية الكبرى، يؤكد الوكيل السابق للمجلس الأعلي للصحافة قطب العربي لـ "عربي21"، أن ما يحدث هو استكمال لمشروع رئيس نظام الإنقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في السيطرة الكاملة على المؤسسات الصحفية والإعلامية.
ووصف العربي القرار بالغرابة، مضيفا: "النوايا لو كانت صادقة في دعم هذه المؤسسات، وحمايتها من الاختراق، كالذي حدث مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، قبل عدة أشهر، لكان من باب أولى أن يكون هذا البروتوكول مع وزارة الاتصالات وليس مع شركات تابعة لأجهزة المخابرات".
ويضيف العربي، أن هذا الإجراء بحجة التأمين مجرد خطوة، سوف تعقبها خطوات أخرى لتسليم مسؤوليات الشؤون المالية والإدارية لهذه المؤسسات، لشركات متخصصة في الإدارة تكون تابعة للجيش أو للمخابرات، بحجة إعادة هيكلتها وإصلاحها، حتى تكتمل الصورة في النهاية، بالهيمنة الكاملة للمخابرات (ماليا وإداريا)، على المؤسسات الصحفية القومية والتلفزيون بعد أن هيمنت على غالبية القنوات الخاصة.
ويشير الوكيل السابق للمجلس الأعلى للصحافة، بأن هناك أهداف أخرى من هذا الإجراء، وهو منح الأجهزة الأمنية حق الإطلاع الكامل على بيانات الصحفيين العاملين بهذه المواقع والمؤسسات، ومراقبة وتتبع حسابات المتصفحين أو المشتركين في الخدمات الصحفية التي تقدمها هذه المواقع، وهو ما يأتي ضمن إجراءات عديدة تقوم بها الأجهزة الأمنية للتجسس على وسائل الإعلام الإلكتروني.
القبضة الحديدية
من جانبه يؤكد الباحث المتخصص في الأمن القومي عبد المعز الشرقاوي لـ "عربي 21"، أن النظام السياسي لديه عدة خطط من أجل فرض السيطرة الكاملة تحريرا وأمنيا وإداريا، على الساحة الإعلامية والصحفية، وتوجيه الإعلام المصري لموجة واحدة فقط، بحجة حماية الأمن القومي، بما يصب في النهاية لصالح خطط النظام السياسية.
اقرأ أيضا: هكذا شغل "إعلام السيسي" المصريين عن تعديل الدستور
ويضيف الشرقاوي أن الصحف القومية تمثل عصب الصحافة المصرية رغم أزماتها وديونها، ويكفي أن أكثر من ثلثي الصحفيين المقيدين بجداول نقابة الصحفيين، من صحفيي الصحف والمؤسسات القومية، كما أن معظمهم يسيطرون الآن على إدارة ورئاسة تحرير الصحف الخاصة.
ويضيف الشرقاوي قائلا: "هناك توجه لدى الدولة بتحويل الإصدارات الورقية لهذه الصحف لمواقع إلكترونية، ومن هنا يمكن أن نفهم سبب إسناد مسؤولية تأمينها للمخابرات، حتى تكون السيطرة عليها مبكرة، وبذلك تكتمل حلقات السيطرة على كل وسائل الإعلام".
ويضيف الباحث بالأمن القومي، أن نظام السيسي استفاد بشكل كبير من السيطرة على وسائل الإعلام، سواء بفرض سياسية التعتيم من جهة، أو بالاعتماد على سياسية التوجيه من جهة أخرى، وهو بحاجة لاستمرار هذه السياسة خلال المرحلة الهامة المقبلة، التي تشهد تعديلات دستورية تمنح السيسي فرص البقاء بالسلطة لعام 2034، وهو ما يلقي اعتراضا من قطاعات عديدة.
ويشير الشرقاوي إلى أنه بالرغم من اليد الحديدية التي تمسك بتلابيب الصحافة المصرية، إلا أن السيسي لم يحقق تقدما في ملف السيطرة على الإعلام الإلكتروني رغم ترسانة القوانين التي وضعها خلال الأشهر الماضية، وبالتالي فهو يسعى للتحكم فيها من المنبع، مستخدما قدرات الأجهزة الأمنية في جمع المعلومات وتحليلها والتوصل لأطرافها المختلفة.