تتوالى الأخبار السيئة على رأس رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تباعا هذه الأيام، فما كادت أبواب اللجنة المشرفة على إجراء الانتخابات تقفل يوم الخميس الماضي على استقبال القوائم الانتخابية حتى كانت استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال جدي هذه المرة لخسارة "الليكود" المقدمة الانتخابية، وحتى احتمال خسارة اليمين التقليدي ومن ثم نتنياهو نفسه، بنتيجتها مقعد الحكم، بعد أن بدت المعركة الانتخابية حين تم تبكير موعدها قبل بضعة أسابيع أمرا سهلا للغاية.
ولأن غلطة الشاطر بألف، فإن اليوم الأخير على تقديم القوائم الانتخابية إلى الكنيست، شهد حدثا كان نقطة تحول قد تودي بمستقبل نتنياهو السياسي، ذلك أنه نسي معركته مع ما صار يسمى اليسار أو الوسط، ويقصد به كل ما هو خارج إطار اليمين السياسي، بما في ذلك القائمة الأمنية المنافسة، وسعى إلى خوض المعركة مبكرا داخل اليمين نفسه، فكان أن حاول قطع الطريق على طموح نفتالي بينيت الذي يسعى إلى التنافس هذه المرة على رئاسة الحكومة أو على الأقل أن يكون شريكا/ ندا فيها، من خلال خروجه من حزب "البيت اليهودي" وتشكيل حزب "اليمين الجديد"، وحيث إن نتنياهو اعتاد أن يحتوي الأحزاب اليمينية حين تدخل الكنيست لأول مرة ويكون طموحها محدودا في ذلك الدخول والظفر بمعقد وزاري أو اثنين، فيما يضطر إلى تحجيمها في الدورات التالية، كما حدث مع شريكه السابق رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، افيغدور ليبرمان، لذا فقد سارع إلى محاولة إحياء يمين متطرف على يمين "الليكود" مشكلا مما تبقى من "البيت اليهودي" مع قائمة الاتحاد الوطني وما يسمى حزب "عتسموات يهوديت" الخارج من سلالة "كاخ/ كاهانا" المحظورة والخارجة عن القانون منذ العام 1988.
وفعلا ظهر نتنياهو بين زعيمي حزبي "الاتحاد الوطني" و"القوة اليهودية"، ووعدهما بالمقعد الثامن والعشرين من قائمة "الليكود" وبوزارتي التعليم والإسكان، الأمر الذي أثار حفيظة الـ"أيباك" والمجلس اليهودي الأميركي وحتى جيسون غرينبلات المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط وأحد عرابّي صفقة القرن مع جاريد كوشنير، علق بالقول إنه ينبغي ألا يكون هناك مكان للعنصرية في إسرائيل.
في الحقيقة، فإن رد فعل الـ"أيباك" أمر مهم جدا ومؤثر للغاية على نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، ذلك أن دفاع اللوبي عن إسرائيل يستند للادعاء بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ونتنياهو نفسه كان يعوّل على زيارته للولايات المتحدة الشهر القادم وعلى خطابه السنوي في الـ"أيباك" تحديدا للدفع بحملته الانتخابية، لذا يمكن القول إن نتنياهو بات في ورطة، وربما معه "الليكود"، حيث قد تكون خسارته التي صارت محتملة للانتخابات القادمة مقدمة لتلاشي الحزب كما حدث مع نظيره حزب "العمل".
وما زاد من طين رئيس الحكومة الإسرائيلية بلّة هو إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية افيخاي مندلبليت بأنه سينشر قراراته المتعلقة بالقضايا المتعلقة برئيس الوزراء الأسبوع القادم، حيث إنه في حال توجيه الاتهام في واحدة من تلك القضايا لنتنياهو فإن احتمال سقوطه الانتخابي سيكون أمرا شبه مؤكد.
أنعشت هذه الأخبار القائمة العسكرية المنافسة لقائمة "الليكود"، حيث ظهر الرباعي القائد لتلك القائمة المكون من بيني غانتس ويائير لابيد وكل من غابي اشكنازي وموشية يعلون، معا يؤكدون على أنهم لن ينضموا لحكومة برئاسة نتنياهو، الذي صار يواجه بيمين تدب فيه الخلافات مقابل قائمة وسطية/ عسكرية قوية، فيما أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدم تلك القائمة على قائمة "الليكود" بفارق ستة مقاعد وذلك لأول مرة.
المهم، أن فوز "الليكود" وتحالف اليمين ـــــ اليمين المتطرف الإسرائيلي لم يعد مؤكدا، فيما بقيت هناك ستة أسابيع حاسمة، حيث أثبتت التجربة بأنه لا شيء مضمونا قبل ظهور النتيجة النهائية، لكن المفاجآت أيضا كانت قد ظهرت أكثر من مرة، ففي انتخابات العام 1996، حين بكّر حزب "العمل" الذي كان في السلطة برئاسة شمعون بيريس الانتخابات بعد مقتل اسحق رابين في محاولة لاستثمار الحدث لصالحه، لكنه خسر الانتخابات التي جاءت بنتنياهو نفسه إلى رئاسة الوزراء لأول مرة، لذا فقد يعيد التاريخ نفسه فيخرج نتنياهو من موقع الحكم كما جاء إليه، أي على صورة مشابهة.
بتقديرنا، فإن نتنياهو لن يستسلم مع ذلك، ففي الانتخابات السابقة كان تحالف "المعسكر الصهيوني" المكون من حزب "العمل" برئاسة اسحق هيرتسوغ وزعيمة "الحركة" تسيفي ليفني يتقدم في استطلاعات الرأي على "الليكود" لكن نتنياهو شخصيا "شمّر عن ساعديه" وخاض معركة شرسة كسبها في الأيام الأخيرة.
لكن تلاشي حزب "العمل" واعتزال ليفني العمل السياسي وتبدد ليبرمان، كذلك قطع الطريق على طموح بينيت، كل ذلك يشير إلى أن الناخب الإسرائيلي ربما ينحاز إلى التغيير، إلا إذا اضطر نتنياهو إلى تقديم تنازل حقيقي إلى بينيت بالتحديد، الذي دعاه إلى ضم حزب "كولانو" بقيادة موشية كحلون إلى تحالف اليمين لتعزيز حظوظه في الفوز بالانتخابات.
نعتقد مع كل هذا بأن التغيير الذي يلوح بالأفق سيؤثر جدا على حظوظ صفقة القرن، التي تم إعدادها أميركيا بوجود نتنياهو الذي أضعفت قوة شخصيته وتركز حكم اليمين و"الليكود" حولها، كما هو حال دول الشرق عموما، سيعيد على الأغلب التفكير في بنودها، بما قد يعني أن احتمال طرحها وحتى تمريرها قد صار أعلى، لأنه مع وجود قائمة "ابيض ــــــ ازرق" التي تشير إلى علم إسرائيل، أي تقديم الولاء للدولة على الولاء لليمين في الحكم، قد يفتح الباب إلى تعديلات في الصفقة تخفف من حدة الرفض الفلسطيني لها، وهكذا قد يكون ذلك حتى مخرجا للضائقة التي تحيط بإدارة دونالد ترامب الخارجية المترافقة مع مشاكله الداخلية، ومن يدري إلى ما ستؤول إليه الأمور ليس في إسرائيل فقط بل وفي علاقتها بالملف الفلسطيني وبمجمل ملفات المنطقة.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية