ذكرت وسائل الإعلام العربية قبل أيام أن وزير الدفاع اللبناني، إلياس بو صعب، هاجم تركيا في مؤتمر ميونخ، ووصف تواجدها في الشمال السوري بــ"الاحتلال"، وقال إن بلاده تتحفظ على إعلان أنقرة عن منطقة آمنة شمالي سوريا، مضيفا أن أي وجود تركي في سوريا يجب أن يكون بموافقة دمشق. وقال الوزير اللبناني لنظيره التركي خلوصي آكار، إن المنطقة الآمنة لن تكون الحل المطلوب، بل ستشكل "ملاذا آمنا للإرهابيين".
القارئ لهذه التصريحات يظن في الوهلة الأولى أن صاحبها ليس وزيرا لبنانيا، بل أحد وزراء سفاح دمشق أو قادة شبيحته. ولو كان صاحب التصريحات وزيرا في حكومة النظام السوري لما قال أكثر من ذلك. كما أن مثل هذه التصريحات لا تصدر إلا من شخص يعادي تركيا لسبب أو آخر. ولذلك، هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها.
عندما نقرأ سيرته نراه نائب الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية في دبي، ومؤسسا مشاركا لجمعية الصداقة اللبنانية الإماراتية
وزير الدفاع اللبناني إلياس نقولا بو صعب من الروم الأرثوذكس. وعندما نقرأ سيرته نراه نائب الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية في دبي، ومؤسسا مشاركا لجمعية الصداقة اللبنانية الإماراتية. ولا نعرف مدى دور هذه الخلفية في موقفه المعادي لتركيا، وهذا هو السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن.
أما السؤال الثاني، فهو: "هل ما ذكره وزير الدفاع اللبناني حول المنطقة الآمنة في الشمال السوري والتواجد العسكري التركي وضرورة موافقة دمشق، رأيه الشخصي أم موقف الحكومة اللبنانية؟ّ". أو بعبارة أخرى مختصرة: "هل هذا موقف رئيس حكومته أيضا؟". ولعل الأفضل أن نوجه هذا السؤال إلى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مباشرة قبل أن نطلب الجواب من وزير دفاعه.
ما ذكره وزير الدفاع اللبناني حول المنطقة الآمنة في الشمال السوري والتواجد العسكري التركي وضرورة موافقة دمشق، رأيه الشخصي أم موقف الحكومة اللبنانية
سعد الحريري، في
حوار أجرته صحيفة النهار اللبنانية معه بمناسبة ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005، أكد أن واحدة من أصعب لحظات حياته هي مصافحة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وقال: "من الصعب أن يسلم الشخص على من قتل أباه"، مشيرا إلى أنه من المستحيل أن يصافح الأسد مجددا. كما ذكر أنه يقف في الطرف الذي لا يتمنى التقارب مع النظام السوري.
النظام السوري لم يقتل رفيق الحريري فقط، بل قتل وشرد مئات الآلاف من السوريين الأبرياء. وهل يقول سعد الحريري إن التواجد العسكري التركي لحماية أمنها القومي، بالإضافة إلى حماية السوريين من هجمات قوات النظام السوري وشبيحته، يعتبر "احتلالا"، ويشترط على أنقرة أن تحصل على موافقة قاتل والده بشار الأسد؟ وإن كان لا يقوله، فهذا يطرح سؤالا آخر، وهو: "من الذي يمثل موقف لبنان الرسمي؛ رئيس وزرائها أم وزير دفاعها؟"
الوزير اللبناني لا يصف تواجد مليشيات حزب الله وجنود إيران في سوريا "احتلالا"، كما لا يعترض على التواجد العسكري الروسي في بلاد الشام. ولعله يقول إن هؤلاء دخلوا الأراضي السورية بموافقة دمشق لحماية بشار الأسد ونظامه. ولكن ماذا عن التواجد العسكري الأمريكي في سوريا؟ هل يراه أيضا "احتلالا"؟ وهل قال يوما لنظيره الأمريكي أو أحد وزراء الولايات المتحدة إن واشنطن يجب أن تحصل على موافقة دمشق لإقامة قواعد عسكرية في سوريا ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي؟ أم يرى أن التحركات الأمريكية العسكرية في سوريا تتم بموافقة بشار الأسد؟
هل قال يوما لنظيره الأمريكي أو أحد وزراء الولايات المتحدة إن واشنطن يجب أن تحصل على موافقة دمشق لإقامة قواعد عسكرية في سوريا ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي
إن كان هناك احتلال في سوريا فنظام الأسد الذي يغتصب إرادة الشعب السوري منذ عقود هو المحتل. وإن كان الوزير اللبناني يريد أن يرى احتلالا، فلينظر إلى ما يقوم به النظام السوري. ولو كانت هناك حكومة ديمقراطية منتخبة في سوريا، لما احتاجت تركيا إلى التواجد العسكري في الأراضي السورية لحماية المدنيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها. ولكن من يشير إليهم وزير الدفاع اللبناني ويطلب من تركيا أن تحصل على موافقتهم، ما هي إلا عصابة تحتل دمشق بمباركة دولية بسبب حمايتها لظهر الاحتلال الصهيوني.
تركيا لا تحتاج إلى موافقة أحد أو إذنه لحماية أمنها ومواطنيها، والقضاء على المخاطر التي تهدد وحدة ترابها. وسبق أن تدخلت في قبرص عام 1974 لإنقاذ الأتراك القاطنين في الجزيرة من الإبادة الجماعية التي كان يقوم بها الروم الأرثوذكس. وما زال يسمي أمثال الوزير اللبناني ذاك التدخل "احتلالا"، ولا يعني تركيا على الإطلاق حين كان الأمر متعلقا بأمنها القومي ما يقوله فلان أو علان.