خالف إمام مسجد قباء في السعودية الداعية صالح المغامسي غالبية جمهور علماء المسلمين ورأى أن المقصود بالذبيح في قصة النبي ابراهيم عليه السلام هو ابنه إسحق وليس إسماعيل.
وقد أثارت تصريحاته جدلا كبيرا بين العلماء والمفكرين، ليس فقط لأنها تعارض المنحى العام الذي ذهب إليه غالبية علماء الأمة بما في ذلك علماء السعودية أنفسهم، وإنما لأنها تأتي في ظل خطوات سياسية مثيرة للاستغراب والجدل بشأن التقارب العربي ـ الإسرائيلي عامة، وتبني بعض الدعاة أو "المؤرخين" قراءات تتبنى رواية "الإسرائيليات" لبعض الأماكن والأحداث التاريخية.
ابن الذبيحين
وفي إطار بحث "عربي21" عن قصة الذبيح، وجدت أن عددا كبيرا من العلماء المسلمين قد رجحوا أن المقصود به هو إسماعيل عليه السلام.
وسئل مفتي السعودية الراحل عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن تفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا ابن الذبيحين"، فقال: "هذا مروي عنه، وفي صحته نظر لكنه مشهور، والذبيحان هما إسماعيل وعبدالله، إسماعيل جده ابن إبراهيم، فإن الله جل وعلا أمر إبراهيم بذبحه ثم نسخ ذلك والحمد لله، لما سلما لأمر الله نسخ الله ذلك وفداه بذبح عظيم".
وأضاف: "أما عبدالله فالمشهور أن عبدالمطلب نذر إن الله وهبه عشرة أبناء أن يتقرب إلى الله بذبح أحدهم، فتم له ما رجا وأعطاه الله عشرة، فأقرع بينهم أيهم يذبحه فوقعت القرعة على عبد الله فلم يذبحه ووداه بمائة من الإبل، بدلاً من ذبحه واستقرت هذه الدية في قريش فيما ذكر جماعة من المؤرخين لقريش وعبد المطلب".
وتابع: "يروى عنه أنه قال: أنا ابن الذبيحين تفسيراً لهذا، يعني: الذبيح إسماعيل والذبيح عبدالله الذي كاد أن يذبحه أبوه لولا أنه افتدي بمائة من الإبل، ولولا أن الله نسخ ذبح إسماعيل".
من جهته، يذكر موقع "إسلام ويب"، الذي يعتبر واحدا من أهم المواقع الالكترونية المتخصصة في شؤون الفتوى والبحث الفقهي في إحدى فتاواه، أن القول بأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، هو مذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والسدي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وأبي عمرو بن العلاء وهو رواية عن ابن عباس كما نقله البغوي عنهم.
وأشار الموقع في فتوى نشرها على صفحته على الانترنت، إلى أن المحققين بسطوا أدلة ذلك، فقد قال شيخ الإسلام في المنهاج: والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير إسماعيل كما دلت على ذلك سورة الصافات وغير ذلك، فإنه قد كان سأل ربه أن يهب له من الصالحين فبشره بالغلام الحليم إسماعيل فلما بلغ معه السعي أمره أن يذبحه لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تزاحم محبة الخالق.. وكذلك في التوراة يقول: اذبح ابنك. وحيدك وفي ترجمة أخرى: بكرك. ولكن ألحق المبدلون لفظ إسحاق وهو باطل فإن إسحاق هو الثاني من أولاده باتفاق المسلمين وأهل الكتاب فليس هو وحيده ولا بكره وإنما وحيده وبكره إسماعيل".
وأضافت فتوى "إسلام ويب": "لهذا لما ذكر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ. وقال الآية الأخرى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ. فكيف يبشره بولد ثم يأمره بذبحه، والبشارة بإسحاق وقعت لسارة وكانت قد غارت من هاجر لما ولدت إسماعيل، وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة ثم لما جاء الضيف وهم الملائكة لإبراهيم بشروها بإسحاق، فكيف يأمره بذبح إسحاق مع بقاء إسماعيل، وهي لم تصبر على وجود إسماعيل وحده بل غارت أن يكون له ابن من غيرها، فكيف تصبر على ذبح ابنها وبقاء ابن ضرتها! وكيف يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه وأمه مبشرة به وبابن ابنه يعقوب!".
وذكر ذات المصدر أن "الذبح إنما كان بمكة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قرني الكبش في البيت فقال للحاجب: إني رأيت قرني الكبش في الكعبة فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء يلهي المصلي. وإبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بنص القرآن وإسحاق كان في الشام. والمقصود بالأمر بالذبح أن لا يبقى في قلبه محبة لغير الله تعالى وهذا إذا كان له ابن واحد فإذا صار له ابنان فالمقصود لا يحصل إلا بذبحهما جميعاً، وكل من قال إنه إسحاق فإنما أخذه عن اليهود أهل التحريف والتبديل كما أخبر الله تعالى عنهم وقد بسطنا هذه المسألة في مصنف مفرد".
المغامسي في مواجهة ابن تيمية والفوزان والشعراوي
وكان شيخ الإسلام الإمام أحمد اين تيمية قد سئل عن الذبيح من ولد خليل اللّه إبراهيم عليه السلام هل هو إسماعيل، أو إسحاق؟ فأجاب: "هذه المسألة فيها مذهبان مشهوران للعلماء، وكل منهما مذكور عن طائفة من السلف، لكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل، وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة، وهو الذي تدل عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب".
وذهب أيضا في ذات الاتجاه الذي يرى بأن المقصود بالذبيح هو إسماعيل عليه السلام وليس إسحق، مُحَمّد بن صَالِح العُثَيْمِين، الذي أورد عددا من الأدلة العقلية والتاريخية والفقهية التي تؤكد رأيه هذا، كما في الفيديو المرفق.
كما ذهب عالم الدين المصري الشيخ متولي الشعراوي إلى تأكيد ذات المعنى، بأن جمهور المسلمين في غالبيتهم يذهبون في ذات المنحى الذي يؤكد أن المقصود بالذبيح هو إسماعيل، ويستشهد على ذلك بنصوص من القرآن والتوراة.
من جانبه رأى عضو هيئة كبار العلماء العالم السعودي الشيخ صالح الفوزان، أن القائل بأن المقصود بالذبيح هو النبي إسحق هم اليهود، وتبعهم في ذلك بعض علماء المسلمين، لكنه أكد أن غالبية جمهور العلماء من المسلمين يذهبون إلى أن المقصود بالذبيح هو إسماعيل.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها الداعية السعودي صالح المغامسي جدلا بشأن علاقة الفتوى والاجتهاد الفقهي بالتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عموما والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، منذ خلافة الملك سلمان بن عبد العزيز للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، ثم تعيينه لابنه محمد بن سلمان وليا للعهد، مرورا بمقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي وصولا إلى المقصود بالذبيح في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام.
وأوضح الداعية السعودي صالح المغامسي أن تفسيره للقرآن، هو أن الذبيح نبي الله إسحاق، وليس أخاه إسماعيل، مشيرا إلى أن النبي إبراهيم عليه السلام، عندما أمر في المنام بذبح ابنه، كان المقصود إسحاق، بخلاف فهم غالبية المفسرين والعلماء.
وأضاف أن إبراهيم ترك هاجر وابنه إسماعيل في مكة، وكان حينها في الـ75 من عمره، وعاد إلى قومه لدعوتهم، وحينها تزوج بسارة، ورزق منها بإسحاق، وأتاه أمر الله في المنام بذبح ابنه.
إقرأ أيضا: المغامسي يفجر جدلا.. "الذبيح" ليس نبي الله إسماعيل (شاهد)