مشهد قد لا يحدث إلا بأفلام السينما، لكن الواقع
في مصر فاق الخيال؛ فبينما ينتظر أهالي أحمد، والمعتز، وعبدالحميد، فتح أبواب سجن
المنصورة العمومي للزيارة منذ صلاة الفجر، إذ بضابط الأمن يبلغهم بإلغاء الزيارة، وأعلمهم بالذهاب للمشرحة لاستلام جثث ذويهم الذين تم إعدامهم، فجر الخميس.
ونفذت سلطات الانقلاب العسكري الحاكم حكم
الإعدام بحق الطالب بكلية الهندسة أحمد ماهر الهنداوي صاحب الصوت الثوري وبطل مصر
بالملاكمة، والطالب بكلية التجارة المعتز بالله غانم، ورجل الأعمال عبد الحميد عبد
الفتاح، بالقضية المعروفة إعلاميا بقتل "نجل المستشار".
أحداث القضية تعود إلى أيلول/سبتمبر 2014، حين
أطلق مجهولون النار على نجل نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمود
المورللي، أمام منزله في المنصورة –وسط الدلتا-، ليتم اعتقال العشرات وتوجيه
التهمة لهم بعد إخفائهم قسريا، وانتزاع اعترافات منهم تحت جميع أصناف التعذيب
الجسدي والنفسي حسب منظمات حقوقية.
وحول القضية، أكدت 7 منظمات حقوقية بينها مركز
النديم لمناهضة العنف والتعذيب، ومؤسسة عدالة للحقوق والحريات، أنه "من خلال الدراسة الدقيقة لأوراق
القضية واطلاعنا على الحكم الصادر ومذكرات الدفاع والنيابة، والطريقة التي تعاطت
بها محكمة النقض مع هذا الحكم؛ فإنه لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام بالقضية بناء على
محاكمة غير عادلة".
"عربي21"، حاولت التواصل مع بعض
أهالي الضحايا الثلاثة، إلا أن أوضاعهم النفسية لم تسمح بهذا الأمر، ولكن بعضهم عبر
من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن حالته بعد تلقي خبر الإعدام.
إسراء ماهر، شقيقة أحمد ماهر، قالت: "يا
كل روحي يا حبيبي والله.. يارب الصبر".
وعن أناشيد وصوت أحمد ماهر تقول أسماء إسماعيل:
"عرفتُه بإحدى حفلات جامعة المنصورة، كان شابا خلوقا صوته نديّ رقيق يأسر
سامعيه"، مضيفة أنه بعد رحيل أحمد شقير الشاب الذي طارده العسكر حتى الموت،
غنى له أحمد ماهر، ولم يعلم أنه سيلحق برفيقه بعد 4 سنوات، وسيقوم سجانوه بإعدامه
شنقا دون ذنب وسلب روحه ظلما وعدوانا.
وتقول زوجة المعتقل المحكوم بالإعدام ياسر
الأباصيري، عن الضحية عبد الحميد عبدالفتاح، كيف أن زوجته قبل أسبوعين كانت تبحث
عنه بين سجن المنصورة والبرج وليمان طرة، بعدما قيل لها إنه تم ترحيله، وبينما هي
تبحث عنه وصل إليها خبر تنفيذ الحكم فيه بسجن المنصورة، دون أن تراه ولا يراه أبناؤه.
وحكى المعتقل السابق أحمد حمدي والي، عن ذكرياته
مع الضحايا الثلاثة زملائه بنفس الزنزانة، وعن رد فعل عبدالحميد عند الحكم
بإعدامه، وقوله، "إن الحكم إلا لله ربك هو الحَكَم سبحانه مش دول، أهم حاجة لو
قابلناه نقابله وإحنا في طريقه سبحانه".
وكشف عن رسالة المعتز بالله غانم، التي قص
فيها رؤياه التي وصفها بالعظيمة بأول ليلة له بزنزانة الإعدام.
وبين كيف وصاه أحمد ماهر، أن يقول لأنصار
الشرعية: "يشدوا حيلهم ويغرسوا، وإحنا دمنا يروي وإحنا مبسوطين".
معركة صفرية
فهل يقدم النظام على إعدامات أخرى للضغط على من
بالسجون من قيادات الإخوان لتحقيق بعض أهدافه، يرى الحقوقي المصري علاء عبدالمنصف،
أن "النظام لا يخشى أحدا، ويقوم بعملية القمع بشكل متكامل الأركان".
وأشار بحديثه لـ"عربي21"، إلى أن
"المنظومة الحاكمة الآن، لا تحترم القانون وهناك غياب تام لدولة القانون في ظل
غياب فكرة المحاكمة المحاسبة"، موضحا أنه "ومن ثم، فالبطش موجود بصور
لاتتفق مع الدستور والقانون أو المواثيق الدولية".
ويعتقد مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق
الإنسان، أن تلك الإعدامات ليست من أجل الضغط على قيادات الإخوان ومن في
السجون، مؤكدا أن "هذا النظام يعدّ المعركة مع ثورة 25 يناير معركة صفرية لا مفاوضات معها".
تفرقة المعارضة
وحول هدف النظام من تنفيذ أحكام الإعدام، يرى
الحقوقي المصري مصطفى العزب، أنه "ربما يكون له عدة أهداف؛ منها تفرقة الصف
بين الإسلاميين الذين لن يهتم غيرهم بهذه الإعدامات وسينشغلون بها غاية الانشغال
لأسابيع، وبين رافضي التعديلات الدستورية الذين لن يجدوا جماهير واسعة تؤيدهم، ولا
قوة حاشدة تساندهم".
العزب، قال لـ"عربي21": "ولا
أعتقد أن السيسي يضغط بتنفيذ أحكام الإعدام، لأنه يريد عقد أي صفقات أو حلول وسط مع
القيادات المسجونة والمطاردة، بالعكس هو سعيد بهذا الوضع وسيكمل على هذه
الحال".
وتوقع تنفيذ أحكام أخرى، مبينا أن "كل شيء متوقع بظل نظام فاشي يختفي فيه ناس قسريا، ثم نجد صورهم مقتولين ومُلقى بجانبهم
أسلحة، إعدام ميداني دون مشقة أحكام قضائية مسيسة"
وبشأن مشروعية الحكم، قال المستشار محمد أحمد
سليمان: "لا يجوز تنفيذ أحكام بالإعدام قبل البت في التماس إعادة النظر
فيها".
وأضاف: "وأقولها بضمير القاضي، إن أي حكم بالمعاقبة بالإعدام أو بغير الإعدام صدر بعد الانقلاب بقضية تم توجيه تهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين لأي من متهميها، هو حكم جائر انتهكت فيه قواعد التحقيق الجنائي الصحيحة، ولم تراع في محاكمة المتهمين قواعد المحاكمة العادلة"، خاتما بقوله: "اللهم إن هذا منكر لا يرضيك".