صحافة دولية

فورين بوليسي: لماذا يخشى مسلمو الصين من هجوم النظام؟

فورين بوليسي: مسلمو الصين يخشون هجوم النظام- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافي جيمس بالمر، يتناول فيه معاناة أقلية الإيغورفي الصين، مشيرا إلى تعرض الأقليات المسلمة الأخرى للتهديد.

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه في أثناء حضوره نشاطا للجمعية الآسيوية في نيويورك، ومناقشة القمع الذي يتعرض له حوالي مليون مسلم من الإيغور في إقليم سنجان غربي الصين على يد السلطات الصينية، اقترب منه شاب صيني، وقال له إنه من إثنية الهوي، وهي أكبر أقلية مسلمة في الصين، وقال إن هناك خوفا في مجتمعه من القادم بعد ما حصل للإيغور، مشيرا إلى أن هناك مجموعات كثيرة تحارب "الحلال"، وبأن مطاعمهم تتعرض للهجمات، وكسر النوافذ، وسأله عن توقعاته للمستقبل. 

 

ويعلق بالمر قائلا: "ليست هناك أخبار جيدة لأقلية الهوي ولا لغيرهم من المسلمين في الصين، ففي أواسط كانون الأول/ ديسمبر ألغت عدة أقاليم صينية معايير الطعام الحلال، وهو تحرك قال المسؤولون إنه يهدف للتقليل من تأثير المسلمين في الحياة العلمانية، وجاء ذلك متعارضا تماما مع الجهود الحكومية السابقة لتشجيع تصنيع الأغذية الحلال للتصدير، بالإضافة إلى أنه تم هذا الأسبوع إغلاق ثلاثة مساجد بارزة، ما تسبب باحتجاجات، وقد تم اغلاق العديد من المساجد في أنحاء البلاد المختلفة، أو أكرهت على التعديل لتتماشى مع النموذج الصيني، فيما تزايد وجود الحزب الشيوعي فيها، وعلقت صور شي جين بينغ في أماكن بارزة فيها، وغطت الشعارات الماركسية جدرانها".

 

ويشير الكاتب إلى أن "هناك أكثر من 20 مليون مسلم في الصين، وهناك 10 من أصل 55 أقلية معترفا بها من المسلمين، وأكبر تلك الأقليات هما أقلية الهوي والإيغور، وعمر الإسلام في الصين أكثر من 1000 عام، وكانت هناك صدامات سابقة -كما هو الحال مع أديان أخرى- بين السلطات الإمبريالية والمتدينين، وأبرزها تمرد دونغان في القرن التاسع عشر، طعام الأقلية المسلمة سائد ورخيص، وله شعبية في أنحاء الصين كلها، هذه المطاعم كانت عادة تعرض على جدرانها لوحات مخطوطة باللغة العربية، وصورا للمساجد المشهورة، لكن مع تنامي الإسلامفوبيا على مدى الأربع سنوات الماضية، فإن تلك المطاعم بدأت بإزالة تلك المظاهر التي تعكس ديانة القائمين عليها".

 

ويبين بالمر أن "الإسلام ليس هو الدين الوحيد الذي يتم استهدافه، فبكين تطلب إشراف الدولة الكاملة على الأديان كلها، وكان هذا الإشراف يتم سابقا عن طريق دائرة الشؤون الدينية، لكن تم حل تلك الإدارة في آذار/ مارس الماضي، حيث تم تحويل المسؤولية إلى قسم عمل الجبهة الموحدة، وهو القسم الذي يتعامل مع سيطرة الحزب الشيوعي على المجتمع محليا، وحل دائرة الشؤون الدينية أدى إلى انقطاع علاقات العمل بين الحكومة والمجموعات الدينية، وترك معظم الموظفين في الوقت الذي بقي فيه رئيس الدائرة سابقا وانغ زوان، الذي عرف عنه لطف المعاملة نسبيا، أحد نواب الوزراء العشرة في قسم عمل الجبهة الموحدة، إلا أنه ليس لديه موظفون، وليست له سلطة أو دور". 

 

وتنقل المجلة عن أحد الغربيين الذي عمل طويلا مع المنظمات الدينية غير الحكومية في الصين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، تعليقه قائلا إن "دائرة الشؤون الدينية كانت وسيطا مهما بين الممارسات الدينية الشرعية للأديان المختلفة ومتطلبات الحزب، لكن الآن تحولت إلى أداة للسيطرة، وكانت هناك لجعل الدين يعمل بشكل جيد، لكنها الآن تريد أن تجعل الدين أن يعمل للحزب". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن المسؤولين المحليين اضطروا، تحت ضغط أجواء جنون العظمة، التي تسود داخل الحزب، للتخلي عن سياسة التسامح المحلي لصالح السياسات "الخرقاء".

 

ويفيد بالمر إلى أن "هذا ترجم على الأرض على بيئة أصعب بكثير بالنسبة للمتدينين، فالمسيحيون في الصين واجهوا موجة من القمع، وتم اعتقال العديد من القساوسة البارزين، وأغلقت الكنائس، ومنع بيع الإنجيل على الإنترنت، وتمت إزالة الصلبان، أما البوذية التبتية فكانت دائما مراقبة، وهي اليوم تحت الرقابة أكثر من أي وقت مضى، وحتى الأديان التي تسمى صينية، مثل الطاوية والبوذية غير التبتية، فهي أيضا تعاني من حرمان التصريح لها ببنايات جديدة، أو فصول دراسة، حيث زادت طبقات البيروقراطية التي يجب تجاوزها".

 

ويجد الكاتب بأن "التحول ضد الإسلام هو المثال الأبرز -ويحتمل أن يكون الأسوأ- لتشديد الصين على الأديان، وجاء ذلك بعد تبني نظام شمولي في إقليم سنجان، حيث تعد أي ممارسة للإسلام من النظام الأمني هناك مؤشرا على التطرف المحتمل، وكانت المجتمعات الإسلامية الأخرى في الماضي قادرة على تحمل العاصفة؛ وذلك بسببب أن الإيغور منهم تم ترحيلهم إلى إقليم سنجان؛ فمثلا في إقليم نينجكسيا وبعض الأقاليم الأخرى كان يمكن للمسلمين تبني السلفية السعودية دون التعرض لأذى".

 

ويستدرك بالمر بأنه "اليوم، ومع أن حدة الحملة ضد الإسلام تتركز في إقليم سنجان، إلا أن الأقاليم الأخرى تتبنى توجهات مشابهة؛ خشية أن يتهم زعماؤها بأنهم متهاونون مع الإرهاب، أو أن لديهم تعاطفا مع الإسلام، وهذا صحيح بالذات لأعضاء الحزب من العائلات المسلمة؛ فقد اعتقل العديد من المسؤولين الإيغور بتهمة (الخداع)، حيث يظهرون أنهم أوفياء للحزب في الوقت الذي يكونون فيه متعاطفين سرا مع الدين". 

 

وتورد المجلة نقلا عن أحد موظفي الدولة من إثنية الهان، الذي يعمل في الشؤون الإسلامية، قوله: "كانوا في الماضي يطلبون من المسؤولين من إثنية الهوي للمساعدة في التعامل مع شؤون الهوي بحساسية.. لكن الآن إذا كنت من إثنية الهوي عليك أن تكون أشد بمرتين على بني جلدتك".

 

وينوه الكاتب إلى أن "حملة الحكومة هذه تأتي مدعومة بإسلاموفوبيا شعبية تنامت على مدى الأربع سنوات الماضية، وكانت العنصرية ضد الإيغور دائما موجودة، لكن كانت تركز على الإثنية وليس على المعتقد، وبدأت حملة الكراهية الجديدة بهجوم إرهابي على محطة قطار في مدينة كانمينغ في جنوب الصين عام 2014، حيث قام ثمانية شباب من الإيغور بقتل 31 مسافرا، فأصبحت شوفينية إثنية الهان هي السائدة على الإنترنت، وأصبحت مهاجمة الإسلام والمسلمين، وحتى الدعوة للعنف ضدهم، أمرا مقبولا ولا يمسه المراقبون".

 

ويقول بالمر إن "هؤلاء المتخوفين من الإسلام قاموا بنسج أسطورة حركة نشر الحلال، التي هي في مخيلتهم شبيهة بتطبيق الشريعة في مخيلة أعضاء الكونغرس عن المناطق النائية في أمريكا، وكان الطعام موضوع صدام في العادة، حيث يرفض شباب الإيغور تناول الطعام في المطاعم غير الحلال، وليس ذلك لأسباب دينية، لكنه نوع من التحدي الثقافي، فأصبح إكراه المسلمين على أكل الخنزير اليوم روتينيا في إقليم سنجان، في الوقت الذي يبدو فيه في مخيلة المتخوفين من الإسلام أن المسلمين هم الذين يفرضون أنفسهم على الصينيين العاديين، فمجرد عرض خدمات الحلال أصبحت تتسبب بهجمات كراهية ضد المسلمين على الإنترنت".

 

ويبين الكاتب أن "هناك تخوفات كثيرة مجتمعة، فالصينيون مهتمون بسلامة المواد الغذائية، ووصف الطعام الحلال بكلمة (قنجزن) -التي تعني (إسلامي) لكنها تترجم حرفيا إلى (طاهر)- خلقت الاعتقاد بأن من يأكلون الحلال هم طبقة ذات مميزات، أو أنهم يدعون أن إثنية الهان قذرة، يضاف الى هذا اعتقاد راسخ لدى إثنية الهان بأن الحكومة الصينية تعامل الأقليات الإثنية معاملة خاصة، بحسب السياسات التي تمنحهم نقاطا إضافية للتمكن من دخول الجامعات، وتستثنيهم من قواعد التخطيط العائلي الصارمة، ولذلك فإن الأخبار الكاذبة حول المسلمين والتي ينشرها العنصريون في الغرب تنتشر بسرعة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي الصينية".
ويقول بالمر إن "السبب الآخر لتنامي الإسلاموفوبيا في الصين قد يكون التوجهات القومية الجديدة لإثنية الهان، التي تحتاج لعدو داخلي، والإسلام هو الأنسب، وفي الأصل قامت جمهورية الصين الشعبية مثل الاتحاد السوفييتي، على أنها دولة متعددة الإثنيات، وكانت شوفينية الهان، الذين يشكلون الأكثرية، مشجوبة من أعلى المستويات".

 

ويستدرك الكاتب بأن "التعصب للقومية الهانية اليوم يتنامى بشكل مفتوح بين الصينيين العاديين وفي سياسة الدولة، وتم تقليص تعليم لغات الأقليات حتى الكورية، التي كانت في السابق تعد إيجابية". 

 

ويرى بالمر أن "إقناع الشعب بهوية يحتاج إلى عدو مقنع، وربما كان الحزب الشيوعي يفضل أن يرى شباب وشابات إثنية الهان أمريكا عدوا، لكن ذلك مستحيلا في بلد يحب نظرية الانفجار العظيم، ويعتقد أن وصول أحد الأبناء لجامعة هارفارد نجاحا باهرا، لكن الإسلام يبدو العدو المثالي، فينظر إليه على أنه أجنبي بالرغم من وجود المسلمين في أنحاء الصين كلها، وهو غير مقبول إيديولوجيا لدى الدولة، وهو ملطخ بربطه بالإرهاب، وبالنسبة لغالبية الهان فإنه لا يملك الجاذبية الثقافية أو الدينية".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "اما بالنسبة للمسلمين الصينيين، الذين يرى معظمهم أنفسهم على أنهم مواطنون صينيون مخلصون، فإن التحول ضد دينهم كان مأساة، لكن مع تنامي الإسلاموفوبيا فإن الأسوأ قد يكون قادما".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)