ملفات وتقارير

التبشير العقائدي بانتصار الإسلام؛ تخدير أم تحفيز؟

الرقب: الدعاة المعاصرون حينما يتحدثون عن تلك النصوص إنما يستدعونها لمواجهة حالة يأس المسلمين وشعورهم بالإحباط

يُكثر الخطاب الإسلامي المعاصر من التبشير العقائدي بنصر الإسلام استنادا إلى النصوص القرآنية أو النبوية المبشرة بذلك، لكن ثمة من ينتقد ذلك التبشير باعتباره خطابا يستند إلى وعود دينية يساء فهمها أحيانا، وتقع الأخطاء الشنيعة في إنزالها على الواقع في أحايين أخرى. 

 

يضاف إلى ذلك بحسب المنتقدين "أن الخطاب الديني المروج لتلك البشارات، يتغافل عن حجم التخلف والضعف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية في وضعها الراهن، ما يجعل التناول لتلك البشارات ضربا من ضروب التخدير، لأنه يعول على أسباب غيبية غير مرئية تتخلق في رحم الغيب لصالح الإسلام وأهله، وتأتي على غير مألوفات البشر وتوقعاتهم ". 

 

مبشرات ثابتة ويقينية

 

ووفقا لأستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بالجامعة الإسلامية في غزة، الدكتور صالح الرقب، "فإن الحديث عن النصوص المبشرة بانتصار الإسلام ليس وليد هذا الزمان، وهو يستند إلى نصوص دينية ثابتة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة".

 

وتابع: "والدعاة المعاصرون حينما يتحدثون عن تلك النصوص، إنما يستدعونها لمواجهة حالة يأس المسلمين وشعورهم بالإحباط أو الهزيمة النفسية، نتيجة مكر الأعداء الشديد الذي يستهدف إزالة الإسلام من واقعنا وحياتنا، أو تشويهه والتشكيك في معتقداته وشريعته وقيمه وأخلاقه". 

 

وأوضح الرقب في حديثه لـ"عربي21" أن التبشير بانتصار الإسلام "سنة نبوية، وهو ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام عندما بشر أصحابه المعذبين في مكة بانتشار الإسلام في الأرض، وعند قدوم الأحزاب لغزو المدينة، فقد بشرهم بفتح بلاد الشام وفارس وهو ما تحقق بالفعل". 

 

وذكر الرقب أن "الحديث عن المبشرات قد يكون لبيان صحة هذا الدين وصدقيته، وزوال الأديان والمذاهب الأخرى التي تهاجمه اليوم، وأيضا لزيادة شحذ همم الشباب في الدعوة إلى الله تعالى، وبعث الأمل في نفوسهم حتى يستعدوا ليكونوا قادة المستقبل لنصرة دين الله وانتشاره في كل المعمورة".

 

التبشير بين التحفيز والتخدير

 

من جهته نبه الأكاديمي المصري، الباحث في التراث الصوفي، الدكتور الضوي محمد الضوي إلى أن "سياق استخدام النصوص المبشرة بانتصار الإسلام، هو الذي يعيننا على التفريق بين أن يكون ذلك الخطاب خطابا تخديريا، باعتباره أمرا إلهيا، سيأتي هكذا من السماء دون سعي المسلمين، ما يجعلهم يطمئنون إليه، ويدفعهم من ثم إلى التخاذل والتكاسل، والتوقف عن السعي والعمل الجاد". 

 

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وإما أن يكون الخطاب تحفيزيا يضع برنامجا تربويا حقيقيا للالتزام به واتباعه، ويكون بعضه تحفيزيا مدعوما بتلك النصوص التي تؤكد انتصار الإسلام وغلبته، ويمكن دعم ذلك بإحصائيات انتشار الإسلام في العالم كله، التي تؤكد بعضها أن أعداد معتنقي الإسلام في ازدياد، رغم حملات التشويه من أعدائه وأبنائه على حد سواء. 

 

وأوضح الضوي أن "استدعاء تلك النصوص، إنما يهدف إلى تحقيق تلك الغاية ألا وهي انتصار الإسلام، من خلال بناء الإنسان المسلم بناء متكاملا، والسعي لإيجاد الإنسان الصالح، القائم بما يجب عليه تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، وهذا هو الواجب على المسلمين في تعاملهم مع تلك النصوص، باعتبارها نصوصا تحفيزية للوصول إلى الإنسان المسلم الذي بإمكانه صناعة واقع منتصر".

 

وأضاف: "وليس المراد من ذلك الاقتصار على صور الانتصار العسكرية بغلبة أمة على أمة فحسب، بل في صورته اليومية، صورة رجل الشارع المسلم المنتصر على نفسه وأهوائه ورغباته وعلى ضعفه، المنتصر بالعلم والسعي، والمنتصر بالحياة ولها وعليها في آن" على حد قوله. 


لكن طبقا لكثير من معطيات الواقع، فإن استدعاء تلك النصوص المبشرة بانتصار الإسلام لا يُحدث الأثر التحفيزي المطلوب، ويقصر عن إنتاج حالة الفاعلية في الأمة، وهو ما أرجعه الضوي إلى "الاتكاء على تلك النصوص دون إيجاد منظومة تربوية حقيقية، تستمد عناصرها من نصوص القرآن والسنة بشكل متكامل، إذ لا يمكن التعويل على أن الإسلام سينتصر في النهاية دون جعل ذلك الانتصار واقعا معاشا". 

 

وذكر الضوي أن "الإسلام السني أوجد تلك المنظومة في التصوف وآدابه، التي تتضمن مناهج واضحة لتربية النفس، وإصلاح المجتمع، لكنها للأسف أُحيطت في مناخات الرجعية بمزيد من حكايات الخرافة، ولم تروج لجوهره الحق، الذي هو إيجاد الإنسان القادر على نفع نفسه ونفع مجتمعه، بل روجت للإنسان الخارق ذي الكرامات، على خلاف منهج المشايخ المتقدمين في التربية والتزكية".

 

المبشرات واقترانها بالفعل الإنساني

 

بدوره قال الباحث الشرعي، المهتم بدراسات التغيير والنهضة، إبراهيم العسعس، "إن عدم الدقة في فهم وإنزال نصوص المبشرات، من غير إدراك الواقع إدراكا واعيا، ودون ربطها بالسنن الكونية، يقود إلى مفاسد كثيرة، ويوقع في مصائب عظيمة". 

 

وواصل حديثه لـ"عربي21" مركزا على بيان الآثار الخطيرة الناتجة عن ذلك النسق من التفكير، الذي غالبا ما يفضي إما إلى اليأس والقنوط، أو التحليق عاليا في عالم الأحلام والأوهام، وهو ما تتسم به غالب الأنساق الدينية التي تنزع إلى استدعاء المبشرات الدينية وإنزالها في واقع يفتقر إلى أدنى شروط ومقدمات تحقق تلك المبشرات. 

 

وانتقد العسعس من يتصدر للقيادة والتوجيه والتنظير في الساحة الإسلامية وهو لا يحسن التفريق بين منجز الأمة التاريخي، وهكذا نحن كما هو واقع الأمة الآن، وما تتحدث عنه نصوص المبشرات والفتن"، متسائلا: "كيف يتصدر للتوجيه والإرشاد من "لا يفرق بين الإخلاص والتخطيط؟ فأن تكون مخلصا لا يعني أن تكون قادرا على إدارة الصراع بكفاءة واقتدار، فهذا من الخلط الشنيع المفضي إلى نتائج مأساوية مؤسفة".

 

وشدد العسعس في ختام حديثه على أن المبشرات الدينية المتضمنة للوعود الإلهية المطلقة، لا تعمل كضربة لازم، وإنما تتحقق مقترنة بالفعل الإنساني، فكأن الله يقول لنا: "لن أفعل ما وعدتكم بصفة مطلقة، إلا إذا فعلتم ما يجب عليكم فعله"، تماما كما في قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).