استعادة الخلافة تفكيك الاستعمار والنظام العالمي
الكاتب: سلمان سيد
ترجمة محمد السيد بشرى
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر
الطبعة الأولى 2018
عدد الصفحات 387
يثير عنوان الكتاب "استعادة الخلافة" عددا من الإشكالات، ويبدو في ظاهره كما ولو كان مرافعة من أجل مشروع سياسي ترعاه دولة أو ينشده مشروع حركة سياسية، فـ"الخلافة" بتداعياتها المفهومية ومصاحباتها السياسية، تحيل على مشروع سياسي تحمله بعض الجماعات الإسلامية الممتدة في عدد من البلدان العربية والإسلامية، لكن المؤلف، يقطع منذ البداية مع هذا الإيحاء الذي يثيره هذا العنوان، ويعلن في المقدمة أن كتابه "استعادة الخلافة" ليس بتاريخ ولا بتقرير مركز أبحاث ولا هو ببيان رسمي ولا توصيفا لمشروع دولة أو مشروع سياسي، وإنما هو تفكيك للاستعمارية الجديدة، وبحث في الطريقة التي تتشكل بها هوية سياسية مسلمة تسعى للتأثير في النظام العالمي الجديد. تلك الهوية الجديدة التي تفجر أزمة عميقة في هذا النظام، تخل بتوازنه، وتهدم أسسه، ليس فقط من جهة الأمن أو الثقافة، ولكن من حيث فلسفة التأسيس والتكوين.
الكينونة الإسلامية كتحدي للمركزية الأوروبية
ينطلق الكتاب من فرضية أن ظهور الإسلامية طبعت بتدافع سيرورتين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز من خلال استعادة البيض للمبادرة، والإعلان من جديد عن تفوقهم.
ويرى المؤلف أن الحديث عن مرحلة ما بعد الاستعمار لا يعني أن الاستعمار قد انتهى، بقدر ما يعني أن المنطق الاستعماري العرقي الذي منح الامتياز للكينونة البيضاء قد تعرض للتحدي، وهذا التحدي يثير النزعة الانتقامية للبيض.
ويستدرك الباحث في سياق تحديده لمفهوم البيض الذي ينحته، أن الكينونة البيضاء لا تعني لون البشرة أو النمط الظاهري، بل تعني هوية وذاتية سياسية، ويستعرض بهذا الخصوص ما ذهب إليه أصحاب النظرية المعرفية النقدية بخصوص تفوق العرق، وأيضا ما انتهى إليه غرامشي في هذا الموضوع، ويقرر أن مقصوده من الارتكاز على أطروحة "تفوق البيض" في تفسير صراع الكينونات السياسية، ليس له أي علاقة بالأطروحة الاثنوغرافية، وإنما يستمد جذوره من التصنيف السياسي. فـ"تفوق البيض" حسب هذا التصنيف يشير إلى الطريقة التي يرتبط بها الحس السائد للكينونة الأوربية بتفاعل مكثف بين المجتمعات الاقتصادية والثقافية والمفاهيمية التي تمنح الامتياز للكينونة البيضاء، وتقوم بتطبيعها باعتبارها جوهر الكينونة الإنسانية.
لا يعني "تفوق البيض" بالتأطير النظري الذي يذهب إليه المؤلف الأفراد أو الجماعات، بل يعني نظاما محددا من السيطرة العالمية لحساب الكينونة الأوربية (وليس بالضرورة لفائدة الأوربيين).
يقر المؤلف أن أطروحة "تفوق البيض" التي تبناها في هذا الكتاب قد نضجت عنده قبل انتخاب ترامب، وقبل موجات تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا، وقبل تصويت بريطانيا لفائدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ظاهرة مقدور عليها
وخلافا للأطروحات المتقادمة التي تستند إلى هذه الظواهر السياسية الجديدة لتثبت أن ظهور الإسلامية هي مسألة هامشية تؤثر فقط على الأقليات المسلمة وأنه مقدور على تجاوزها، يؤكد الكاتب أن هذه الظواهر السياسية الجديدة تؤكد أن"الكينونة المسلمة" هي ظاهرة عالمية، وأن تفوق البيض في تجلياته الجديدة، يتم ترجمته من خلال تنشئة الخوف من الإسلام، وترسيخ ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل مؤسسي، وذلك على المستوى المحلي والدولي.
يتبنى الكاتب تفسيرا مختلفا لظاهرة الإسلاموفوبيا، فهي لا تعني عنده مجرد التمثيل السلبي للمسلمين أو الإسلام أو كليهما، وإنما هي محاولة دائمة لضبط الكينونة المسلمة ومراقبتها من خلال التبشير بأفق التغريب والارتباط بالمركزية الأوربية وإنكار الاستقلالية المسلمة.
تفوق البيض في تجلياته الجديدة، يتم ترجمته من خلال تنشئة الخوف من الإسلام، وترسيخ ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل مؤسسي
إقرأ أيضا: الإسلاموفوبيا.. قد تكون معرضا للخطر في أكثر دول العالم ديمقراطية
تتنوع أشكال هذه المطالبات، فمنها من يأخذ مسلك التماهي من خلال إبداء الرغبة في المشاركة في المجتمعات الأوروبية المعاصرة والانخراط في الحوار، ومنها ما يأخذ شكلا مخالفا، يطبعه التمرد من وضعية التهميش وعدم الاستيعاب في الهياكل والبنى المؤسسية.
ومع إقرار الكاتب بوجود شرائح عديدة من المسلمين لا ينخرطون في مواجهة تفوق البيض، ولا يرون في ذلك تحديا أمام ظهور وبروز كينونتهم الخاصة، وأن من هذه الشرائح من لا يحملون هذه الرؤية المستحضرة للتحدي، أو يرون ألا مصلحة في خوضه، أو يعتقدون أن أحسن طريقة لمنع تغوله هو التماهي معه، لكن مع ذلك كله، لا يرى الكاتب في هذه التمثلات المختلفة للمركزية الأوروبية وتفوق البيض دحضا للحجة التي يقوم عليها الكتاب، والتي ترى أن التعبير عن الإسلام باعتباره مشروع تحرير في صورته الأكثر تبشيرا يتضمن تفكيكا للاستعمار الجديد وللمركزية الأوروبية وتفوق البيض.
الإسلامية هوية سياسية عصية عن التطويع
ينبه الكاتب أن التحرك باسم الإسلام لا يمثل الصورة الوحيدة لمقاومة تفوق البيض، لكنه صار أهم الرايات الرئيسة التي يتم عن طريقها تحدي تفوق البيض، ويستدل على ذلك بالتركيز الأوروبي على مواجهة الكينونة المسلمة باعتبارها أحد أهم خصومهم الرئيسة بالإضافة إلى دعاة التعددية الثقافية والماركسيين الثقافيين.
إقرأ أيضا: إيفانكا ترامب: لا مكان لنظرية "تفوق البيض" في بلادنا
ويعلل الكاتب حجته بكون أكثر جوانب الإسلامية تحديا هي علاقتها بالإسلام، ذلك أن الإسلام هو تصنيف أنطولوجي غير قابل للاختزال في أي تجل كينوني محدد، وأن جميع المحاولات والخطط التي يحلم بها الإسلاموفوبيون لهزيمة الشيشانيين أو الكشميريين أو الفلسطينيين أو الإيغور أو المورو من خلال شتى أنواع التنكيل والإبادة، لم تتمكن من تحقيق أغراضها، لأن تصوراتهم التي تدفعهم لتبني هذه الخطط، تنطلق من أن التنكيل والإبادة يمكن أن يثني المسلمين عن نضالاتهم ومطالباتهم، ولا تستوعب وتفهم طبيعة الإسلام الأنطولوجية. فالإسلام لا يمكن اختزاله في شعائره أو في ممارساته الشائعة، أو في ماضيه، ذلك أن قدرته على تجاوز أي تجل من تجلياته تعني أنه سياسي بشكل متأصل، ولا يمكن إيقاف الصراع حول معنى الإسلام من غير إبطاله.
يركز الباحث في كتابه على الطرق التي يتم بها حبس الإسلامي الثقافي وحصره في إطار النموذج الغربي، ويؤكد بأن فكرة الخلافة في مشروعها التمكيني تمتلك الدافع للتحرر من هذا النموذج، وتحرير الثقافي الإسلامي من هيمنته. ويؤكد أنه يلزم الاعتراف بالإسلامية كمشروع متمدد باعتبارها هوية سياسية لها دور في حياة الناس.
المركزية الأوروبية والطابع الاستثنائي للإسلام
يرى الباحث أن من أحد أشكال خوض المركزية الأوربية لصراع إثبات تفوق البيض هو جهودها لإبراز الطابع الاستثنائي للإسلام، وإلصاق الظواهر العنفية والمرضية ومظاهر اللاعدل واللامساواة وغياب الشفافية والحوكمة بخواص الإسلام وصفاته الذاتية، ويعتبر الكاتب أن المركزية الأوروبية تخوض بهذا الرهان مغامرة كبيرة تنتهي بسلخ المسلمين عن تاريخهم وتقديمهم كما ولو كانوا شعبا بدون تاريخ وبدون ذاكرة وبدون مستقبل.
ويؤكد الكاتب على رهان سلب المستقبل من المسلمين، وإكراههم على الانخراط في حتمية تفوق البيض وتفوق المركزية الأوروبية، ويدرج ضمن ذلك مسلسل إلصاق الإرهاب بهم، ومحاولة الربط بينه وبين الإسلام، حتى يتسنى تحقيق هدف إيقاف الأسلمة باسم مكافحة الإرهاب، وتصوير ظهور الكينونة المسلمة باعتبارها مخلة بالنظام العالمي الحالي.
وينتهي الكاتب في خلاصات كتابه أن تفكيك الاستعمار وتحرير العالم من المركزية الأوروبية في جميع تجلياتها المتعددة والمعقدة ستخلق أفقا للأمل والمستقبل وتهيئ أرضية لتصور خيارات مستقبلية أخرى للشعوب، تسمح بتشكيل مفردات مفاهيمية جديدة لا تقوم بإعادة تكريس المركزية الأوروبية، وتقطع مع مخرجات الاستشراق، وتنطلق من منهج أنطولوجي لإنتاج المعرفة.