واجه المصريون أسوأ أزمة زراعية منذ عقود في
عام
2018؛ بسبب نقص الإنتاج الزراعي، وارتفاع أسعار التقاوي (البذور وأجزاء النباتات التي تستخدم في الزراعة) واحتكارها، وسياسة
الحكومة المصرية في تقليص المساحات المزروعة للأرز، وفشلها في تسويق إنتاج
الفلاحين من القطن، ما أدى إلى اشتعال أسعار بعض المنتجات الزراعية.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة
"الفاو"، أن ترتفع واردات مصر من الحبوب والبذور الزيتية ووجبات
البروتين إلى 27 مليون طن بحلول عام 2025، مقابل 23 مليون طن حاليًا.
واتسعت الفجوة بين واردات مصر وصادراتها من
المنتجات الزراعية، خلال العام الجاري، حيث بلغت صادرات مصر الزراعية نحو 2.1
مليار دولار من خلال تصدير نحو 4 ملايين طن منتجات زراعية فقط، وفق المجلس التصديري
للحاصلات الزراعية.
وارتفعت قيمة الواردات المصرية من الحاصلات
الزراعية بنسبة 4.9% لتبلغ 5.54 مليار دولار مقابل 5.23 مليار خلال الـ 10 أشهر
الأولى من العام الجاري.
وتبلغ المساحة المزروعة في مصر حاليا نحو 9
ملايين و260 ألف فدان في حين أن الاحتياجات الفعلية من الأراضي الزراعية طبقا
لتعداد السكان الحالي 22 مليون فدان، وترتفع الاحتياجات في عام 2050 إلى 23.5
مليون فدان.
تخبط أم فساد
واتسمت سياسة الحكومة المصرية الزراعية بالتخبط
سواء في توفير التقاوي والأسمدة للفلاحين، أو استلام المنتجات الزراعية بأسعار
عادلة وتسويقها، وبرزت من خلال تصريحات وزير الزراعة المصري، عز الدين أبو ستيت،
بشأن استيراد مصر تقاوي خضروات، بمليار دولار.
وارتفعت أسعار الكثير من الخضر والفاكهة بشكل
غير مسبوق في تاريخ المصريين؛ حيث وصلت البطاطس إلى 15 جنيها للكيلو، والطماطم إلى
10 جنيهات، والكوسا إلى 12 جنيها، والخيار إلى 10 جنيهات، والأرز المعبأ إلى 14
جنيها للكيلو.
أزمة المناخ
وعزا مدير إحدى الجمعيات الزراعية بالأقصر، عبدالكريم
دياب، أزمة الإنتاج الزراعي، تراجع دور مراكز البحوث الزراعية التابعة لوزارة
الزراعة، قائلا: "تتحمل مراكز البحوث المسؤولية بلا شك في عدم توفير بذور
زراعية جديدة تتحمل تقلبات وتغيرات المناخ الجديدة".
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21" إلى أن
"التغير المناخي بات يؤثر على مواعيد الزراعة؛ وبالتالي تراجع إنتاج بعض
المحاصيل الزراعية المهمة مثل الطماطم والبطاطس وبعض الخضر التي يحتاجها المواطن
المصري باستمرار".
سياسة معادية
فيما حمل الصحفي المتخصص في الشؤون الزراعية،
جلال جادو، الحكومة المصرية مسؤولية انهيار قطاع الزراعة الذي بات عبئا على الفلاح
المصري، قائلا: "سياسة النظام الحاكم الزراعية تعادي الفلاح المصري من خلال
رفع الدعم عنه بصورة كاملة على عكس ما يحدث في دول العالم من دعم الفلاح".
وأكد في تصريحات لـ"
عربي21" أن
"إهمال الفلاح المصري على مدى السنوات الماضية فاقم من معاناته ماديا ما جعله
في وضع سيئ حيث تراجع إنتاج الحبوب مثلا كالقمح، والشعير، والذرة الشامية البيضاء،
والذرة الرفيعة، وأخيرا الأرز".
واتهم منظومة الفساد التي يشرف عليها الجيش
في تدهور أوضاع الفلاحين، قائلا: "هيمنة العسكر على واردات وصادرات مصر من
الإنتاج والحاصلات الزراعية يفتح الباب على مصراعيه أمام فساد لا سقف ولا حدود له
على حساب الفلاح والمواطن".
البحث والإنفاق
بدوره؛ أكد الأستاذ المساعد بمركز البحوث
الزراعية السابق، عبدالتواب بركات، لـ"
عربي21" أن "مشكلات نقص
التقاوي، وغياب التسويق، وارتفاع الوقود، وزيادة تكاليف الإنتاج، وتراجع الإنفاق
على البحوث الزراعية لتوفير بذور ذات إنتاجية عالية، ساهم في أزمة الإنتاج الزراعي
بشكل كبير".
وضرب بذلك مثلا "بارتفاع أسعار الأرز أكثر
من خمسين بالمئة مقارنة بعام 2017؛ بسبب قيام الحكومة المصرية بتقليص المساحة
المنزرعة من الأرز إلى نحو النصف خلال العام الجاري من أجل توفير المياه التي تشهد
تناقصا عاما تلو الآخر".
وكشف أن "تخلي الدولة عن دورها في توفير
البذور عالية الإنتاج لصالح القطاع الخاص الذي يستورد من دول أجنبيه بعضها دول
معادية هو جريمة في حق الزراعية والفلاحين بمصر، وتستوجب وقفة حقيقية لوقف انعدام
المسؤولية والضمير، وإعادة مصر إلى خريطة الإنتاج الزراعي".
وانتقد بركات قيام "الحكومة المصرية
بتخفيض ميزانية مركز البحوث الزراعية من 250 مليون جنيه في عام 1982 إلى أقل من 10 ملايين جنيه، وتخصيص بعضها
لأعمال ترميم وتجديد، في حين كان عليها أن تستثمر في إنتاج بذور عالية الإنتاج
ومقاومة للأمراض النباتية، لحماية الأمن الغذائي".