المصريون يلحقون حرف السين بالبطاطة شأنها شأن اسم الفيلسوف أرسطو الذي يُقرأ في الكتب القديمة وهو يجر ذيل السين؛ أرسطوطاليس، ومثله فيثاغورس وجالينوس. البطاطة غذاء مستورد ووافد و"خواجة". وكان أحد الناشطين لله دره، قد خلع قشرة ثمرة بطاطة، ولم يترك من قشرتها سوى القشرة البكيني، أي ما يغطي نهديها والمنطقة الحميمة التي كان الأقدمون يسمونها السوأة. فلله در هذا الناشط الأريب الذي اختصر مقالي بصورة بكيني. يقول المثل ضحكني ولا تـ"بكيني".
الرئيس الكاتشاب الدموي ما يزال مستمراً في الوعظ والزهد الذي لم يعرفه أحد من العالمين حتى حاتم الأصم وإبراهيم بن أدهم وأمثالهم، فقد أمضى عشر سنوات وليس في براده سوى الماء! وهو مواظب على حضِّ الشعب على الصوم والجوع قرباناً لوثن الدولة المصرية، التي قال عنها وكأنها أمَتُه وجاريته: اللي ح يقرب لها لاشيلوا عن وش الأرض. وأمس نهى الشعب عن أكل البطاطة وكأنها رجس من عمل الشيطان، كأنها الحرام، فذكّرنا برواية الحرام ليوسف إدريس، وهي رواية عن بطاطة ملحمية، هي قصة ثمرة بطاطة مقدسة ومدنسة.
رائعة يوسف إدريس
يمكن أن نزعم أن رائعة يوسف إدريس الحرام التي تحوّلت إلى فيلم من بطولة فاتن حمامة وعبد الله غيث، وإخراج حلمي رفلة؛ تدور حول شهوة إلى جذر بطاطة، تحوّلت إلى سبب لارتكاب خطيئة الزنا، وإلى ولادة طفل قتلته أمه خوفاً من الفضيحة.
تصور عزيزي القارئ أن البطاطة التي كانت رمزاً للبساطة والزهد في أغنية صباح الشهيرة "ع البساطة البساطة" صارت عزيزة، وطعام هدايا في عصر السيسي. ورمزاً للوجود والكينونة.
سأذكّر القارئ بالرواية بتلخيص سريع، ويمكن للقارئ مشاهدة الفيلم الخالد، الذي أخلص للرواية الخالدة. عزيزة هي زوجة عبد الله، وهما من الغرابوة، وهم عمال الترحيل الذين يعملون لدى الشراقوة، يصاب عبد الله بمرض البلهارسيا الذي يقعده، فتقوم عزيزة على العائلة، يشتهي عبد الله جذر بطاطة، فتسعى إلى عزبة ابن قمرين، الذي يراها تحفر في غيطه، فيعنفها ويردعها، ثم يشفق عليها فيبحث في باطن الأرض، ويرمي لها بحبة بطاطا، فتسقط وهي تحاول التقاطها، فيطمع فيها بعد سقوطها.
لقد سقطت ليس بطلقة بندقية، وإنما بحبة بطاطة، يهمُّ باغتصابها في البرية، فتدفعه، ثم تستسلم له، وهي ما تزال صبية جميلة مشتهاة، في أول زواجها. لنتذكر أن زوجها مريض وفقد قدرته الجنسية، وقد حُرمت بحرمانه من الصحة، من الحاجتين، البطن والفرج، وإن سبباً ثالثاً قد يكون وراء استسلامها، غير الشهوتين، وهو الطمع في الاستواء الطبقي مع ابن قمرين الغني المقتدر، وهي الفقيرة، في لحظة الاتحاد الجنسية. تحبل مقابل مهر قدره حبة بطاطة، وتقع في شدة من أمرها، وتخفي حملها الحرام، وتحاول إسقاطه، ثم تلد وهي في المزارع، فتقتل طفلها، وتفقد عقلها، وتموت بحمى النفاس.
هذه هي الحكاية الأساسية التي تدور حول حكايات كثيرة، حكاية المأمور وابنه صفوت الذي يصطاد اليمام بجوار دار مسيحة أفندي البشاكاتب، طمعاً في ابنته لنده، التي توحي الرواية بأنه اغتصبها من غير ذكر للتفاصيل، وزوجة الباشكاتب التي تشك في أن دميان أخو مسيحة أفندي رجل قادر على إتيان النساء، في إيحاء بعلاقة آثمة بين الزوجة وبين شقيق الباشكاتب، وزوجة الفقيه في علاقة محرمة مع أحمد سلطان، وزوجة محبوب البوسطجي، الذي يترك زوجته للحرام أيضاً مع عشيقها المزعوم، الذي جاء من طنطا. المدار الثالث في الرواية هو خط الجوع والسلطة ممثلة في الدولة الغائبة والنيابة المرتشية، التي تسجل حادثة قتل جنين ضد مجهول، والدودة التي ستأكل المحصول، فتصير عزيزه ذليلة (لاحظ دلالة اسمها الذي يرمز لمصر العزيزة، المحروسة التي صارت معكوسة ومعفوسة).
بدلاً من أن يجعل مصر قدّ الدنيا، جعلها قدّ جذر بطاطة. جعل مصر على الحديدة، على البطاطة، عفواً، على البلاطة.