يُقال، منذ عام 1500، حدثت في العالم 15 حالة احتكاك، 11 منها تحولت إلى حروب كبيرة. وكلنا يتذكر أن شرارة الحرب العالمية الأولى، اندلعت بسبب الأزمة الدبلوماسية بين النمسا وصربيا على خلفية مقتل ولي العهد النمساوى على أيدي طالب صربي في سراييفو. لا أحد كان يتصور أن يقود ذلك الحدث الصغير، البعيد عن العواصم الغربية، إلى تلك المجزرة التي راح ضحيتها الملايين، لكنه لعب السياسة القذر، وغياب المسؤولية عند القادة. واليوم، تتزايد احتمالات اندلاع الحرب العالمية الثالثة، أيضا بسبب حدث صغير. هكذا يصرخ البعض، ومنهم قادة دول وزعماء سياسيون، محذرين بأن الأجواء السائدة في عالمنا اليوم، تشبه تلك التي سبقت اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وآخرون يؤكدون بأن الحرب الباردة ستتجدد. احتكاك بسيط بين روسيا والصين من ناحية وحلف «الناتو» والولايات المتحدة من ناحية أخرى، يمكن أن يطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة. وقد ينشأ الاحتكاك مع قاذفات القنابل الروسية قرب حدود الناتو البحرية، أو في أجواء سوريا وتركيا، أو ربما احتكاك بحري بين السفن الأمريكية واليابانية من ناحية والسفن الصينية والروسية من ناحية أخرى، أو بين كوريا الشمالية وأمريكا واليابان، إلخ. القوة العسكرية الروسية، بأقصى قدراتها، تعزز مواقعها من أوكرانيا إلى دول البلطيق، ومن سوريا إلى الشرق الأوسط بأكمله.
المجال الجوي السوري المشبع بطائرات لدول مختلفة تشن غارات على تنظيم (داعش) الإرهابي، فيثير المخاوف من إمكانية احتكاك تلك الطائرات، ووقوع حوادث تؤدى مباشرة إلى اندلاع حرب عالمية جديدة. أما الخبراء العسكريون، فيؤكدون اقتراب بارود إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة، بسبب حالة الفوضى التي يعيشها الشرق الأوسط، وتضارب المصالح فيه بين روسيا وأمريكا، إضافة إلى دخول الصين ودول أخرى على خط الأزمة، وبسبب الأزمة الأوكرانية، وتفاقم أزمة اللاجئين والمهاجرين وما أحدثته من توترات في أوروبا، خاصة في دول شرق ووسط القارة. وهناك من يضيف حيثيات أخرى لفرضية قرب اندلاع الحرب العالمية الثالثة، منها:
الإرهاب والحرب عليه، اللذان تسللا أيضا إلى أوروبا وأمريكا.
اشتداد التأزم بين أمريكا وإيران، وتهديد إيران بقفل الخليج ومضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، إذا استخدمت أمريكا القوة العسكرية لمنع صادرات إيران النفطية.
الأزمة الاقتصادية العالمية، وحروب العملات والحروب التجارية بين الدول الكبرى، والتنافس على استحواذ الاراضي الخصبة في إفريقيا لصالح شركات الغذاء والطاقة في البلدان الرأسمالية، كل هذا يشبه ما حدث في الأعوام السابقة للحرب العالمية الثانية.
ومثل الأجواء التي حدثت عشية الحرب العالمية الأولى، التردد هو المسيطر الأكبر على الدبلوماسية العالمية حاليا، إضافة إلى انعدام التضامن بين دول القارة الواحدة، والتسرع لاتخاذ خطوات غير محسوبة، وكذلك التهديدات المتبادلة بين الدول.
يقول الرئيس الفرنسي، ماكرون، إن أوروبا «تواجه اليوم خطر التفكك بسبب آفة القومية، وأن تثير قوى خارجية البلبلة فيها، وأن تخسر بالتالي سيادتها، أي أن يتوقف أمنها على الخيارات الأمريكية وتبدلاتها، وأن يكون للصين حضور متزايد في البنى التحتية الأساسية، وأن تميل روسيا أحيانا إلى التدخل، وأن تتخطى المصالح المالية ومصالح الأسواق الكبرى أحيانا مكانة الدول، وكل هذا يشبه الأجواء السابقة لاندلاع الحرب العالمية الثانية».
وجود قادة مشكوك في حكمتهم، أمثال دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي المنتخب جايير بولسونارو، يجهرون بدعاوى العنصرية والكراهية تجاه الآخر، وكذلك الصعود المتسارع لتيارات الشعبوية اليمينية والنازية الجديدة، خاصة في أوروبا.
تزايد الطغيان والاستبداد، ومحاولات طمس وتجاوز ما اتفق عليه عالميا حول حقوق الإنسان، خدمة للمصالح الأمريكية والأوروبية.
لكن، هل اندلاع حرب عالمية جديدة، تهدد السلام العالمي، بل وتهدد بفناء البشرية في ظل إمكانية استخدام السلاح النووي، وفي ظل وجود قادة لا يتمتعون بأدنى قدر من الإحساس بالمسؤولية، هل هو مصير محتوم نساق إليه نحن، الشعوب المغلوب على أمرها؟ ألا توجد إمكانية لمقاومة ورفض هذا الواقع الذي لم نصنعه نحن؟ لا أعتقد بحتمية المصير، وأرى أن إمكانية المقاومة والانتصار موجودة.
في السابق، في سياق الحرب الباردة، كنا نتحدث عن التحالف العالمي الذي يضم منظومة المعسكر الاشتراكي، وحركات التحرر الوطني في البلدان النامية، والحركات المقاومة، من داخل البلدان الرأسمالية، لسياسات هذه البلدان المعادية للشعوب والمهددة للسلام العالمي. لكن، اليوم انفرط عقد هذا الحلف، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وبعد بروز عدد من المستجدات المعاصرة، سواء في البلدان النامية أو البلدان الرأسمالية.
نحن اليوم نعيش عصر العولمة التي هي بالأساس ظاهرة موضوعية تعبر عن اتجاه العالم نحو التكامل والتوحد، لكن جوهرها يعاني تناقضا حادا مع هذا الاتجاه؛ حينما تسعى الرأسمالية إلى أن يكون تكامل العالم وتوحده تحت قيادتها وبأسلوب القسر والإكراه، وبهدف جني المزيد من الأرباح لصالحها غير عابئة بالدمار الذي تلحقه بالشعوب الأخرى، وبما تبذره من بذور اندلاع حرب كونية جديدة. نحن في حاجة إلى تحالف عالمي جديد، تؤسسه كتلة عالمية أوسع من حيث التكوين، وأشمل من حيث القضايا التي تطرحها. هذه الكتلة الجديدة تعبر عن أوسع تحالف ممكن من كل الطبقات والفئات والقوميات والشرائح الاجتماعية، خاصة الشباب، في العالم، غض النظر عن منطلقاتهم الفكرية والأيديولوجية، الرافضين للعولمة المتوحشة، والمناضلين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام العالمي وحماية البشرية من الفناء.
وتضم هذه الكتلة التاريخية الجديدة: الحركة المناهضة للعولمة تحت قيادة القطب الواحد وحلفائه، الحركات والتنظيمات والأحزاب الموجودة في قلب النظام الرأسمالي ومعادية له أو لأحد أوجهه، حركة الشعوب المناضلة من أجل استكمال مهام استقلالها الوطني والاجتماعي، الحركات والتنظيمات والأحزاب، بما في ذلك المجموعات الدينية، المناضلة من أجل الديمقراطية والعدالة والتقدم الاجتماعي، منظمات المجتمع المدني النشطة في نشر ترسيخ ثقافة السلام وحقوق الإنسان، إلخ.
عن صحيفة القدس العربي