أسئلة كثيرة تطرحها المحافل الأمنية الإسرائيلية حول جدوى العمل الذي تبذله في المجال الاستخباري، ومدى استفادتها من قدراتها التنفيذية في إطار النظرة الأمنية الشاملة، من حيث طبيعة العلاقة بين الواقع الذي تحياه المؤسسات الأمنية الإسرائيلية اليوم، وحجم الطلب المرجو منها، من قبل المستويين السياسي والعسكري.
هنا بالإمكان الحديث عن أبرز الأدوار والتكليفات التي أنيطت بعالم الاستخبارات الإسرائيلية، وما يتعلق بها من مواصفات وشروط هامة، أبرزها:
العمل السري في جبهة واسعة.
مشاركة أكثر من جهاز أمني خلال استخدام الجيش لنيرانه الحية.
انخراط أجهزة الأمن بمهمة "الحرب على الوعي"، بالتأثير على الرأي العام في مكان ما.
إحباط عمليات معادية عبر الاستعانة بأدوات ميدانية، والكشف عنها بوسائل سرية.
مع أن التغييرات التي طرأت على التحديات الأمنية المحيطة بإسرائيل في السنوات والعقود الأخيرة أثرت بصورة أو بأخرى على القدرات التي تبذلها أجهزة أمنها لمحاولة التكيف والتعاطي مع التهديدات.
ومن ذلك العمل على تعاظم وتنمية القوات المشاركة في المؤسسات الأمنية الإسرائيلية من الناحية البشرية، لجني أكبر قدر ممكن من "المنتج الأمني"، ولهذا تعاظم في السنوات الأخيرة الاعتماد على سلاح الجو، وما يحققه من نتائج ذات مردود كبير على الواقع الأمني الإسرائيلي.
هنا ملاحظة لا بد من إظهارها، تتمثل في أن القدرات التي حققها سلاح الجو الإسرائيلي أمام جيوش عربية نظامية، والنتائج التي حققها لصالح إسرائيل، لم تعد بذات القدرة والجدوى في مواجهة قوى عسكرية غير نظامية، مثل حزب الله وحركة حماس، لأن هذه المنظمات بحاجة -من أجل التعاطي المجدي معها- إلى استخدام نار حية مباشرة، وتفعيل استخباري بين صفوفها.
مثال آخر على ذلك: ظاهرة انتشار وحيازة السلاح النووي، تدفع بالمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية إلى تكثيف عملها في هذا المجال، الذي لم يكن على أجندتها خلال العقود الماضية، وغدا اليوم جزءا أساسيا من "خارطة التهديدات الأمنية لإسرائيل".
هذا التحدي على سبيل المثال يرفع بصورة تلقائية الحاجة الماسة إلى الجهد الاستخباري الذي يسعى لـ"إحباط" أي جهود معادية في هذا المجال.
من الوجاهة إثارة النقاش المتصل بكيفية جمع المعلومات الأمنية؛ لوضعها بين يدي صانع القرار الإستراتيجي الإسرائيلي، في ضوء التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل في الوقت الراهن، ما جعل صناع قرارها يتنبهون لتحديث البيئة المعادية المحيطة بها، وكما كان ذلك في الماضي، فقد ازدادت فعاليته اليوم، من خلال متابعة آخر التطورات في هذه الجبهة أو تلك.
التحدي الأول: يتمثل بوجود خصوم معادين لإسرائيل داخل كيانات سياسية وقدرات عسكرية، لكنها غير خاضعة لسلطة مركزية قوية، وهنا يمكن الحديث عن الساحة الفلسطينية بصورة خاصة، إضافة للساحتين اللبنانية والسورية.
من الناحية البحثية، فإن الحديث يدور عن تحد معقد يختلف عن دولة قد تكون معادية، لكنها تتخذ قراراتها في ظل نظام سياسي مستقر، وهناك جهات رسمية مركزية تتخذ هذه القرارات.
التحدي الثاني: حول إمكانية حصول بعض دول المنطقة على السلاح النووي، ما يحتم على صناع القرار الإسرائيلي البحث من جديد في نظرية "الردع النووي".
التحدي الثالث: يناقش "تعميق" الجبهة المعادية واتساعها رويدا رويدا، ففيما تقع إيران في قلب الدول المعادية، فإن هناك دولا أكثر بعدا، باتت متورطة في قضايا الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بطرائق البحث والتحليل في عالم الاستخبارات الإسرائيلية، هناك مشكلة تتعلق بـ"طغيان" جانب الرأي الشخصي والموقف الفردي لهذا الباحث أو ذاك، أو لهذا الجهاز ورئيسه، على الجانب التقديري الحقيقي المجرد من أي اعتبارات شخصية متطرفة.
تسعى دراسات أمنية إسرائيلية، من بينها "المخابرات الإسرائيلية.. إلى أين"، لمؤلفيها: شموئيل إيفين وعاموس غرانيت، ترجمها كاتب السطور، إلى إيجاد "منهجية" بحثية جديدة في مؤسسة الأمن الإسرائيلية، تتمسك بالجانب الوطني، دون الانتقاص من الجانب المهني البحت، بحيث حين يطلب رئيس الحكومة تقديرا أمنيا حول قضية ما، لا بد أن تبرز الخلافات في الرأي بين الأجهزة، وعدم تغليب رأي معين لحسابات شخصية أو تتعلق بهوية الجهاز.
في مثل هذه الحالة تبرز أفكار أخرى إضافية تدلل على ذلك:
إقامة جهات رقابية رسمية.
إعداد خطط عمل مشتركة لبحث القضايا الأساسية.
تطوير مشترك لطرق البحث الاستخباري.
تدريبات مشتركة.
البحث عن باحثين جدد في مجالات إضافية تفيد العمل الاستخباري، ولو من بعيد، منها: الفلسفة، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وغيرها.
استخلاص الدروس من إخفاقات الماضي التي مرت بها أجهزة الأمن الإسرائيلية.