انشغل الرأي العام في الآونة الأخيرة بقضية
التحرش، وظهرت حركة "مي تو" (Me To) كرد فعل عنيف ومقاوم للتحرش. القارئ في غنى عن ذكر أسماء الشخصيات العامة التي اتُهمت بقضايا أخذت حيزا كبيرا من الانشغال، سواء كان في وسائل الإعلام أم وسائل التواصل الاجتماعي لاحقا، أو حتى المنابر الدولية. والكثير من تلك الشخصيات العامة نزل عليها عقاب قضائي واجتماعي شديد.
ظهرت في فرنسا حركة مناوئة ومقاومة للتحرش اسمها Me "To" تزعمتها كل من كاترينوف وبريجيت باردو، حيث كانت وجهة النظر التي طُرحت (والتي أراها أنا شخصيا مقبولة)، أن الحركة قد تحمل الكثير من النوايا الطيبة، ولكن قد تأتي المغالاة بها بنتائج عكسية، وقد تدفع المجتمعات الغربية للعودة للانغلاق مرة أخرى، نتيجة للتشدد الذي يشوب تلك الحركة.
السؤال الذي يطرحه كاتب هذه السطور هو: الفعل التحرشي نفسه ما هي معاييره وشروطه؟
على سبيل المثال، هل يحق لأي مخلوق أن يتهم مخلوقا آخر بالتحرش به؟ وما هو الإثبات الدامغ المتفق عليه بالإجماع المُطلق أن هذا الفعل أو ذاك هو فعل تحرشي؟
إن الاعتماد على مسألة سرد التجربة من الضحية، هي مسألة في غاية الخطورة؛ كونها بحد ذاتها تُستقى من طرف واحد. وهي تفتح الباب على مصراعيه عن مصداقية وشرعية ذلك الاتهام، فإذا غابت المعايير الواضحة والدقيقة، حل محلها المزيد من التشوش الذي يدفع لرغبات مشوهة، كالانتقام والثأر. فما أدرانا أن الضحية لا تكذب لغرض ما في نفسها؟ وما أدرانا أنه قد تكون هناك مؤامرة كيدية موجهة للمتهم؟
دعونا نفكر بعدم مجانبة الحقيقة.
هناك أسئلة كثيرة لا بد من طرحها، تحتاج لإجابات لوضع معايير واضحة وشفافة في مسألة التحرش.