نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للمعلق المعروف ديفيد إغناطيوس، يقول فيه إن ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان كان يخاف من الصحافي جمال
خاشقجي، لدرجة أنه أصدر أوامره في الصيف لإحضاره إلى
السعودية.
ويتساءل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، عما يثير خوف ابن سلمان من صحافي انتقده بهدوء، قائلا إن هذا السؤال سيظل حاضرا حتى بعدما تنتهي التحقيقات التركية وإدانة المتورطين، "فلماذا كان يجب إسكات الصحافي وما هو التهديد الذي كان يمثله؟".
ويجيب إغناطيوس قائلا: "حدسي هو أنهم نظروا لخاشقجي على أنه رجل خطير لسبب بسيط، وهو أنه شخص لا يمكن استفزازه أو التحكم فيه، فكان عقلا لا يمكن ممارسة الرقابة عليه، ولم يلتزم بالخطوط الحمراء في المملكة، وكان صحافيا لحوحا ومتحديا".
ويقول الكاتب: "لو أردت تخيل ما كان خاشقجي يكافح من أجله راقب الفيديو البارع الذي غطى مؤتمر مبادرة استثمار المستقبل في الرياض هذا الأسبوع، فقد كان الجمهور المأسور، إذا جاز التعبير: فحصل (أم بي أس)، كما يعرف محمد بن سلمان، على تصفيق صاخب وطويل يوم الأربعاء عندما شجب عملية قتل خاشقجي، ووعد بالتعاون مع
تركيا".
ويشير إغناطيوس إلى تقرير يفيض عاطفية في صحيفة "عرب نيوز" في الرياض، الذي مدح فيه "حرب" ابن سلمان للتحديث، الذي "يعيد الشرق الأوسط لتاريخه المجيد"، واقتبس التقرير كلام ولي العهد: "أؤمن بأوروبا جديدة في الشرق الأوسط".
ويعلق الكاتب قائلا: "من لا يحب رؤية (أم بي أس) لعالم عربي حديث مثل أوروبا، في سلام مع جيرانه، بمن فيهم إسرائيل؟ لكن لا يبدو أن ولي العهد يدرك أن وجود أوروبا موحدة وتنعم بالسلام أمر ممكن فقط لأنه كانت لديها ثقافة مشتركة من الحرية والتسامح، ولم يقتل الصحافيون المشاكسون في أوروبا، ولم يأمر قادتها بترحيل قسري للمعارضين، كما فعل (أم بي أس) مع خاشقجي في تموز/ يوليو، بحسب مسؤول أمريكي".
ويلفت إغناطيوس إلى أن هناك مخاوف من أنه سينظر لخاشقجي على أنه مخلوق غربي وليس صوتا سعوديا أصيلا، مؤكدا أن "هذه النظرة مخطئة بالكامل لأن خاشقجي كان جزءا من التقاليد الصحافية العربية ذات التاريخ الطويل والشجاع، وهو آخر الشهداء العرب من أجل حرية التعبير، ولم يكن الأول، وقد قابلت الكثير من الأبطال الذين يشبهونه وعلى مدى الـ 40 عاما الماضية ممن شاركوا خاشقجي الرؤية".
ويشير الكاتب إلى الصحافي الفلسطيني الذي يقول إنه "ربما لم تكونوا سمعتم به"، وهو توفيق مشلاوي، "الذي كان زميلي في بيروت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وكان يقوم كل صباح بجمع المعلومات عن المنطقة، ويقدم لها تلخيصا غير متحيز في (ميدل إيست ريبورتر)، وكان حلمه كما قال لي ذات مرة هو أن ينشئ خدمة إخبارية بمعايير (أسوشيتد برس) و(رويترز)، ومات مشلاوي عام 2002، لكنه درب جيلا من المراسلين، بمن فيهم مراسلة (واشنطن بوست) الحربية نورا بستاني، التي تدرس
الصحافة الآن في الجامعة الأمريكية في بيروت".
ويقول إغناطيوس إن "الصحافيين اللبنانيين خاطروا في حياتهم لمواجهة سوريا التي احتلت بلدهم لجيل كامل، فاغتيل سمير قصير، المعلق الذي لا يعرف الخوف لصحيفة النهار في حزيران/ يونيو 2005، أما ماري شدياق، فمقدمة البرامج التلفزيونية فشوهتها قنبلة مفخخة في سيارة في أيلول/ سبتمبر 2005، ولا تزال حملتها من أجل حرية الصحافة، واغتيل محرر (النهار) جبران تويني في كانون الأول/ ديسمبر 2005".
وشارك الكاتب في احتفال أقيم في ذكراه بعد عام، واستشهد بكلمات كتبها والده، وهو غسان تويني، قبل شهر من مقتل ابنه، قائلا: "بالنسبة لنا الصحافة الحقيقية هي الديمقراطية والحرية، وهي المنبر الذي يمكن للرأي العام التعبير فيه عن نفسه، وهي أداة فعالة للتغيير"، مشيرا إلى أن الصحافيين الأتراك قاتلوا من أجل الحلم ذاته، مثل المحرر السابق لصحيفة "جمهوريت" تشان داندار، الذي اتهم عام 2015 بعد نشره تقريرا قال فيه أن تركيا قدمت أسلحة للجهاديين، وفر إلى ألمانيا.
ويعلق إغناطيوس قائلا إنه "من الغريب أن يقدم رجب طيب
أردوغان نفسه على أنه مدافع عن الصحافة وجمال خاشقجي، مع أن حكومته سجنت أكبر عدد من الصحافيين في العالم".
ويقول الكاتب إن "الحنين لدى السعوديين للنقاش مشترك، فقد تم عزل حسين شبشكي من صحيفة (عكاظ) عام 2003، بعدما كتب عمودا حلم فيه بسعودية حديثة تستطيع ابنته فيها قيادة السيارة، وتنشر الميزانية، وينتخب الحكام".
ويختم إغناطيوس مقاله بالقول: "من يريدون سعودية حديثة ومزدهرة عليهم البناء على إرث خاشقجي، فبلد لا يمكنه التسامح مع النقد لن يكون كما ورد في شعار لمؤتمر هذا الأسبوع في الرياض (خطة طريق للمستقبل والحضارة)، وربما كان ذلك هدية خاشقجي في مماته، فرصة للحداثيين السعوديين لأن يبدأوا من جديد دون زخارف للمستبدين".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا