مقالات مختارة

ترمب وخزائن الأمة

1300x600

لقد جاء ترمب على موعد مدروس واستراتيجي في لحظة تاريخية مواتية لينجز ما يتطلبه الموقف الأمريكي من العرب، بعد أن حبكت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مؤامرة الفوضى في المنطقة بإتقان، وزرعت المخاوف والهواجس لدى جميع الأطراف، وأصبحت الحرب أو السلام عناوين للعملية الأمريكية التي لا تتقن إلا صناعة المشكلات والاستثمار فيها.


وفجأة ها نحن نكتشف طريقة “حلب” الأمريكان لثرواتنا، والذي لا يقال هو أكثر خطورة وبشاعة عما يقال. وهنا نكتشف كم كنا مستغفلين منهوبين منكوبين في ثرواتنا، ليس فقط كيفية تحكم الأجانب في أسعارها، بل في كيفية سيطرة الأجانب على أثمانها بحجج عديدة.


ما فعله ترمب في الأيام السابقة ليس نزوة رجل مال ولا غطرسة شخصية منه أبدا؛ هو يتصرف بشكل منطقي وعلمي تماما؛ فبعد أن خرج حكام العرب تماما من المواجهة مع العدو الصهيوني ووجهوا إلى جبهة أخرى بعد أن اختير لهم عدو من بينهم، فخاضوا الحروب قاسية فيما بينهم وضيعوا العراق وكادوا يضيعون سوريا بعد أن أرهقوا السودان وجزؤوها، وهتكوا حرمة الدولة في الصومال ومزقوها، وشتتوا ليبيا وبددوا الآمال في إمكانية عودتها موحدة. في مثل هذا المناخ هل هناك ما يمنع أن تنهب الإدارة الأمريكية الثروات؟ تبدأ بوضع اليد على تريليونات الدولارات المودعة في البنوك الأمريكية والسيطرة على مخزونات الذهب في المستودعات الأمريكية وتحديد كميات النفط وأسعارها حسب ما يناسب الاقتصاد الأمريكي.


انصرف الكثيرون إلى لهجة ترمب الفاضحة والى أسلوبه الهزلي في الحديث عن الحلب والأموال وعن بلاد العرب، ولم يلتفت أحد إلى طبيعة التطورات الحاصلة في المنطقة، وهل ترمب يعتبر خارج سياق تطورها، أم إنه هو خير من يمثل الموقف الأمريكي في هذه المرحلة؟


هناك عشرات القضايا التي يمكن أن يفتح ملفاتها ترمب ضد المملكة العربية السعودية من تفجير البرجين إلى حقوق الإنسان إلى مسائل أخرى بعناوين أخرى لها علاقة بالأمن الإقليمي. وبالمنطق نفسه هو يتعامل مع الجميع، فهو ليس مقيدا بأي ميثاق أو عرف إلا مصلحة أمريكا، فهو سيوقف كل المساعدات التي كانت تدفعها الولايات المتحدة الأمريكية لأجهزة أمنية هنا وهناك، ولحكام هنا وهناك، وكل ذلك سيعود على الخزينة الأمريكية بالفائدة، وسيؤثر على نسبة البطالة تخفيضا وعلى الضريبة تناقصا، الأمر الذي يسير في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي المهدد بالكساد العظيم.


إن خلق فزاعة لدول الخليج وتوجيه أنظارها نحو إيران، يعني بكل وضوح أنه لن يسمح بحل المشكلات بين إيران ودول الخليج وسيحرك أصدقاءه وعملاءه في توتير العلاقات، مستغلا الجهل بالسياسة والعلاقات فيشعل الحرب في المنطقة، تلك الحرب التي ستقضي على الأخضر واليابس وتأكل أموال العرب، ليس هذا فقط، إنما تسير ببلاد العرب نحو التمزق والتشتت وتكون وفرت على نفسها أموالا فائقة كان يمكن إنفاقها في الحرب ضد إيران.


تعمل الإدارة الأمريكية الحالية على استنزاف ثروات العرب والمسلمين بأيد عربية وإسلامية، ولا تفعل أكثر من تحريك الفتن بينهم. وهي الآن قد طوت صفحة الدعم للعملاء أو الأصدقاء أو الحلفاء وجاءت مرحلة يصدق فيه المثل الشعبي: “من دقنه افتل له قيد”.


فهل يدرك الحكام أن القادم سيئ وأن الفخ قد نصب للجميع، فمن يستطيع إيقاف المهزلة والهوان والتبعية لإرادة المستعمر الأجنبي.؟ سؤال لا إجابة له إلا عند الحكام العرب والتاريخ يسجل ويكتب بدمنا ومعاناة شعوبنا.. تولانا الله برحمته.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية