أثارت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي أسئلة كثيرة تتعلق بالسياسة الخارجية لبلده والتغييرات التي يمكن أن يحدثها خلال فترة ولايته، لا سيما فيما يتعلق بشركائه الرئيسيين في المنطقة، مثل السعودية.
تخضع باكستان لضغوط اقتصادية شديدة، حيث يتعين على الحكومة التعامل مع عجز كبير في الموازنة العامة. وهي تدين بنحو تريليون روبية كدين مدوّر، وعجز أكثر من تريليوني روبية. خسرت الروبية الباكستانية منذ بداية هذا العام حوالي 20 في المائة من قيمتها، كما لقد تحوّلت سوق الأسهم من كونها الأفضل أداء في آسيا، إلى الأسوأ في العالم.
في هذا السياق، هناك قضيتان ملحتان تواجهان الحكومة الجديدة. في الأشهر القليلة المقبلة، من المقرر أن تنتهي سندات الخزانة التي تبلغ قيمتها نحو أربعة تريليونات روبية، علاوة على ذلك، في غضون الأشهر الـ 12 المقبلة، تكون ملزمة بدفع حوالي 8 بليون دولار في خدمة الديون الخارجية.
بعد أن أعلنت الحكومة أنها تقترض ملياري دولار من الصين، تحسن سعر الروبية مقابل الدولار من 130 إلى 122. وقد اقترضت باكستان ما يصل إلى 7 مليارات دولار من الصين على مدار العامين الماضيين.
إذا لم تعثر باكستان على مقرض بديل، فستضطر إلى العودة إلى صندوق النقد الدولي من أجل خطة الإنقاذ الرابعة عشر منذ الثمانينيات. المبلغ التقديري اللازم لتخفيف الوضع الاقتصادي هو 12 مليار دولار على الأقل.
ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي الأخير، من المتوقع أن ترتفع احتياجات التمويل الخارجي لباكستان من 21.5 مليار دولار (7.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2017 إلى 45 مليار دولار (9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول عام 2023.
ليس من المستغرب إذن، أن يقوم عمران خان بأول رحلة خارجية له كرئيس للوزراء إلى السعودية. على الرغم من أنّه أصبح من المعتاد أن يذهب القادة الباكستانيون إلى هناك، مبتدئين بزيارة الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يمكن الحصول من خلال هذه الزيارة على الشرعية الدينية التي تلزم لقيادة بلد كباكستان.
بعد الانتهاء من العمرة، استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان خان في جدة، وضمّ الوفد المرافق لرئيس الوزراء وزراء المالية والخارجية، وهو ما يعكس نواياه في طلب مساعدة اقتصادية سعودية.
يعلم عمران خان -بالطبع- أنّ الهند تعمل بجد على تحسين علاقاتها مع السعودية لدوافع اقتصادية واستراتيجية، وهو يريد أن يخبر السعوديين بأنّ باكستان يمكن أن تساعدهم في كسب المزيد من المال، وليست مجرد عبء على كواهلهم، ولذا فقد عبّر عن حماسته لاستراتيجية الأمير محمد بن سلمان "السعودية 2030"، ودعا الرياض إلى الاستثمار في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، الذي يمثّل فرصة كبيرة في هذا المجال.
على الصعيد السياسي، بالرغم من أن باكستان لم تؤيد الحصار السعودي على قطر، وهو الأمر الذي أزعج السعوديين، فقد دعمت المملكة ضد كندا بسبب انتقادها حقوق الإنسان في المملكة، واعتبرت ذلك مخالفا للقوانين الدولية، التي تنص على عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول.
كما أشاد خان بالملك على رعايته للأماكن المقدسة وإدارة آخر موسم للحج، وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة للسعودية، مع تزايد الانتقادات لتسييسها المفترض للحج وسوء إدارته. وباكستان باعتبارها واحدة من أكبر الدول الإسلامية، فإن مصادقتها على الأداء السعودي في هذا المجال والثناء عليه، لا يترك مجالا لمنازعة السعودية بالولاية على الأماكن المقدسة، أو إدارتها. كما أشار رئيس الوزراء الباكستاني بشكل عابر إلى فلسطين وكشمير، وهو ما يعكس مكان هذه القضايا في قائمة أولوياته.
على الجانب الآخر، فالسعودية لديها ثروة كبيرة ولكن قدرات عسكرية غير كافية، لذلك اضطرت إلى الاعتماد على التحالفات الإقليمية والدولية، لحماية نفسها، وباكستان طالما قدّمت المساعدة المطلوبة في هذا المجال، من المرجح أن تطلب الرياض من باكستان التوافق التام مع سياساتها، مستفيدة من الوضع الاقتصادي السيئ في إسلام أباد لإجبارها على ضمان الدعم العسكري الكامل ضد إيران، إذا لزم الأمر. المنطق السعودي في هذا الصدد بسيط للغاية: "من ليس معي هو ضدي".
رغم ذلك، فباكستان لا ترغب بتوريط جيشها في حرب مدمرة مع إيران، ويبدو أنها أوصلت الرسالة إلى السعوديين بوضوح.
باكستان ستتدخل فقط في حالة الهجوم المباشر من جانب إيران على السعودية؛ ومثل هذا الهجوم لا يمكن تصوره في الوقت الراهن. كما أنّ باكستان جزءٌ من تحالف سعودي- أمريكي- إسرائيلي ضد إيران، كما تقترح الرياض، ولن تتورط في حرب يمكن أن تدمر جيشها، بينما هي في جبهة طويلة مفتوحة مع الهند، التي تزيد بستة أضعاف عن باكستان.
لا يختلف موقف عمران خان من إيران كثيرا عن موقف أسلافه، فهو يرى أنّ العلاقة حيوية للحفاظ على أمن باكستان، بسبب الأقلية الشيعية في بلاده التي يمكن أن تثير الكثير من القلاقل إن ساءت العلاقة مع إيران.
علاوة على ذلك، فهو يرى أنّ العلاقة مع طهران ينبغي أن تستند إلى التعاون وليس العداء، خاصة أنّ حملته الانتخابية دعت إلى إصلاح الوضع الداخلي في بلده، وسيكون من المستحيل تحقيق الاستقرار دون ترقية الوضع الاقتصادي لعامة الناس؛ والتوافق مع الجيران أمر ضروري في هذه العملية.
من غير المتصور أن يتعامل خان مع كل هذه المشاكل وأن يدخل في نزاع مع إيران لصالح السعودية أو غيرها، ونتذكر عندما طلبت السعودية والإمارات من باكستان إرسال جيشها للقتال مع التحالف في اليمن، رفض البرلمان الطلب، مما أدى إلى التوتر مع الرياض وأبو ظبي، وتحت الضغط، أقنعت حكومة نواز شريف الجيش بإرسال قوات في مهمات غير قتالية في عام 2016، دون موافقة أو علم البرلمان، حينها.
من المهم أن ندرك أنّ العلاقات الدولية في باكستان يهيمن عليها الجيش، إذ إنّه الحاكم الفعلي للدولة، ورئيس الوزراء خان، كأسلافه، لا يمكن أن يحكم وفقا لبرامجه ورؤيته فحسب.
إذن، كيف سيوازن عمران خان علاقته مع الخليج، وخاصة السعودية وإيران؟ كلا البلدين مهمان بالنسبة لباكستان؛ لذلك فهو بحاجة إلى مقاربة ذكية، وما يبدو أنّ عمران خان والجيش اختارا موقفا زلقا يتغطى بالمبادئ الأخلاقية والدينية لتجنب الضغط السعودي، وأعلن أنّ باكستان تود أن تؤدي دورا في الإصلاح بين المسلمين، وقال إنه يشعر بالحزن بسبب الاقتتال الإسلامي وسفك الدماء، مستشهدا بأمثلة كليبيا وسوريا واليمن.
على الرغم من أن الرياض ستفشل على الأرجح في جرّ باكستان إلى حيث تريد، فإنّ هذا الوضع -على الأرجح- لن يؤدي إلى قطيعة بين الجانبين، لأن المصالح السعودية مع باكستان أكبر من خلاف وقتي.
ومع ذلك، يمكن أن يكون له تأثير سلبي على دفء العلاقة بينهما، حيث يمكن أن تحدّ الرياض من دعمها المالي لإسلام أباد، وتبقي على دعم شكلي للحفاظ على استمرار العلاقة التي تمنع باكستان من الانزلاق نحو إيران، وذلك لن يساعد على تحقيق نوع من الانتعاش الحقيقي للاقتصاد الباكستاني، كما يرجو عمران خان
ترجمة حاصة لـ"عربي21" عن موقع ميدل إيست مونتير