هاجم أبو محمد المقدسي، أحد أبرز منظري السلفية الجهادية، مجددا الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، واصفا إياه بـ"الطاغوت"، وأنه "يعلنها صراحة علمانية صريحة لا تسمح للإسلام بحكم ولا هيمنة ولا تشريع".
وأضاف المقدسي في كلمة مكتوبة له بعنوان "التبصر بأردوغان بعد فوات الأوان"، نشرتها مؤخرا حسابات جهادية على تيليجرام، محذرا فصائل الثورة السورية من الاغترار بالرئيس التركي أردوغان لتلاوته "آيات من القرآن في مناسبات، أو الاغترار بما يروج له المنبهرون به من دعوى خروجه عن إملاءات الغرب وسيادتهم، مع أنه وجيشه وقواعده ما زالوا ضمن منظومة الأعداء والناتو..".
ووجه المقدسي حديثه للفصائل السورية المعارضة التي عولت كثيرا على الموقف التركي، في إشارة منه لهيئة تحرير الشام ومن يؤيدها من منظري السلفية الجهادية، مؤكدا أنه "لا حاجة لنا بصدمات وخيبة أمل بأردوغان ووعوده لكي نعرف حقيقة أنه علماني يعارض ويهين التوحيد، ولن ينصر جهادنا، ولن يسعى لتحكيم شريعتنا، ولا يعنيه رفع رايتنا، بعد فوات الأوان وذهابه بالإبل" على حد قوله.
ويُذكر أن المقدسي وصف الرئيس التركي في رسالة سابقة له بأنه "رجل علماني، وإن خالف العلمانيين الأتاتوركيين، فإنما يخالفهم في تفسير العلمانية فقط، ولا يتبرأ من العلمانية، بل يفسرها تفسيرا ممدوحا عنده يظنه حسنا، وهو تفسير باطل لا يخرج عن إطار العلمانية المكفرَّة، إذ يفسرها بفصل الدين عن الدولة، وترك من شاء أن يتدين وشأنه، ومثله من شاء أن يتزندق".
وأضاف في رسالته المسماة (الأجوبة الزكية على الأسئلة التركية): "وهذا التفسير الذي استحسنه هذا الرجل ويروج إليه ليس من الإسلام في شيء، فدين الإسلام لا يجيز الإلحاد والإشراك بالله، ولا يقره، ولا يفصل بين السياسة والدين، بل ذلك كله مناقض للإسلام، وهو من أبواب الكفر الصريح".
وتتلاقى كلمة منظري السلفية الجهادية ورموزها على تكفير الرئيس التركي والتشكيك في مواقفه ووعوده بشأن الثورة السورية، فقد وصفه أبو قتادة الفلسطيني، أحد أشهر فقهاء السلفية الجهادية ومنظريها، بأنه "ليس من الإسلام في شيء"؛ لأن "منهج أردوغان يقف اليوم وغدا وبعد ألف سنة إلى الدولة العلمانية، فهذا ما يؤمن به".
وقال أبو قتادة في وقت سابق: "فمتابعة الكافرين في دينهم ولو قليلا، ولو لبعض ما في دينهم، هو نقض لأصل الدين، وأردوغان يوافق أهل الإسلام في أمور أكثر من غيره من حكام المسلمين المرتدين ولا شك، لكنه يوافق المشركين في بعض دينهم، فهذا وإن جعله أقل كفرا منهم، لكن لا يخرجه من دائرة الكفر كما هو حكم الله تعالى".
من جهته، أوضح الداعية السلفي المغربي، الحسن بن علي الكتاني، أن "كثيرا من الجهاديين يؤاخذون أردوغان على تصريحاته بأنه علماني، ونصحه للرئيس المصري محمد مرسي باتخاذ العلمانية منهجا، فيقولون هو شهد على نفسه وأقر بالعلمانية، كذلك فإن حزبه يصرح بأنه ليس حزبا إسلاميا، وليس من مشروعه تطبيق الشريعة الإسلامية".
وأردف قائلا لـ"عربي21": "لكن مؤيدي أردوغان من الإسلاميين يرون غير ذلك، ويرون أن الرجل يعمل ضمن النطاق المتاح له، ويشبهونه بالنجاشي الذي كان مسلما ولم يستطع تطبيق الشريعة، ويحتجون على ذلك بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في الموضوع ذاته، وأن أردوغان قرب الأتراك للإسلام بشكل كبير"، لافتا إلى أن "التكفير صعب"، وأنه يميل للرأي الأخير.
وانتقد الداعية الجهادي السوري، المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، عبد الرزاق المهدي، في حديثه لـ"عربي21"، من يكفرون الرئيس التركي أردوغان، مرجعا "سبب تكفيرهم له إلى قلة علم، أو غباء وحماقة، أو عمالة لدولة تبغض أردوغان، ولا يوجد سبب رابع"، بحسب عبارته.
من جانبه، بيّن الأكاديمي الشرعي اليمني، عضو هيئة التدريس بجامعة حضرموت باليمن، الدكتور رياض بن عبدات، أن "الحكم بتكفير المعين لفعل صدر منه أو قول قاله، دون إدراك حاله ضرب، من الافتئات على الله، إذ قد يكون الشخص متأولا أو جاهلا ونحو ذلك، كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وسجود معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام".
وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فإن قيل في هاتين الصورتين بالكفر يقال في موقف أردوغان من العلمانية، فالأول ممتنع والثاني كذلك"، مضيفا: "أما حكم أردوغان لدولة علمانية فهو مساغ شرعا؛ إذ ولي يوسف عليه السلام ولاية في دولة كافرة، دفعا لسوء وأملا في جلب خير، فكيف بما يفعله أردوغان من خير متعد للأمة المسلمة كلها"؟.
ووصف ما يقوم به أردوغان بأنه "اجتهاد في إقامة دولة الواجب التي لا يمكن أن تقام دفعة واحدة، وهو حال الدولة المسلمة الأولى، وقصة بقاء الأصنام في الكعبة سنة بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة، ولم يكن سكوت النبي على الأصنام إقرارا بها، وكذلك القول في العلمانية وحكم أردوغان".
وعن الانتقادات الموجهة لأردوغان بخصوص مواقفه من الثورة السورية، قال عبدات: "موقف أردوغان من الثورة السورية موقف مبارك ولا يعد خذلانا؛ فقد ناصرهم ودفع الضرر عنهم وآواهم، والأمر تحكمه عهود ومواثيق، وقصة الحديبية وما اعتمدته من بنود لو قيل فيها بالكفر لقيل في موقف أردوغان، ومثله موقف انسحاب خالد بن الوليد في مؤتة، وحفظه الجيش المسلم، فإن حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود".
ووفقا للأكاديمي الشرعي اليمني عبدات، فإن "واقع حال الرئيس التركي أردوغان يفيد باجتهاده في مناصرة السوريين، وحرصه على حفظ موجودهم، وتحصيل مفقودهم".
وأنهى حديثه بالتأكيد على أن "الحكم على الأفعال الكفرية الأصلية لا يجوز كون أصل الإسلام لا يدفع بشك الكفر الذي يعتريه الاحتمال، فكيف بهذه الأفعال التي لم تكن أصلا من المكفرات، فإن جعلها تكأة للتكفير، فهو لا يعتمد الشرع، ولا يحتكم للعقل، بل يحكم بجهالة متمددة في الشيطنة".