يثير التأخر الملموس في التقدم بعملية رفع الحصار الخانق عن قطاع غزة، و التي مرت مرحلتها الأولى بنجاح معين، و هو وقف البالونات الحارقة و اختراق السياج الفاصل، في مقابل التوسع المحدود في الحركة على المعابر و توسيع منطقة الصيد، وكان من المفترض أن تستمر باتجاه حل مشكلة الكهرباء والرواتب مشاريع تشغيلية أخرى، أثار هذا التأخير جملة من التساؤلات. ما هي أسباب التأخير؟ و هل يتلخص الأمر بالرئيس أبو مازن و موقفه القاضي بالتمكين أولا ثم التخفيف عن غزة ثانيا ؟
لقد كانت مصلحة الأطراف واضحة تماما و قوية بما فيه الكفاية لتجاوز الموقف الأصلي و المعلن لأبي مازن، فلقد تم فعلا وقف النار مقابل تسهيلات محدودة ووعود بتوسيعها، أما الاستمرار في التقدم في بقية مراحل الترتيبات فإن مصالح الأطراف فيها أقل، بل قد تتوافق مع مصلحة أبي مازن في التعطيل الكامل، و يستثنى من ذلك مصلحة الشعب الفلسطيني في غزة و القاضية بضرورة الاستمرار في عملية فك الحصار عن قطاع غزة .
فحكومة الاحتلال -على سبيل المثال- وهي اللاعب المركزي الأهم في مسألة الترتيبات أو الاتفاق، تخضع لضغوطات كبيرة داخلية تجعل من مصلحتها التباطؤ و تأخير التقدم في عملية التخفيف عن غزة، خاصة وأنها أزالت عن كاهلها الخطر الأول و المباشر من خلال وقف النار مع غزة، فاليمين الاستيطاني برئاسة الوزير بينيت نجح إلى حد ما باستغلال ضغوطات عائلات الجنود المحتجزين في غزة و المطالبة بربط أي تقدم بإعادة الجنود، من أجل تعزيز موقفه (الملتقي والمتوافق تكتيكيا) مع موقف الرئيس أبي مازن و الرافض و المعطل لأي تقدم إضافي مع قطاع غزة ، مع الإشارة إلى احتمالية تغير هذا الموقف في حالة حصول تقدم في عملية تبادل الأسرى، و هذا ما يبدو مصلحة لنتنياهو و إن جزئيا في هذه المرحلة .
أما المصريون فخيارهم المفضل هو تقديم خيار أبي مازن في غزة على أي خيار آخر، فهو الرئيس الشرعي في نظر الجميع وعلى رأسهم أمريكا و إسرائيل، وهو الشريك الحقيقي أمنيا لكل أطراف الإقليم و العالم . و هو الأقرب إليهم سياسيا و فكريا من حركة حماس التي و رغم مرونتها ما زال يلاحقها ظل علاقتها (الفكرية) بحركة الإخوان المسلمين المصرية .
ولكن على الأرجح لن يكون ذلك إلى درجة المس بمصلحة الإقليم القاضية بعدم اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وغزة، و التي تمر بالضرورة بعلاقة اضطرارية مع حركة حماس في قطاع غزة .
قد يبدو للناظر للأمور بشكل سطحي أن أبا مازن ومن كثرة ما هدد وتوعد قد نجح وحده في وقف (مؤامرة دولية) لتخفيف حصاره وحصار إسرائيل على قطاع غزة، و لكن الناظر للأمور بشكل أكثر عمقا يجد أن مصلحته قد توافقت مرحليا مع مصلحة (حيتان الإقليم)، وقد يزول الارتباك على الأرجح عندما تتغير مصالح أولئك الحيتان دون تغير (موقف أبي مازن -على الأرجح- في التعطيل) و ذلك مع بوادر أول تصعيد واسع على شكل تبادل للضربات و اللكمات بين المقاومة و الاحتلال، و قد بدأت هذه العملية في مسيرة العودة الأخيرة .