سياسة عربية

ما سر توحّد الليبراليين والسلفيين على مهاجمة القرضاوي؟

القرضاوي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع مفتي المملكة الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز- جيتي

أثارت الهجمة التي شنها التياران الليبرالي والسلفي المؤيد للسلطات السعودية، على رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، بعد تغريدته عن الحج، تساؤلات بشأن الأسباب الحقيقية وراءها، واتفاق تيارين متناقضين على شنها في وقت واحد.

ووفقا لآراء العلماء فإن تغريدة القرضاوي التي أشار فيها إلى أن "الله ليس له حاجة في الحج"، تخلو من أي مخالفة في مضمونها أو شكلها، مشددين على أن الهجمة مفتعلة، لأغراض بعيدة عن النواحي الشرعية الواردة في رأيه.

 



ودرّست كتب القرضاوي في المملكة لسنوات وحصل على جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية عام 1994.

ويرى مراقبون أن التيارات المرتبطة بالسعودية سواء الدينية منها أو الليبرالية تتصدر الهجوم على القرضاوي على خلفية الأزمة مع قطر وتسعى لشيطنة كافة الآراء الصادرة عنه لأغراض سياسية بحتة.

الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد قال إن الحملة ليست بالجديدة وسبق "لبعض مدوني تويتر وذبابه من السعوديين شن حملة شتائم وكراهية على الشيخ".

وأوضح ابن سعيّد لـ"عربي21" أن تغريدة الحج جاءت فقط لتشعل الحملة من جديد والتي بدت منسقة وموجهة" مضيفاً أن "الذي جرى هو استغلال التغريدة فقط، مع أنها صادقة في مضمونها، ولا يختلف عليها المسلمون، فضلاً عن أن عباراتها مأخوذة بنصّها من خطبة للشيخ في التسعينيات من القرن الماضي"، مشدّداً على أن الحملة "تسعى إلى شيطنة الشيخ، وربط التغريدة بالخلاف مع قطر، وليس الرغبة في الوصول إلى المعلومة".


ورأى ابن سعيّد أن المدرسة "السلفية التقليدية" في السعودية، لا ترتاح غالباً للقرضاوي، لأسباب "معقّدة منها أن التفكير السائد لدى المنتمين إلى هذه المدرسة يتّسم بالانغلاق والضحالة، إذ لا يرى إمكان وجود علماء دين حقيقيين أو "ربّانيين" خارج إطارها، ويقصر، في الغالب الأعم، أهل الفقه والعقيدة في رموزها".

وحول ما إذا كان الهجوم على القرضاوي شكلاً من أشكال الأزمة لدى الحركة السلفية السائدة في المملكة، فقد اتفق ابن سعيّد مع ذلك قائلاً إنها "أزمة عميقة جداً، والحركة بعمومها تجنح نحو التشدّد، رغم أنها ليست تياراً واحداً، لكنها تعتقد عموماً أنها الفرقة الناجية، وتستند إلى اسمها البرّاق لتبرير هذا الاعتقاد".

وأضاف: "في السنوات الأخيرة أصبح الصوت الأعلى لليمين السلفي المتطرف، وتوارت السلفية المعتدلة بسبب القمع، أو الخوف من القمع. يُطلق عادة على اليمين السلفي اسم (الجامية) نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي، الذي تصدّر أتباعه المشهد، وهم مجموعة من ملتحين مزيفين يمتازون بالجعجعة، ولا يختلفون كثيراً من حيث الدور والمآلات عن التيار الموسوم بالليبرالي، إلا في المظهر الخارجي ولغة الخطاب" وفق وصفه.

وأردف ابن سعيّد أن "اليمين السلفي" كما أسماه، ينطلق من "مركزية وليّ الأمر" في الدين حتى أصبح الحاكم "المصدر الرئيس للتشريع، فإذا رأى السلطان أن جماعة ما إرهابية، فالرأي ما رأى من غير تمحيص ولا مساءلة ولا ورَع، وإذا رأى أن التطبيع مع العدو الصهيوني أمر حكيم، فهو أدرى بالمصلحة، وإذا رأى دعم انقلاب عسكري في بلد آخر، فهو، حتماً، أراد بذلك الدفاع عن حياض العقيدة، ونصرة منهج السلف، بينما نلاحظ أن الطرف الآخر "الليبرالي" ينحاز إلى الانقلاب عينه، ولكن بمفردات مختلفة مثل خطورة "الإسلام السياسي"، و "الإرهاب"، وفي النهاية، لا فرق يُذكر بين الدعايتين" بحسب قوله.

من جانبه قال الدكتور عبد الخالق الشريف وهو أحد علماء الأزهر إن الهجمة التي شنها البعض على القرضاوي، ترجع لعدم تغير آرائه ومواقفه و"تلونها"، مع الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

وقال الشريف لـ"عربي21" إن الكثير من الرموز التي كان يشار إليها في السابق ومن كافة الاتجاهات والتيارات "تساقطت مع الأزمات الأخيرة، بسبب آرائها التي تصادمت مع إرادة الشعوب، على عكس ما حدث مع الشيخ القرضاوي، الذي بقيت آراؤه كما هي وبقي يحظى باحترام وتقدير جمهور واسع من الناس".

وأضاف: "بعض التيارات تقف وراءها دول تغذيها بالمال، وتدفع لها لتنفذ سياساتها، والحملة التي تسعى لشيطنة القرضاوي ورميه باتهامات باطلة دليل على تراجع شعبية هذه الجهات، وشعورها بفقدان التأثير على الناس".

وتابع: "نحن بالطبع لا نستطيع اتهام جميع علماء المملكة بالسير وفقا لأهواء الحكام، لأن كثيرا منهم في السجون ولا صوت لهم يمكن أن يسمع، لكن هناك بعض التيارات تلصق بنفسها صفات ليست من حقها وتنطق بغير دليل".

وأشار إلى أن الشعوب اليوم "لم يعد من السهل خداعها وحقيقة الجميع باتت معروفة، بعد كل الأحداث التي مرت بنا والناس تعرف الصادق من المتلون".