شهدت مصر في الآونة الأخيرة جرائم قتل أطفال ارتكبها آباء وأمهات لأطفالهم، ما يثير تساؤلات حول الأسباب التي جعلت من الأمر يتكرر مؤخرا، ويثير مخاوف من أن يصبح الأمر ظاهرة.
وبينما يحتفل المصريون بعيد الأضحى الثلاثاء، صُدم المصريون بواقعة اختفاء الطفلين "ريان"، و"محمد"، أثناء تواجدهما بصحبة والدهما في مدينة ملاهي بميت سلسيل بالمنصورة (الدلتا)، ليتم العثور عليهما غرقى ببحر فارسكور بدمياط.
اعترافات ثلاثة متناقضة للأب، أثارت الجدل، أولها خطف طفليه، وثانيها: قتلهما نتيجة خلاف بينه وبين تجار آثار، وأخيرا اعترافه بإلقائهما بأحد مجاري النيل.
والسبت، اعترفت أم لمباحث بالإسكندرية بقتل رضيعتها شنقا بمنزل الزوجية، مدعية أن حالة نفسية سيئة انتابتها فارتكبت الجريمة.
أما "محمد"، 5 سنوات، فلقى مصرعه وتم انقاذ "هاني"، 6 أشهر، بعد أن ألقتهما أمهما الشابة 24 سنة، السبت، ببحر اليوسفي في المنيا (الصعيد)، إثر خلافات زوجية.
وبداية آب/ أغسطس، قتل فران، نجله "محمد" 11 عاما، بتعذيبه حتى الموت بالإسماعيلية (شرق)، فيما نجت ابنتيه "أميرة" 12 عاما و"فاطمة" 6 أعوام من نفس المصير.
وفي تموز/ يوليو، ألقت أم 3 جثث مذبوحة ومتعفنة لأطفالها بعمر عام وحتى 5أعوام، بطريق المريوطية بالجيزة، بعد أن شب حريق بشقتها أثناء غيابها.
اقرأ أيضا: جريمة قتل مروعة لطفلين تهز مصر في ثالث أيام العيد
وفي الشهر ذاته، شهد مركز الزرقا، في دمياط (الدلتا) وضع أب حبوب سامة لأطفاله الأربعة، وذبح زوجته، ليتناول السم بعدها.
وبعدها بأيام وفي المحافظة ذاتها، قام أستاذ جامعي بتعذيب أولاده ما أدى لمصرع أحد أبنائه وإصابة آخرين.
وفي حزيران/ يونيو، وأثناء مباراة مصر وروسيا بمونديال 2018، قتل نجل الفنان المرسي أبوالعباس، زوجته وابنتيه ببولاق الدكرور في الجيزة.
وأوضحت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية، أن عام 2016 شهد مقتل 146 طفلا بسبب العنف، وأن 11 في المئة من الأطفال يتعرضون للاعتداء الجنسي الذي يتبعه إيذاءا نفسيا وبدنيا قد يتطور لقتل الضحية، فيما بينت الاحصائيات زيادة جرائم القتل الأسرية،التي بلغت 2890 عام 2014، ووصلت لـ 1182 عام 2017.
الدوافع النفسية
وحول الدوافع الاجتماعية والأسباب النفسية لهذه الجرائم، يرى أستاذ علم النفس، الدكتور حسين عبدالقادر، أنه "بجانب ضغوطات الحياة وإلقاء العبء عليها؛ إلا أن تفاقم الظاهرة يحتاج لدراسة علمية متعمقة".
من جهته، أكد أستاذ التحليل النفسي، لـ"عربي21"، أن هذا دور "المركز القومي للدراسات الاجتماعية والجنائية"، مشيرا إلى وجوب "التسليم بأن كل حالة من حالات قتل الآباء والأمهات لأبنائهم إنما هي حالة فردية".
ويرى الإعلامي والباحث السياسي، أحمد رشدي، "أن هناك عوامل عدة لهذه الظاهرة على رأسها غياب الوعي الديني والوازع الأخلاقي؛ خاصة بعد الحرب الشرسة التي يشنها العسكر على الدعاة وإغلاق العديد من مؤسسات التحفيظ والتربية خاصة بالأماكن الأشد فقرا".
وأشار رشدي في حديثه لـ"عربي21" أيضا إلى "غياب القدوة الصالحة وإيجاد نماذج ضارة وتلميعها إعلاميا من البلطجية والمنحرفين الذين يجسد الإعلام شخصياتهم ويلقبهم بألقاب تجذب نحوهم المشاهدين مثل (الأسطورة) ونحوه، وهو ما جعل الأخلاق السيئة أكثر قبولا بالمجتمع".
وأضاف: "كما أن الانفتاح على الجرائم البشعة بالمجتمعات غير المسلمة عبر وسائل التواصل أدى كذلك لاقتباس العديد من أخلاقهم وجرائمهم".
اقرأ أيضا: مصر تحيل راهبين للمحاكمة الجنائية بتهمة قتل رئيس دير
وقال: "ولعل العقل الجمعي للأمة تحول لحالة من (استسهال) العنف بصوره واعتباره الوسيلة الوحيدة لاسترداد الحقوق، فضلا عن الانتقام"، مضيفا: "هذا التغير الخطير بضمير وسلوك الأمة وعقلها الجمعي نتيجة للمذابح الكبرى التي مرت بمصر منذ الانقلاب والتي لا تزال تتكرر".
وبين أن "عنف الدولة وتشجيعها للعنف بدعم البلطجية وتعظيمهم بالإعلام أدى لتفشي حالة العنف المجتمعي إضافة لغياب الوازع الديني".
وانتقد الإعلامي المصري، التعاطي الإعلامي لهذه الأحداث قائلا: "نلاحظ فيه التضخيم والمبالغة بالحدث، ومن المعلوم أن التكرار يؤدي للألفة فيألف المجتمع سماع الجريمة حتى تبدو وكأنها سلوك مجتمعي عام"، مضيفا "والملاحظة الثانية أنه يذكر كل تفاصيل الجريمة وأبرز الأخطاء التي أدت للإمساك بالجاني ما يجعل الأمر أيسر لمن أراد أن يكررها".
وبيّن رشدي أن "التبرير أحيانا بذكر دوافع الجريمة دون التعليق المناسب لها يؤدي للتعاطف مع بعض المجرمين، وأنه وفي المقابل لا نسمع شيئا عن العقوبة أو الحكم بحق الجاني وهو ما يُشعر المجتمع بأن الجريمة على ضخامتها بلا عقوبة".
"فشل زواجي"
وتعتقد الكاتبة المتخصصة بشؤون الأسرة، فاطمة عبدالرؤوف، أنه "لا يمكن تفسير الجرائم الوحشية بحق هؤلاء الصغار إلا بخلل نفسي حاد للوالد أو الوالدة مرتكبي الجريمة، ولكن يمكن للظروف الاجتماعية والاقتصادية أن تكون ساهمت بشكل أو بآخر بالتحفيز للجريمة".
اقرأ أيضا: بعد واقعة "أطفال التهريب".. ما حقيقة تنمية صعيد مصر؟
وأضافت عبد الرؤوف لـ"عربي21"، أنه "غالبا ما يعاني من ارتكب الجريمة من فشل زواجي لأسباب عدة يأتي على رأسها مرض نفسي حاد سابق لزواجه، وإنجابه، ولكنه لا يعترف به أو لا يتعرف عليه".
وأضافت: "ثم تأتي المنظومة القيمية المنهارة التي حولت الزواج لمشروع بائس خاصة مع الغلاء المستشري الذي جعل الكثيرين بطريقهم للمرض النفسي فعلا وضغطت على المرضى بحيث أصبح مزاجهم العسر خارج عن نطاق السيطرة".
وقالت أيضا إنه "لا يمكن إغفال غياب المؤسسات التربوية والدينية الفاعلة التي تساعد بالتخفيف من حالات الاحتقان وتقديم إرشادات تخفف حالات الضغط والاحتقان التي يعانيها الكثيرون والتي تتفاعل بشكل بالغ السوء مع قطاع المرضى النفسيين ممن يعانون من الاكتئاب الحاد والوساوس المرضية، وتكون النتيجة مثل هذه الجرائم البشعة التي تتناقض مع الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية".