صحافة دولية

ناشونال جيوغرافيك: العثور على بقايا طفلة ولدت قبل 90 ألف عام

العثور على بقايا لإنسان قبل 90 ألف عام - ناشونال جيوغرافيك

نشرت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" تقريرا للصحافية العلمية مايا وي هاس، تقول فيه إن عالمة الجينات التاريخية فيفيان سلون، لم تصدق النتيجة عندما ظهرت وسألت نفسها "ما الخطأ الذي حصل؟"، وتحول دماغها مباشرة للتحليل، هل وقعت في خطأ؟ هل يمكن للعينة أن تكون قد تلوثت؟

 

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن البيانات تشير إلى أن عينة العظم التي فحصتها، التي يقدر عمرها بتسعين ألف عام، كانت لمراهقة من أم من صنف الإنسان النياندرتالي، وأب من صنف إنسان دينيوسوفا، مشيرا إلى أنه لطالما كانت لدى الباحثين شكوك بوجود تزاوج بين الصنفين من البشر، حيث وجدوا آثارا لجيناتهم في قائمة الجينات البشرية القديمة والحديثة، لكن لم يكتشف أحد قبل ذلك مواليد مباشرين ناتجين عن مثل هذا التزاوج. 

 

وتقول الكاتبة إن سلون، التي تعمل في أبحاث ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك في ليبزيغ، قامت بأخذ عينة من مكان آخر من العظمة، فحصلت على النتيجة ذاتها، فكررت الفحص، وبعد أن قامت بإجراء الفحص على ست عينات حصلت على النتيجة ذاتها؛ واحتوت العظمة على كمية متساوية تقريبا من الحمض النووي من كل من الإنسان النياندرتالي وإنسان دينيسوفا.

 

وتبين المجلة أن هذا الاكتشاف المتميز، الذي تم نشره في مجلة "نيتشر" هذا الأسبوع، يشكل الدليل الأكيد الأول لوجود ذرية ناتجة عن التزاوج بين هذين الصنفين من المخلوقات القديمة، ويساعد على صياغة فهمنا للتفاعلات بين الفصائل الأدنى من البشر.

وينقل التقرير عن عالم الجينات في جامعة هارفارد ديفيد ريخ، قوله: "من المدهش حقا أن تجد شيئا كهذا.. وكان الأمر يبدو غير محتمل أن نحصل على دليل على ذلك، شخص كان في الواقع يشكل الجيل الهجين الأول". 

 

وتتساءل وي هاس: "من كانت هذه الطفلة التاريخية، وماذا يعني المتحجر الذي تشكل منه فهمنا للرحلة البشرية؟".

 

من هو إنسان دينيسوفا؟

 

وتلفت المجلة إلى أن إنسان دينيسوفا يعد اكتشافا حديثا أضيف إلى شجرة العائلة البشرية، التي لا تزال غامضة إلى حد بعيد، ففي عام 2010 أعلن فريق دولي يقوده سفانتي بابو من معهد ماكس بلانك لعلم الأنثروبولوجيا التطورية، بأنهم اكتشفوا وجود حمض نووي شبه بشري غير عادي في عظمة خنصر، وفي ضرس عقل، وجدا في كهف دينيسوفا في جبال ألتاني في سيبيريا، وقام العلماء بتسمية هذا الصنف من أشباه البشر بإنسان دينيسوفا، نسبة إلى الكهف الذي وجدت فيه العظمة والضرس.  

 

وينوه التقرير إلى أن الدراسات بعد ذلك بينت أن إنسان دينيسوفا هو عبارة عن مجموعة أخت للإنسان النياندرتالي، انقسمت عن سلف مشترك قبل 390 ألف عام، وقد يكون عاش هذا الصنف حتى قبل 40 ألف سنة، وهو تقريبا الوقت ذاته الذي بدأ فيه الإنسان النياندرتالي في الانقراض. 

 

وتستدرك الكاتبة قائلة: "لكن تبقى أسئلة كثيرة، كيف كانت أشكالهم؟ وكم كانت أعدادهم؟ هل عاشوا فقط في محيط ذلك الكهف السيبيري؟ فالمشكلة أن بقايا إنسان دينيسوفا نادرة جدا، وكل ما يعرف عنهم العلماء تم استخراجه من آثار قليلة، ثلاثة أسنان وعظمة خنصر، تعود لأربعة أشخاص من إنسان دينيسوفا تم العثور عليها في الكهف ذاته".

 

من أين أتت العظمة الجديدة؟

 

وتذكر المجلة أنه عثر على العظمة التي تمت دراستها في هذا البحث عام 2012، وأتت أيضا من كهف دينيسوفا، فيما يشير التحليل الجديد إلى أن العظمة هي شظية من ذراع أو من ساق، تعود لأنثى ماتت في الثالثة عشرة من عمرها قبل حوالي 90 ألف عام.

 

ويجد التقرير أنه "بالنظر العادي لا يمكن التعرف على قطعة العظم الصغيرة على أنها جزء من عظم شبه بشر، ولذلك فإنها قد استثنيت كآلاف قطع العظم التي تم العثور عليها في الكهف، بما في ذلك متحجرات لعظام أسود ودببة وضباع وغير ذلك".

 

وتشير وي هاس إلى أنه بعد عدة سنوات كانت سمانثا براون من جامعة أكسفورد تقوم بفرز لآلاف قطع العظام، خلال دراسة للبروتينات في مادة الكولاغين الموجودة في العظام؛ لتحديد طبيعة كل قطعة، لافتة إلى أنه باستخدام هذه التجربة تم التعرف على قطعة العظم على أنها تعود لشبه إنسان، وهذا ما جعل سلون تقوم بإجراء التجارب عليها.

 

كيف عرفنا أن العظمة تعود لهجين؟

 

وتلفت النجلة إلى أن أول ما قامت به سلون هو أنها درست الحمض النووي للمتقدرات، وهي مادة جينية عادة ما يرثها الطفل عن أمه، وكانت النتيجة، التي تم نشرها في مجلة "نيتشر" عام 2016، تؤكد أن العظمة تعود لشبه بشر من أم تنتمي لفصيلة الإنسان النياندرتالي.

 

ويورد التقرير نقلا عن سلون، قولها: "هذا بحد ذاته كان أمرا مثيرا.. وزادت الإثارة عندما بدأت بتفحص الحمض النووي لنواة الخلية"، وهذا الحمض النووي يورث عادة من الأب والأم، وهو ما يساعد العلماء على تتبع أصل الأب والأم، وأضافت: "كانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها بأن هناك شيئا غريبا يتعلق بهذه العظمة".

 

وتقول الكاتبة: "ابتداء كان التوقيع الجيني يشير إلى أصول دينيسوفانية، وما كان مثيرا للانتباه أيضا هو أن العظمة كانت تحتوي على تنوع كبير في الجينوم بشكل عام -وهو مقياس يعرف بتغاير الزيجوت وهو يساعد العلماء في معرفة مدى قرابة الأبوين- فإن كان الأبوان أبناء عمومة سيكون تغاير الزيجوت متدنيا، وإن كان الأبوان ينتميان لفصيلتين مختلفتين يكون تغاير الزيجوت عاليا". 

هل يمكن لشخص يعيش الآن أن تكون له قرابة مع أشباه البشر القدماء؟

 

وتبين المجلة أن "التزاوج المختلط لم يكن محصورا بين الإنسان النياندرتالي والدينيسوفاني، فبعد مغادرة الإنسان النياندرتالي لأفريقيا، فإن من المتوقع أنهم بدأوا بالتزاوج مع الإنسان الحديث، واليوم هناك حوالى 2% من الحمض النووي لدى الأوروبيين والآسيويين يأتي من الإنسان النياندرتالي، وهناك آثار للحمض النووي الدينيسوفاني أيضا، بالإضافة إلى أن هناك 4 إلى 6% من الجينوم لدى الميلانيزيين يعود لشبه الإنسان القديم".

 

هل كان التزاوج المختلط بين الأصناف المختلفة من أشباه البشر شائعا؟

 

وبحسب التقرير، فإن الدراسة الحديثة تشير إلى أن التزاوج المختلط بين الأصناف المختلفة قد يكون أكثر شيوعا مما كان يعتقد.

 

وتختم "ناشيونال جيوغرافيك" تقريرها بالإشارة إلى أنه لم يتم تسجيل التسلسل الجيني إلا لعدد قليل من أشباه البشر القدماء، وقد وصل العلماء إلى أول جيل، بحسب سلون، واصفة الاحتمالات بأنها مثيرة جدا.