السؤال الذي يتردد ، بعد مضى أكثر من عام على الحصار الجائر الذي فرضهُ «الأشقاء» على دولة قطر، هو: متى سينتهي الحصار؟
بالطبع هذا السؤال يحتاج إلى ( مُنجِّم) أو (عَرّاف) ، لأن ما سياتي هو في علم الغيب، وأن المنجمين يكذبون ولو صدقوا!؟
والسؤال يُعيدني إلى سؤال مماثل سألني إياه صديق عزيز قائلاً: هل تعتقد أن الحصار سوف يستمر أكثر من أسبوعين ؟ قلتُ له آنذاك: سوف يستمر لأكثر من عامين!
والذي عاصرَ تطورات الأحداث منذ الخامس من يونيه 2017، وما تلاها من حرب إعلامية، لم تترك أية فرصة للحوار أو التلاقي عند خطوط التقاء ، يدرك أن أمد الحصار سوف يطول. كما أن ضراوة الاجراءات التي اتّخذتها دول الحصار ومَسَّ ذلك الأعراضَ والممتلكات والعائلات والتعليم والجنائز ، وغيرها من المنغصات التي طالت المواطنين الخليجيين ، وليس القطريين فحسب، كلُّ ذلك يجعل العودة إلى الوئام السابق أمرًا ليس قريب المنال.
ولقد قرأت الإرادةُ السياسية في دولة قطر الأوراقَ على حقيقتها ، وتعاملت مع كلِّ الاجراءات الغاضبة والساخنة والجائرة ، بخطوات عملية أمّنت عبرها الجبهةَ الداخلية، من حيث التلاحم بين القيادة والشعب، وفوَتَت على دول الحصار رهانَ ورقة العبث بالأمن الداخلي في دولة قطر. ومن الناحية العسكرية، سقطت مؤامرة غزو قطر، حيث تم كشفها ، وتم تعزيز القدرة القتالية للجبهة الداخلية ، عبر إجراءات لا يُمكن أن تفوت على الذهنية القطرية.
ومن الناحية الاقتصادية أمَنت دولة قطر وبسرعة احتياجات المواطنين والمقيمين من السلع والأدوية والأدوات الاستهلاكية ، بعيدًا عن منفذ (أبوسمرة) الذي أغلقته السلطات السعودية من جانبها دون مبرر ، سوى الإضرار بالمواطنين القطريين وأبناء عمومتهم في دول الخليج العربي، وتعرضت شركات سعودية عديدة للخسائر ، لأن السوق القطرية كانت رائجة للمنتجات السعودية.
وما يتعلق بالاقتصاد أيضًا شجّعت دولة قطر المشاريع المتوسطة والصغيرة المتعلقة بالمنتجات الغذائية، وقدّمت البنوك المحلية تسهيلات واضحة لمثل هذه المشاريع، ولقد سدّت منتجات هذه المشاريع النقص الذي حصل إثر إغلاق منفذ ( أبوسمرة) من الجانب السعودي. وعلى الجانب الاجتماعي امتصّ الشعبُ القطري « صدمةَ الأشقاء» ، وتعامل مع الموقف وفقَ رؤية القيادة، وغيّرَ هذا الشعب البوصلة، نحو وجهةٍ جديدة، مهما كانت قسوة فراق الأهل، وعذابات الطلاب، وضياع المشاريع التي يمتلكها قطريون في بعض دول الحصار.
وعلى الجانب السياسي، استطاعت الخارجية القطرية أن تمسك جيدًا بزمام الأمور، وواجهت العالم بحقيقة المواقف المؤلمة التي أقدمت عليها دول الحصار، وأقنعت العالمَ بصلابة الموقف القطري ، حتى وصل الأمر إلى محكمة العدل الدولية، والتي تُشير الكثير من الدلائل إلى تفهُمها لسلامة الموقف القطري، وبالتالي تجريمِ الاجراءات التي قامت بها دول الحصار.
نعود إلى سؤالنا: متى سينتهي الحصار!؟
أُدرك أن كثيرين سيقولون: لا نريد للحصار أن ينتهي، ونحن بخير دونهم! ومع التقدير لمثل هذا التوجه ، إلَا أننا في دولة قطرنعلم حقيقة اتساع بؤر الخلافات بين الأشقاء ، وكم هو مؤلم أن تتعرض الوشائجُ الأسرية والعلاقات الإنسانية لمثل هذا « الفجور» في الخصومة ، بل وتواصل حملات التشويه والكذب عبر الإعلام غير المسؤول في دول الحصار! صحيح لقد اختطت دولة قطر – كما قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى – نهجًا آخر دون دول الحصار، وأنها قد أسست ركائزها لسياسة مستقبلية بعيدًا عن أوهام وآمال مجلس التعاون الذي اثبت « وفاته» خلال الأزمة، كونهُ لم يحرّك ساكنًا، وكأنَّ الأمرَ لا يُعنيه! وبالتالي فإن احتمالية العودة إلى ما قبل الخامس من شهر يونيه 2017 ضعيفة جدًا ، حتى لو حصلت بعض التنازلات من بعض دول الحصار، خصوصًا وأن دولة قطر- كما جاء على لسان مسؤوليها – قد رفعت سقف شروطها إلى (الاعتذار) للشعب القطري عما أُلحقَ به، ناهيك عن احترام سيادة كل الدول وعدم تعريض أي منها للخطر.
كما يُلاحظ أن وتيرة الحرب الإعلامية، تشهد ارتفاعًا وشراسة ضد دولة قطر، وهذا ما أعلنه تقرير أمريكي حديث عن الحرب التي تشنها الرياض وأبوظبي، ( وذكر التقرير أن اللجنة السعودية الأمريكية لشؤون العلاقات العامة، أنفقت أكثر من مليوني ونصف المليون دولار – العام الماضي – لشركة (بوديستا) لشن حملات ضد دولة قطر) ، وهذا يؤشر إلى استحالة العودة إلى طاولة الحوار؛ وإن حصل تراجع في مواقف بعض الدول من الحصار. في هذا الوقت بدت مبادراتُ دولة الكويت ولكأنها وصلت إلى باب مسدود، رغم كل الجهود الطيبة والمُقدرة التي بذلها سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت!
من الجانب القطري ، استطاع حضرة صاحب السمو الأمير المفدى إدارة الأزمة باقتدار، داعيًا - رغم جور الحصار وضراوة الكلمات التي تلبّدت في السماء الخليجية- إلى سمو لغة المتحاورين، بعد أن طفح الكيل، وطالت الألسن والكاميرات والمايكروفونات كلَّ جميلٍ في قطر، وتبارت تلك الوسائل في بثِّ رسائلَ كاذبة لا تمت للواقع في قطر بصِلة ، وتعامل الإعلام القطري تعاملًا راقيًا مع الأزمة ، ولم يتم استدراجهُ للغة إعلام دول الحصار. كما جالَ سمو الأمير دول العالم ، وبلاده تحت الحصار، موثقًا علاقات قطر مع تلك البلدان، وكسَبَ احترام قادة وشعوب تلك الدول. وهذا ما يؤكد سلامة الموقف القطري، وهذا أيضًا يدعم وجهة النظر القائلة بعدم الرجوع لما قبل الخامس من يونيه 2017.
نحن ندرك أن الخلافات العربية تحلّها الزيارات، وبعض المجاملات الاجتماعية التراثية، وما تُسمى أحيانًا ( حَبّ الخشوم) ، لكن قطر اليوم تجاوزت - بقيادتها الشابة وشعبها الشاب- حتميات التراث، وأصبحت أكثر براغماتية في التعامل مع دول العالم، كما أنها كانت إيجابية في التعامل مع الأزمة ، وآمنت بأن الحوار هو الوسيلة الحضارية لحل الخلافات بين الدول، وعلى قدر المساواة، ودون شروظ أو مبادئ مسبقة! كما أن ألمَ الجُرح الذي سببته دولُ الحصار للشعب القطري، الذي ساند وحكومتُه كلَّ العرب، وساهم في تخفيف معاناة الكثير من آلام العرب في الأحقاب المختلفة، لا يستحق أن تناله غيلة الأشقاء، ولا هذه الحرب المجنونة عبر الإعلام الرسمي ووسائل التواصل.
في قطر ، نحن بخير، ولئن سألت أي قطري ، لقال: نحن تجاوزنا الأزمة ، ولا عودة لها، دعونا نتفاهم مع العالم بأسلوبنا الحضاري!
صحيح يوجد بعض « الحنين» والشجن للعلاقات الأسرية ، و»تراث» وحدة المصير، والدم ، لكن ممارسات دول الحصار، وبعض أفرادها من الرسميين، كفرَت بذلك التراث، ما دعا الأهالي لأن يلتقوا خارج بلدانهم مثل الكويت أو مسقط أو لندن، نظرًا لضراوة الاجراءات التي أغلقت المنافذ وأيضًا حاربت الطيران القطري من العبور إلى تلك البلدان أو المرور في أجوائها. ناهيك عن أزمة الحج التي تناولناها في مقالة سابقة.
ولقد تضاعف الحقدُ علينا بعد أن تسلم حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى شارة مونديال 2022، من الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وسط احترام دول العالم وشبابه، وبدت حربٌ رياضية من نوع آخر.
أقول للسائل الذي يريد معرفة رأيي في موعد انتهاء أزمة الحصار: الله يعلم ، ولكن في عالم السياسة يحدث غيرُ المُتوقع!.
(الشرق القطرية)