لست مغرما ببرامج فصائلية بعيدة كل البعد عن الثورة وروحها التي
انطلقت منها في مارس من عام 2011، وأجزم أن كل المشاريع الفصائلية المطروحة لا
تجسد روح الثورة ولا من فجروها وضحوا لأجلها، ولكن أجزم بأنه في حال أقدمت العصابة
الطائفية وسدنتها المحتلون على اقتحام محافظة إدلب، فلن تكون كارثة سورية يومها،
وإنما ستكون كارثة عالمية حقيقية، إن كان من حيث الفضيحة الأخلاقية للدول التي
سكتت وتواطأت على تشريد مئات الآلاف وإجلائهم عن أرضهم للشمال السوري، لتقوم
بمجزرة سربنيتسا مضروبة ربما بأضعاف مضاعفة، أو من حيث التداعيات العسكرية
والأمنية التي ستخلفها مثل هذه الكارثة على العالم كله.
أولى هذه التداعيات تشريد
أكثر من 4 ملايين شخص، رفضوا رفضا قاطعا العيش في جلباب الاحتلال وأذنابه،
وبالتالي فعلى تركيا ومن خلفها أوروبا الاستعداد لاستقبالهم في الوقت الذي تضج
بالحركة من أجل إعادة ما لديها من لاجئين ومشردين، ولكن الأخطر من ذلك تداعيات تفشي
الإرهاب والعنف، لكن هذه المرة ليس على مستوى سوريا، وإنما قد تكون ارتداداته
للخارج، وكلنا يعلم ما حلّ بالمقاومة الفلسطينية بعد «أيلول الأسود» فارتدّ العنف
للخارج، أما في سوريا اليوم فكل الأدلة والبراهين تثبت وبالدليل اليومي القاطع أن
الخارج هو من أبقى على العصابة الطائفية، وأن الخارج هو من شارك في قتل مليون سوري
وتشريد 12 مليونا آخرين، من أجل إبقاء عصابة طائفية تحكم بالحديد والنار ولا تزال.
نجحت تركيا على مدى
السنوات الماضية في عقلنة هيئة تحرير الشام إلى حد كبير، وتمكنت الهيئة من أن تكون
صمام أمان للجماعات العنيفة والإرهابية، وما نجحت فيه بكسر قرن الدواعش ربما عجز
عنه تحالف دولي من 60 دولة، وبالتالي فإن أي انقلاب تركي على الهيئة بدعم غربي
سيكون له مخاطر حقيقية على الوضع السوري والأمن التركي والعالمي، وسنرى عشرات
الجماعات تنفرط عن الهيئة التي لن تجد طريقا أمامها سوى العنف غير المتوقع وغير
المتنبئ به.
كما
سمح الغرب والشرق لباكستان في أن تبقي تأثيرها على حركة طالبان الأفغانية، منعا
لانشطارات بارامسيومية، فإن المطلوب أكثر من المجتمع الدولي أن تدع تركيا تواصل
مشروعها بالعلاقة مع هيئة تحرير الشام، ليس من أجل الشام وتركيا فقط، وإنما من أجل
عالم ضج بنفاقه وكذبه في دعم طاغية قلّ نظيره في العالم، وذلك حرصا على سلامتهم
قبل سلامة غيرهم، ونحن نرى اليوم صمت العالم على تحرك طالبان الأفغانية الدولي
باتجاه زيارات رسمية إلى إندونيسيا وأوزبكستان وغيرهما.
هيئة تحرير الشام من جهتها
فصيل ثوري، عليه الكثير من الالتزامات الداخلية في إقناع الفصائل بعمق تحوله
وجديته في الانفتاح على الآخرين، لا سيما بعد معاركه مع فصائل عدة، وعلى الهيئة أن
تنفتح على هذه الفصائل بحيث تقدم مشروعا ثوريا يشمل الجميع، ولا يقصي أحدا وينفتح
على الكل، تماما كحرصه على الانفتاح على الخارج، فالتزامه بعدم التدخل بما هو غير
سوري على مدى سنوات يُحسب له، على الرغم من القصف الأميركي عليه خلال السنوات
الماضية، ولكنه ظل أمينا على حصر المعركة في سوريا ضد عصابة طائفية وسدنتها
المحتلين.
(العرب القطرية)