لو استقرأنا آلية صنع القرار في العالم العربي لوجدناها أبعد ما تكون عن الشراكة ، رغم أن الاسلام قرآنه وسنته أكدا مراراً وتكراراً على "وأمرهم شورى بينهم" و"شاورهم في الأمر" إلا أن تلك الفلسفة غائبة عن مائدة الزعيم.
وهذا الغياب المتعمد للشراكة يقابله حضور قوي قولاً وفعلاً لفلسفة (الأنا) التي تسكن وتتمدد في شخصية الزعيم الذي ينظر لأفكاره أنها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
فالزعيم بيده كل الصلاحيات التي تخوله لفعل ما يشاء، وقتما شاء، فيمن شاء، بلا رقيب أو حسيب، وكأن البلاد قد ورثها عن أبيه، وكان عباد الله عنده عبيد، وهنا يجسد الشاعر نزار قباني رأيه في آلية تعامل الحاكم مع البلاد والعباد في العالم العربي في قصيدة مشهورة له بعنوان (هـذي البـلاد شـقـةٌ مفـروشـةٌ).
هـذي البـلاد شـقـةٌ مفـروشـةٌ ، يملكها شخصٌ يسمى عنترة …
يسـكر طوال الليل عنـد بابهـا ، ويجمع الإيجـار من سكـانهـا ..
ويطلب الزواج من نسـوانهـا، ويطلق النـار على الأشجـار …
والأطفـال … والعيـون … والأثـداء …والضفـائر المعطـرة ...
هـذي البـلاد كلهـا مزرعـةٌ شخصيـةٌ لعنـترة …
سـماؤهـا .. هواؤهـا … نسـاؤها … حقولهـا المخضوضرة …
كل البنايـات – هنـا – يسـكن فيها عـنترة …
كل الشـبابيك عليـها صـورةٌ لعـنترة …
كل الميـادين هنـا ، تحمـل اسـم عــنترة …
وفي المقابل لو نظرنا إلى النظام السياسي الغربي سنجد أن آليات اتخاذ القرار تمر بعدة مؤسسات، ويمارسون بكل اتقان قول لله عزوجل "وأمرهم شورى بينهم" رغم أنهم ليسوا بمسلمين، وهذا يؤكد أن للكل السياسي دور في صناعة وصياغة القرار السياسي، حيث لا صلاحيات مطلقة بيد الرئيس، لأنهم يؤمنون بأن (السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة) كما قال اللورد البريطاني "جون أكتون".
هنا يكمن الفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، فالدول المتقدمة تضع الوطن والمواطن في المقدمة والحاكم يكون خادم للشعب، بينما في الدول المتخلفة تضع الزعيم وحاشيته في المقدمة، بينما الوطن والمواطن خارج التغطية، إلا بالقدر الذي يخدم الزعيم.
لماذا الشراكة السياسية مهمة؟
يُحكى أن رجلاً جمع أولاده قبيل وفاته، وقال لهم: اجمعوا لي عدد من العصي، فجمعوا له، فأعطى لكل واحدٍ منهم عصا، و قال اكسرها : فكسرها، ثم أعطى كل واحد منهم مجموعة عصى، وقال اكسرها:
فلم يستطع كسرها، فأنشد يقول: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا،،، وإذا افترقن تكسرن آحادا
يتضح لنا من القصة أن الشراكة مهمة جداً، لأنها الجدار الذي يحمي المجتمع من التقلبات الداخلية والخارجية، فهي تضع الجميع أمام المسؤوليات العامة، حيث يشعر الجميع أنه المسؤول، وعليه بذل أقصى جهده لخدمة وطنه.
لأن الحكم الفردي هو أقصر الطرق لبقاء حالة التخلف والتكلس في المجتمع، فلا تجدد في الآراء، والأبواب مغلقة أمام الأجيال الجديدة والفكر الجديد.
إن الشراكة السياسية هي أقرب الطرق وأقصرها لتحقيق استقرار المجتمع والذي ينتح عنه تنمية ونهضة وقوامها فتح المجال أمام استيعاب وراء الناس وتنظيمها ليشعر كل مواطن بأن له دورا في بناء المجتمع.
تتجلى أهمية الشراكة السياسية بأن الفعل السياسي الناتج عنها يخرج من حظيرة اجتمعت فيها الأفكار فتلاقحت وأخرجت أجمل ما فيها هدى وشفاء للناس، وهذا يؤكد أن العمل الجماعي هو أقرب النماذج للديمومة والاستمرارية وحظه بالنجاح حظ وافر.
ختاما: وجب القول بأن الإيمان بالشراكة السياسية يقتضي آليا الإيمان بأن الوطن ليس (أنا أو أنت) بل الوطن (أنا وأنت) لذل يجب أن نمارسها على أصولها، ويجب أن نمارسها وفق أصولها حتى لا نضطر لإعادة الصلاة من "باب صل فإنك لم تصل"..