هجوم الحوثي على مطار أبو ظبي بطائرة مسيّرة، واستهدافه ناقلتي نفط سعوديتين على مقربة من باب المندب، تطوران مهمان في سياقات الأزمة اليمنية، وهما تطوران من طبيعة نوعية، وينطويان على عدد من الدلالات ويستبطنان عددا من الرسائل.
في الدلالات أولا، فإن الحوثي قرر -على ما يبدو- توسيع نطاق الحرب وميادينها، فلا تقتصر فقط على الأجواء والمياه والأراضي اليمنية، ولا تقتصر حدودها عند المحافظات الحدودية الثلاث: جيزان، نجران وعسير، بل تتخطاها إلى العمق السعودي: فهو استهدف من قبلُ كل الرياض وخميس مشيط وغيرهما، وطرق إمداد وتصدير النفط السعودي من خلال استهداف الناقلات، وهو يستهدف اليوم الإمارات في عاصمتها، وهي التي تؤدي دورا أساسيا في إطار التحالف العربي بقيادة السعودية، وتتولى دور «رأس الحربة» في حرب الموانئ والساحل الغربي على وجه الخصوص.
أما في الرسائل، فإن الحوثي أراد إفهام خصومه، بأن ذراعه طويلة، وأنه قادر على ضرب العمق الاستراتيجي لخصومه، الحساسين جدا لأي اضطراب أمني، خصوصا دبي وأبو ظبي، وأن صعدة والحديدة وصنعاء، لن تكون وحدها المدن التي تُسمَع فيها صافرات الإنذار، وأن أمرا كهذا، يمكن ان يحدث في مدن وعواصم، لم تعتد «الطوارئ» من قبل.
البعض يقترح، أن الحوثي بلجوئه إلى استهداف الناقلات ومطار أبو ظبي، إنما يعطي إشارة على استعداده للجوء إلى «خيار شمشون»، أي هدم المعبد على رؤوس الجميع. لكن من تتبع وقائع الحرب في اليمن وعليه، التي دخلت شهرها الثالث والأربعين، يدرك تمام الإدراك، أن «الجماعة» لم تصل إلى هذه المرحلة، وأن لديها من القدرة على القتال، ما يرشح هذه الحرب للاستمرار لسنوات أخرى عديدة قادمة. لسنا على عتبات «خيار شمشون» وإن كنّا أمام فصل جديد من التصعيد، واجتياز الخطوط الحمراء، توطئة لجولة أكثر جدية من المفاوضات التي يرعاها مارتن جريفيت.
وإذا كان المحللون السياسيون تساءلوا فورَ أن تناهت إلى مسامعهم أنباء الهجوم «المسيّر» على مطار أبو ظبي، عن مغزى هذا التطور، وبالأخص، دلالة توقيته، فإن لدى كاتب هذه السطور، ما يكفي من المعلومات للتأكيد بأن المسألة لا علاقة لها بالتوقيت، ولا بالقرار، فالقرار متخذ منذ زمن طويل، وما منع ترجمته، هو عدم امتلاك الحوثيين لصواريخ بمديات ورؤوس حربية كافية لضرب العمق الإماراتي، وما أن توافرت لهم الإمكانية لفعل ذلك، من خلال «تطوير» الطائرات المسيّرة، وزيادة مديات وساعات تحليقها، حتى بادروا إلى تنفيذ أول هجوم على هدف إماراتي استراتيجي.
في أول رد فعل على الهجمتين، أوقفت السعودية مرور ناقلات نفطها عبر باب المندب، لإثارة المجتمع الدولي إلى خطورة الأوضاع والتهديدات الحوثية لأمن الملاحة الدولية. أما الإمارات، فقد آثرت ألا تجاري الحوثي في روايته، وفضلت تقديم رواية عن «اصطدام» أرضي وقع بين آليات تعمل على تقديم الخدمات الأرضية في المطار، لكن الحوثي سيسعى في تكرار استهدافه، لكي يعظم مكانته على مائدة المفاوضات المتوقع التئامها، بنتيجة جهود الموفد الأممي.
وإذا كان من المرجح، أن تلجأ دول التحالف، إلى تصعيد ردود أفعالها وتكثيف عملياتها على جبهات الحرب اليمنية المختلفة، وتحديدا في منطقة الحديدة، فإن من المتوقع أن تسعى هذه الأطراف، إلى استهداف شخصيات قيادية في تحالف الحوثي، لاستعادة صورتها «الردعية» من جهة، وللجم اندفاعة الحوثي، ومنعه من استئناف هجماته، على مواقع استراتيجية وحساسة للدولتين الرئيستين في قيادة التحالف، من جهة ثانية.
لكن، من يعرف طبيعة الوضع اليمني، وطبيعة القوى المحتربة، لن يساوره الشك بأن هذه التكتيكات لن تفلح في تحقيق مراميها، وأن الحل في اليمن، إما أن يكون سياسيا، أو لا يكون، وأن نظرية «المستنقع اليمني» الذي ابتلع جمال عبد الناصر وجيشه، ووقف سدا منيعا في وجه العثمانيين من قبل، لن يكون لقمة صائغة لأحد من بعد، فهل تجنح الأطراف للحلول الوسط وخيار التفاوض؟
عن صحيفة الدستور الأردنية