هناك قول شهير للفنان القدير "يوسف وهبي" في أحد أفلامه، أصبح من المأثورات المصرية: "ما الحياة إلا مسرح كبير"، ولو كان يعيش بيننا الآن لقال: "وما مصر إلا مسرح عبثي!
حقاً؛ إن ما يحدث كل يوم في المحروسة شيء يفوق الخيال، ولا يمكن وصفه إلا بالعبث الذي قد يصل إلى حد السفه والهذيان! كل يوم حدوتة جديدة أو لنقل نكتة تزيد من عبثية المسرحية التي يشاهد فصولها العديدة الشعب المصري يومياً منذ الانقلاب في تموز/ يوليو 2013 حتى يومنا هذا. وكما هو واضح من مجريات الأمور وسير الأحداث، فإن المسرحية لن تتوقف، بل سوف يستمر عرضها طويلاً مع تعدد وتغير مشاهدها المثيرة للسخرية والضحك والذي هو بطعم البكاء!
بدأت المسرحية هذا الأسبوع، بمشهد فانتازي شديد العبثية كي يجعل المسرحية أكثر تشويقاً وإثارة لجذب العالم كله لمشاهدته، وكان لهم ما أرادوا، إذ نقلته جميع وسائل الإعلام العالمية وأصبحنا مثار للسخرية، وفزنا بجدارة بأن نكون أضحوكة العالم أجمع!
بصرف النظر عن أن هذا القرار يعتبر نفاقاً صريحاً من الدكتورة الوزيرة، تتقرب به زلفى لمن عينها في هذا المنصب، فإنه يوضح لنا كيف يتم اختيار المسؤولين في مصر، ونوعية هؤلاء الوزراء الذين ابتلي بهم الشعب المصري
والمشهد ببساطة أن السيدة وزيرة الصحة عقب تعيينها مباشرة واستلام عملها في الوزارة؛ استيقظت من نومها على حل سحرى لتحسين قطاع الصحة المتردي والمتدهور في المستشفيات، وربما حلمت به في نشوة سعادتها بالوزارة التي جاءتها على غير موعد بطريق الخطأ! فأصدرت على الفور قراراً إدارياً بإلزام جميع المستشفيات الحكومية بإذاعة السلام الجمهوري مرتين يومياً، ثم يعقبه قسم الأطباء عن طريق الإذاعة الداخلية بكل مستشفى، وقالت إن هذا القرار يعزز من قيم الانتماء للوطن لجميع المستمعين في المستشفيات، سواء للمريض أو الأطقم الطبية!
وبصرف النظر عن أن هذا القرار يعتبر نفاقاً صريحاً من الدكتورة الوزيرة، تتقرب به زلفى لمن عينها في هذا المنصب، فإنه يوضح لنا كيف يتم اختيار المسؤولين في مصر، ونوعية هؤلاء الوزراء الذين ابتلي بهم الشعب المصري. فقرارها هذا يدل على مستوى فكرها المتدني وجهلها بطبيعة عملها والمسؤولية الملقاه على عاتقها، وبدلاً من أن تكون أولى قرارتها في الوزارة الارتقاء بالمستشفيات ورفع مستوى المهنة، وتعهدها بتوفير المعدات والمستلزمات الطبية الناقصة فيها مع تقديم المقترحات والحلول المنجزة لأزمة العلاج في مصر، مع سوء حال المستشفيات الحكومية الذي وصل لأدناه، وتعهدها بإعطاء الأطباء حقهم المادي والمعنوي، حيث أن الأطباء هم من الفئات المغبون حقها في مصر نظراً لضعف مرتباتهم بعد رحلة سنوات طويلة وشاقة في التعليم وعمل مكثف في المستشفيات؛ وفى النهاية لا يحصل الطبيب إلا على 2000 جنية شهرياً، وبدل العدوى لديهم يقل عن العشرين جنيهاً، فضلاً على تعرضهم للاعتداءات المستمرة من قِبل أقارب المرضى نظرا لنقص الإمكانيات والخدمات في المستشفيات، وخاصة إذا كان أحد أقرباء المريض شرطياً.. لم تنظر لكل ذلك، وفكرت في السلام الوطني الذي سيشفي المرضى ويعطي الأطباء حقوقهم، ويصلح حال القطاع الصحي في مصر!
هل شعوب هذه الدول أقل وطنية من الشعب المصري؟ أم أن المسؤولين فيها يحترمون عقلية شعوبهم ويعملون لخدمة هذا الشعب، وولاؤهم له (الشعب) وليس لرئيسه؟!
لا توجد دولة في العالم قد اتخذت مثل هذا القرار الهزلي من قبل، فهل شعوب هذه الدول أقل وطنية من الشعب المصري؟ أم أن المسؤولين فيها يحترمون عقلية شعوبهم ويعملون لخدمة هذا الشعب، وولاؤهم له (الشعب) وليس لرئيسه؟!
لاقى هذا القرار هجوما شديدا وسخرية لاذعة بين المصريين؛ عبّروا عنها من خلال شبكات التواصل الاجتماعى التي امتلأت بالنكات الساخرة على هذه الوزيرة واشتغل "سباق القلش" على القرار، سواء بالكلمة أو الأغنية أو ما يشابها. ولكن الست الوزيرة لم تبال بكل هذا الهجوم ولم تتراجع عن قرارها، بل ازدادت تعنتاً وتمسكاً بالقرار، وأجبرت الموظفين على تعميمه في كافة المستشفيات الحكومية. والمثير في الأمر أن رئيس الوزراء كان غائباً تماماً عن هذا المشهد، ولم يراجعها في قرارها ولم يثنها عنه لوقف هذا الهجوم وهذه السخرية التي تسيء لوزارته، مما يدل عن رضائه التام عن هذا القرار أو أنها سياسة الدولة. فقد سبق وقيل إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، على لسان نائب رئيس الوراء ووزير الزراعة آنذاك، "يوسف والي"، أن الوزراء في مصر ما هم إلا موظفون في سكرتارية رئيس الدولة! ومما يعزز هذا، أنه منذ حوالي الشهرين أرادوا أيضا أن يعززوا الانتماء الوطني لدى تلاميذ المدارس؛ في مشهد لا يقل سخرية عن هذا المشهد، إذ ألزم وزير التعليم جميع المدارس الحكومية بأن ينشد التلاميذ نشيد الصاعقة في طوابير الصباح، وهو النشيد الخاص بمجموعة للصاعقة بالجيش، وكلماته غريبة ومتدنية تقول: "قالوا إيه علينا دولا قالوا إيه"!
الانتماء لدى المواطن لوطنه هو شعور فطري داخلي لا يصطنع بمقطوعة موسيقية يقال عنها النشيد الوطني، ولا بقطعة قماش لم يختر شكلها ولا لونها
ليزداد هذا المشهد عبثاً، يدخل مجلس النواب فيه ويقر قانوناً ببيع الجنسية للأجانب مقابل سبعة ملايين جنيه (400 ألف دولار)!