تتخذ بعض الحركات الإسلامية قرارات قلقة، وتقع بالتلبس بمواقف مثيرة يظهر فيما بعد أنها تخدم أجندات الآخرين، وتمكنهم من إنجاز ما خططوا له وسعوا إلى تحقيقه، بحسب ناقدين تناولوا الموضوع وسلطت "عربي21" الضوء على طرحهم.
ويرجع باحثون في شؤون الحركات الإسلامية ذلك السلوك إلى جملة عوامل، يأتي في مقدماتها "غياب التفكير الاستراتيجي عن صفوف كثير من تلك الحركات، ما يبقيها أسيرة لردات الأفعال على الأحداث والوقائع الجارية من غير أن تكون صادرة في أفعالها تلك عن رؤية استراتيجية محكمة"، بحسب ما تحدثوا به لـ"عربي21".
ووفقا للباحث السياسي المصري، محمد جلال القصاص فإن "الحركات الإسلامية مصابة بالمرض المنتشر في بيئتها، وهو غياب الفكر السياسي والاستراتيجي، ما أدّى إلى وقوع المجتمعات الإسلامية والعربية كلها ضمن سياسات واستراتيجيات القوى العالمية"، وفق قوله.
وأوضح القصاص لـ"عربي21" أن "غياب الفكر السياسي والاستراتيجي أدّى إلى تبني صيغة الجماعة بدل الأمة، فتحولت إلى جزء داخل الأمة، ثم جزء داخل "الدولة"، ثم جزء داخل الظاهرة الدينية في الدولة، (بعد أن زاحمها الرسميون، والصوفية وعامة المتدينين ممن لا ينتمون إلى الحركة الإسلامية)، فمن مصيدة إلى مصيدة"، على حد قوله.
ولفت الباحث المصري إلى أن "غياب الفكر السياسي والاستراتيجي غيب الوعي بخطورة الدولة القومية وأدواتها الأمنية والإعلامية والقضائية والاقتصادية والتشريعية، وجعلهم يتوهمون أنهم قادرون على أسلمة الدولة القومية، بل رأينا أنهم يطالبون أدوات الدولة القومية بتطبيق الشريعة الإسلامية، فيطلبون من المجالس التشريعية صياغة قوانين إسلامية".
وطبقا للقصاص، فإن "من أخطر الآثار المترتبة على غياب الرؤية الكلية والإستراتيجية البعد عن امتلاك الأدوات المادية والمعرفية وحصر الحركات الإسلامية في البعد القيمي الأخلاقي"، مبينا أن "القيم كي تتحول لظواهر اجتماعية لا بد لها من نخبة وأبنية، ولا توجد نخب اجتماعية بالكثافة المطلوبة، ولا توجد أبنية اجتماعية، فقط نخب وعظية في المساجد، وتركوا مناحي الحياة كلية، أو تواجدوا فيها كأهلها وبعدد قليل، ولذا فإنهم حينما أُتيحت لهم الفرصة وأمسكوا بزمام الدولة لم يستطيعوا فعل ما يجب".
وردا على سؤال: ما هي مآلات هذه الظاهرة؟ شدد القصاص على أن "استمرار التغافل عن إنتاج نخبة واعية سياسيا واستراتيجيا سيبقي الحالة الإسلامية واقعة دائمة في حسابات غيرها، موظفة من الآخرين، وإن حدث الوعي فإن الأمر يحتاج لوقت كي يتم بناء عدد كاف من النخب المتخصصة سياسيا واستراتيجيا".
من جهته، قال القيادي السابق في حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، عبد الله فرج الله: "بنظرة مجردة في واقع الحركات الإسلامية في محيطنا، نجد بصراحة وبدون انخداع، أو دس للرؤوس في الرمال -الفعل الذي يعمق الأزمات، ويعقد سبل الخروج منها- نجد تلك الحركات في أغلب قراراتها ومواقفها تؤكد أنها ما زالت تقبع في دائرة ردات الفعل، وليست هي من يبادر إلى صنع الفعل".
وأضاف لـ"عربي21": "أي أنها تسير بالاتجاه الذي يخطط له خصومها وأعداؤها من غير قصد، وأيضا من غير وعي منها، وهذا ما يفسر فشلها في كثير من المحطات، والمصيبة أنها لا تراه فشلا، وهذا الخطر الأكبر إذ إنها تراه ابتلاء وامتحانا، والابتلاء لا يستوجب إلا الصبر والرضى، ومن رآه فشلا يستوجب محاسبة المسؤولين عنه اتهم في إيمانه وانتمائه".
وذكر فرج الله أن "المحطات والمواقف الحاسمة والفاصلة في تاريخ الحركات الإسلامية التي تؤكد هذا كثيرة، من غير أن تؤخذ منها الدروس والعبر، ودون أن يجعلها تتوقف لتلتقط أنفاسها، وتعيد ترتيب أولوياتها، وتهندس مسيرتها من جديد، فتكرر المواقف ذاتها في كل مرة، لكن بضريبة أقسى وأشد إيلاما من ذي قبل".
وتابع بأن "كل هذا يؤكد الغفلة التي تعيشها هذه الحركات عن واقعها من جانب، واستغراقها بالأمور الهامشية والتفاصيل الجزئية البعيدة من جانب آخر، والتي تبعدها عن القضايا المفصلية المؤثرة، فانشغلت في مجتمعاتها -غالبا- بما يستهلك قوتها وطاقاتها وأوقاتها في متابعات يومية وهموم داخلية، أرهقتها وأبعدتها عن المفاصل المهمة".
وبحسب القيادي الإسلامي السابق، فرج الله، فإن "الحركات الإسلامية مصابة بحالة من الشلل والترهل والروتين القاتل، والتشظي والانقسامات الداخلية"، مستدركا أنها "على الرغم من ذلك كله فإنها ما زالت مرشحة بما تمتلكه من كفاءات وطاقات شبابية متحمسة ومخلصة، إن أعادت ترتيب أوراقها، وإصلاح أوضاعها، أن تسترد اعتبارها ومكانتها، وأن تكون فاعلا حقيقيا في الساحة، وليس مجرد تابع يقبع في دائرة ردات الأفعال".
بدوره، رأى الباحث الإسلامي العراقي، فاروق الظفيري، أن "خصوم الحركات الإسلامية نصبوا مصائد كثيرة للتشويش عليها، ومحاصرة دورها المؤثر في المجتمع، التي منها إدخالهم بصورة غير متكافئة في البرلمانات والحكومات بصفة عامة، حيث أشغلوهم بمناصب تحتاج إلى جهد كبير، وجردوهم من كل مقومات تنفيذ العمل، حتى يشوهوا سمعتهم وصورتهم أمام الجمهور".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "تم جرهم جبرا إلى معارك عسكرية غير متكافئة، ما عرض وجودهم لخطر كبير"، مرجعا ذلك كله إلى "ضعف فهم القيادات لحقيقة مشاريع الأعداء التي تستهدف وجودهم من جهة، وقلة وعي الجماهير بمخططات الأعداء وطرق تنفيذها من جهة أخرى".
ولفت الظفيري إلى أن وقوع بعض الحركات الإسلامية في مصائد أعدائها، وانجرارها للحركة ضمن مخططات الآخرين، آل بها إلى فشل ذريع، "وقد رأينا ذلك حينما وصلت بعضها إلى السلطة والحكم، لكنها سرعان ما سقطت وفشلت، لأنها لم تراعِ امتلاك القوة الحقيقية المسيطرة على مفاصل الدول، والمتحكمة في إدارة شؤونها"، وفق قوله.
وأنهى الباحث العراقي الظفيري حديثه بالتأكيد على أن الخروج من دائرة المآلات السيئة الناتجة عن تفشي تلك الحالة في الأوساط الإسلامية، لا يكون إلا باعتراف قيادات تلك الحركات بأخطائها التي ارتكبتها، وضرورة مراجعة ذلك كله، حتى لا تتكرر التجارب الفاشلة، ولا تتوالى مشاهد المآلات المفجعة.