«نحن، المعتصمين هنا، وردا على موقف حكومة الاحتلال العنصرية التي
رفضت قرار تعليق هدم قرية «الخان الأحمر» مؤقتا، نعلن أننا سندخل منذ الساعة في
اعتصام مفتوح إلى أن نكسر قرار الهدم بإرادتنا الصلبة ومواقفنا وصمودنا وتضامن
العالم الحر معنا».
هذا ما أعلنه السيد وليد عساف، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان،
في كلمة أمام مئات المتضامنين مع سكان بلدة الخان الأحمر المهددة بالهدم والتجريف،
واقتلاع سكانها، وهدم مدرستها وترحيلهم جماعيا إلى موقع جديد بالقوة.
بعد
وصولي إلى أرض الوطن بيومين انضممت إلى خيمة الاعتصام في قرية بدائية جدا تكشف عن
بساطة سكانها القليلين، وتواضع بيوتها القصديرية وهشاشة الحياة فيها تسمى «الخان
الأحمر» تسكنها قبيلة بدوية تدعى «الجهالين» كانت قد طردت أصلا من منطقة بئر السبع
في فلسطين التاريخية عام 1948 وتنقلت من منطقة إلى أخرى إلى أن انتهى الأمر بها في
هذه المنطقة الجرداء الواقعة بين أريحا والقدس، لكنها قريبة من ثلاثة ينابيع تسمى
«فارة» و»الفوار» و «وادي القلط»، التي شكلت مجالا واسعا لمراعي المواشي. لكن
سلطات الاحتلال سدت عليهم الممرات إلى تلك الينابيع الثلاثة، ليصبحوا عالة على
قوات الاحتلال ينتظرون صهاريج الماء الشحيحة مقابل تكاليف عالية.
كانت
تلك الإجراءات مقدمة لتفـتيت وجودهم لأنهم أصحاب عادات وتقاليد وطقوس عريقة
متجذرة، تحمل هموم الوطن يتغنون بها في أشعارهم وحكاياتهم. وما يحصل لبلدة الخان
الأحمر الآن اكتوت به بلدة أم الحيران وبلدة العراقيب في منطقة النقب قرب بئر
السبع. بدأ الوجود الفعلي للقبيلة يتقلص ومناطق المراعي تضيق وعدد المواشي ينخفض
إلى أن وصل عدد سكان البلدة نحو 190 شخصا نصفهم من الأطفال تحيط بهم قبائل صغرى
متناثرة هنا وهناك، تشاركوا معا عام 2009 في إنشاء مدرسة ابتدائية مختلطة بمساعدة
من منظمة إيطالية غير حكومية.
وصلت
خيمة الاعتصام الساعة الخامسة مساء فوجدت المئات من المتضامنين من كل أنحاء الوطن،
من بينهم وفود من بلدة العراقيب وبلدة أم الحيران وكافة تجمعات الشعب الفلسطيني
وبعض الأجانب وإسرائيليان، رجل وامرأة. جلس شيوخ عشيرة الجهالين وسط خيمة الاعتصام
يحيط بهم عدد من القيادات الفلسطينية، من بينهم محافظ القدس عدنان الحسيني، ونائبه
عبد الله صيام، ومحمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، وجمال محيسن، رئيس مكتب
التعبئة والتنظيم بحركة فتح، ومصطفى البرغوثي رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية
ووليد عساف وعدد كبير من ممثلي الفصائل والمجتمع المدني والمرأة ووسائل الإعلام
العديدة.
أهمية
بلدة الخان الأحمر أنها تقع قرب الطريق السريع رقم «1» الذي يربط أريحا بالقدس،
وكذلك بين مستوطنتين كبيرتين معاليه أدوميم وكفر أدوميم. وتسعى إسرائيل تغيير مسار
الطريق السريع «1» وتوسيع شبكة المستوطنات لتضم المستوطنتين المذكورتين وبالتالي
تصبح الطريق من البحر الميت إلى معاليه أدوميم إلى القدس متواصلة بعيدا عن مناطق
الفلسطينيين. جاء قرار المحكمة الإسرائيلية العليا في 24 مايو/أيار الماضي مؤيدا
لقرار الهدم الذي تقدم به أصلا سكان مستوطنة معاليه أدوميم. قدم الأهالي فورا
التماسا بوقف الهدم، فعادت المحكمة وأقرت تأجيل الهدم إلى أن تنظر المحكمة في التماسات
السكان. وقد صدر قرار المحكمة برفض الالتماس، ونحن جالسون في الخيمة، وقرأ على
الحاضرين فأقرت اللجنة العليا لمناهضة الجدار والاستيطان بالدخول في اعتصام مفتوح
لغاية كسر القرار.
حاولت
أن أجمع أجوبة على بعض الأسئلة التي تدور في ذهني حول التوقعات وتأثير الهدم على
المجتمع البدوي، وأهمية هذا القرار على مستقبل فرص إقامة الدولة الفلسطينية
المستقلة، ولنقل صورة ما يحدث للعالم لعل ضمائر الأحرار تتحرك وتوقف أبشع عملية
تطهير عرقي في العصر الحديث تمارس ضد شعب آمن مسالم.
سليمان
سالم العراعرة شيخ قبيلة الجهالين
هُجر
عرب الجهالين عام 1948 من منطقة تل عراد بمنطقة بئر السبع في فلسطين التاريخية
ووصلوا بين عامي 1950 و1951 هذا المكان القريب من الطريق الرئيسي للقدس لتسويق
منتجاتهم من الألبان والأجبان والمواشي في القدس. وبعد عزلهم عن منابع المياه
عادوا عام 1977 وجمعوهم لإعطاء المجال لإقامة بؤرة استيطانية أصبحت فيما بعد
معاليه أدوميم. البدوي من طبيعته أن يتحرك في مناطق شاسعة، وأن يشرب ويأكل من
مجهوداته هو. و»لكننا تعرضنا لنكسة جديدة في ثرواتنا المحلية، حيث أصدر الاحتلال
شهادة وفاة في ثرواتنا الحيوانية. قرار الهدم اتخذ وقد أعدوا لنا مكانا في الجبل
قرب أبو ديس. هم يريدون أن يقضوا على الوجود البدوي بإجباره التخلي عن عاداته
وتقاليده. نعمل على إفشال هذا المخطط ولكن نريد تضامن الجميع معنا سلطة وشعبا، ومن
الإخوة العرب والمسلمين والأحرار في العالم. هذا مخطط خطير يجب أن نواجهه قبل أن نكتشف
أن القدس محاطة بحزام من المستوطنات المتواصلة وأصبحت خارج نطاق التواصل الفلسطيني».
محمود
العالول نائب رئيس حركة فتح
إن
تنفيذ هذا المخطط له آثار كارثية على قضيتنا الوطنية، لذلك نحن نصر على بقائه في
أيدي أصحابه حتى إن رحلوا فيجب أن يعودوا، وإن هدم بيت سنبني بيتا بديلا عنه، أو
نضع خيمة في مكانه، لأن هذا الاستيلاء يطبق الحصار الشامل على القدس ويعزل تماما
جنوب الضفة عن وسطها وشمالها عن جنوبها. وهذا جزء من مخططاتهم لمنع قيام الدولة
الفلسطينية. لقد بدأنا بموقف صائب لمنع تنفيذ صفقة القرن ونجحنا في إسقاطها
سياسيا، والآن نأمل أن نتمكن من إسقاطها ميدانيا.
مصطفى
البرغوثي رئيس المبادرة الفلسطينية
حركة
التضامن هذه مقاومة شعبية جيدة ولكن لا بد أن تتعاظم وتتصاعد. نريد من كل أبناء
وبنات شعبنا أن ينضموا لحركة التضامن مع الخان الأحمر. فكلما تعاظمت المشاركة في
المقاومة الشعبية، نجحنا في إفشال المخطط الإسرائيلي. نستطيع إفشال المخطط حتى لو
استجابت المحكمة الإسرائيلية العليا لطلب الحكومة، وحتى لو هدموا القرية سنقاومهم
ونعيد البناء، فقرية العراقيب هدمت 130 مرة وأعيد بناؤها 131 مرة. هذه البلدة صنعت
معجزة إذ إنها بنت مدرسة من إطار السيارات وحولوها إلى مدرسة فاعلة. وهذه القرية
محاصرة منذ سنوات. لقد تحمل أهلها الكثير ولم يتراجعوا. الهدف واضح هو فصل شمال
الضفة عن جنوبها وتطويق القدس بكاملها وبدء تنفيذ تطهير عرقي لأكثر من 40 تجمعا
بدويا، يليه ويتزامن معه تطهير عرقي شامل فيما يسمى المنطقة «جيم» التي تشكل 62%
من مساحة الضفة وهذا يعني تقطيع الوجود الفلسطيني إلى 240 جزيرة معزولة، وهذا هو
التطبيق الميداني لصفقة القرن.
عبد
الله صيام نائب محافظ القدس
هذه
المنطقة هي ما نطلق عليه (أي -1) وهي التي تربط بين القدس وضواحي القدس الشرقية،
والخان الأحمر يمثل بوابة القدس من الناحية الشرقية، والمقصود بالمعركة هنا القدس.
غطرسة القوة التي يمارسها الاحتلال لا حدود لها فهو ينفذ سياساته الاستيطانية
التوسعية ضد القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي، محتكما فقط إلى القوة الغاشمة.
إقامة مستوطنة هنا يعني عزل القدس تماما عن الفلسطينيين ليس بالجدار العازل فحسب،
بل بسلسلة من المستوطنات الجديدة التي تتيح لهم استجلاب عشرات الألوف من المستوطنين
الجدد، وبالتالي يكونون قد غيروا التركيبة الديموغرافية إضافة إلى الجغرافية
لمنطقة القدس. الاحتلال استغل وجود إدارة ترامب في البيت الأبيض، فسارع إلى تنفيذ
هذه الخطوات مستغلا الظروف المواتية في ظل هذه الإدارة. إنهم يترجمون على الأرض
قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. إنهم ينفذون صفقة القرن ميدانيا بحيث
يمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ومترابطة.
الشيخ
محمد أبو غالية قبيلة الجهالين
القرار
اتخذ وسيتم هدم القرية بالتأكيد. أتعرف لماذا تأخر الهدم عدة أيام لأنهم ينشئون
مدرسة من ألواح الزينكو قرب الكارافانات (الأكواخ القصديرية) بين بلدتي أبوديس
والعيزرية، حيث سيتم ترحلينا إلى هناك قرب مكب للنفايات. سيهدمون بيوتنا بالجرافات
ويرموننا هناك، حيث تقوم سيارات جمع القمامة بإلقاء حمولتها قربنا… ينتظرون يومين
أو خمسة أو عشرة لامتصاص هذه الضجة العالمية التي شجبت الهدم. وأقول لك إذا تم
تجريف هذه البلدة لن يستطيع عربي واحد أن يمر في هذه المنطقة التي تمتد من القدس
إلى معاليه أدوميم إلى جنوب أريحا والبحر الميت. على الجميع أن ينتبه لخطورة الوضع.
في
اليوم التالي أعلنت سلطات الاحتلال منطقة الخان الأحمر منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت
دخول قناصل كل من جنوب إفريقيا وإسبانيا وتركيا المنطقة، ومنعت دخول المتضامنين
الجدد إلى خيمة الاعتصام. إنها بداية تنفيذ القرار ونأمل أيضا أن تكون بداية لحراك
جماهيري عظيم ومتواصل ومتراكم إلى أن يكسر القرار، كما فعل المقادسة في شهر
يوليو/تموز 2017 عندما هزموا سلطة الاحتلال وأجبروها على إلغاء قرار نصب الكاميرات
الذكية والبوابات الإلكترونية على مداخل الحرم الشريف.
محاضر
في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي.
القدس العربي