نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لرئيس مكتبها في القاهرة سودرسان رغفان، يقول فيه إن الضربات الجوية الأمريكية تقوم بقصف تنظيم القاعدة في اليمن، إلا أن عناصره يقاتلون بضراوة.
ويشير التقرير ، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مقاتلي تنظيم القاعدة كانوا مستعدين وقد زرعوا الألغام عندما داهمتهم قوات تدعمها أمريكا، مكونة من مئات المقاتلين على متن شاحنات "بيك أب"، ومسلحين بالرشاشات الأوتوماتيكية، في الوقت الذي كان فيه متطرفو تنظيم القاعدة يرقبونهم وينتظرونهم في معقلهم الواقع بين الجبال الوعرة في جنوب اليمن.
ويلفت رغفان إلى أن أول انفجار دمر شاحنة، واستمرت القافلة في الدفع إلى الأمام، ثم جاء الانفجار الثاني خلال دقائق، حيث دمرت خمس شاحنات أخرى، وبدأ المتطرفون بإطلاق النار من أسلحتهم الثقيلة من مواقعهم المشرفة، بحسب ما ذكره خمسة شهود على كمين 10 أيار/ مايو.
وتنقل الصحيفة عن رؤوف سليم، البالغ من العمر 28 عاما، الذي أصابه قناص من تنظيم القاعدة في فخذه وخصيتيه، وتحدث من سريره في المستشفى، قوله: "لقد كانت هناك عدة مصائد.. لم يكونوا خائفين، لو كانوا خائفين لما قاتلونا بتلك الشراسة".
ويفيد التقرير بأن حدة الحرب الدائرة بين تنظيم القاعدة والمقاتلين اليمنيين المحليين زادت خلال السنة الماضية، وغالبا دون ملاحظة أحد، ودون تغطية إعلامية كبيرة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي أعير فيه كثير من الاهتمام لحرب أهلية يمنية منفصلة، يحارب فيها ثوار شماليون حكومة معترفا بها دوليا، فإن الحرب التي تشنها القوات اليمنية المدعومة من أمريكا ضد متطرفي تنظيم القاعدة تكثفت.
ويبين الكاتب أن أمريكا قامت في السنة الأولى من رئاسة دونالد ترامب بغارات جوية ضد تنظيم القاعدة في اليمن أكثر من الأعوام السابقة، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي قلت فيه الوتيرة هذا العام إلى الآن، إلا أنها أكثر مما كانت عليه في عهد الرئيس باراك أوباما، بالإضافة إلى أن هناك قوات أمريكية خاصة على الأرض، تقدم الاستشارات للمقاتلين الذين يحاربون تنظيم القاعدة، وترتب للغارات الجوية الأمريكية، وهو دور تنامى مع تصعيد الحملة الجوية ضد تنظيم القاعدة.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤولين في البنتاغون، قولهم بأن هذه الجهود نجحت في إضعاف تنظيم القاعدة في اليمن، الذي يعد أكثر فروع المجموعة المتطرفة فتكا.
ويستدرك التقرير بأنه في الوقت الذي تم فيه طرد المتطرفين من معاقلهم، فإن القوات اليمنية تعترف بأن المكاسب الأخيرة ضد تنظيم القاعدة غير ثابتة، حيث يقول المقاتلون اليمنيون الذي يقاتلون تنظيم القاعدة في المناطق النائية في محافظتي شبوة وأبين، إن التنظيم تحمل الغارات الجوية، ويبقى عدوا شرسا.
وينوه رغفان إلى أن المتطرفين صعدوا في الأشهر الأخيرة من عمليات الإغارة والهروب والانسحابات الاستراتيجية، وقاموا بموجة من التفجيرات والاغتيالات، واستهداف المسؤولين الحكوميين والقوات الأمنية وغيرهم، لافتا إلى أن الاشتباكات المكثفة استمرت لمدة يومين في جبال الخبر الشرقية في محافظة أبين، في أيار/ مايو، حيث اشتبك حوالي 500 مقاتل محلي ضد حوالي 30 متطرفا من تنظيم القاعدة، بحسب شهود عيان.
وتذكر الصحيفة أن خمسة مقاتلين محليين قتلوا، وجرح 19 بحسب مسؤولي المستشفيات، في الوقت الذي قتل فيه أربعة من المتطرفين، فيما فر الآخرون بعد أن تركوا خلفهم قناصين في عملية انتحارية لصد الأعداء.
ويشير التقرير إلى أن تنظيم القاعدة خسر حوالي نصف المساحة التي كان يسيطر عليها في اليمن في ذروة قوته في أواخر عام 2015، بحسب ما قاله عدد من المحللين الأمنيين، مستدركا بأن المتطرفين يبقون نشيطين في أجزاء من سبع محافظات على الأقل، بما في ذلك شبوة وأبين والبيضة وحضرموت، بحسب القوات المناوئة لتنظيم القاعدة، التي قالت إن مقاتلي تنظيم القاعدة ينشطون أحيانا في جنوب البلاد.
وينقل الكاتب عن رامي علي (25 عاما)، وهو مقاتل ضد تنظيم القاعدة شارك في المعركة، قوله: "أصبحوا الآن أكثر خطورة.. فهم ليسوا في مكان محدد أو منطقة، ولذلك فإنه من الصعب العثور عليهم، ويحاولون أن يجدوا أي فرصة للقيام بهجماتهم".
وبحسب الصحيفة، فإن الطريق المتعرجة الواصلة ما بين شرق أبين وشبوة مليئة باللافتات التي تمجد تنظيم القاعدة، وكتابة على الجدران تمجد أسامة بن لادن، وتحث على تطبيق القوانين الشرعية، فيما كتبت عبارة "الجهاد هو الحل" على جدار مسجد مطلي باللون الأخضر، مشيرة إلى أن هناك علما على جرف مرتفع يرفرف؛ علم تنظيم القاعدة الأسود والأبيض.
ويفيد التقرير بأن فرع تنظيم القاعدة في اليمن، والمعروف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، اعتبر لمدة حوالي عقد من الزمان من أخطر فروع تنظيم القاعدة، ففي عام 2009 حاول تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية تفجير طائرة مدنية متوجهة إلى ديترويت، وأرسل طرودا ملغمة على طائرات الشحن، لافتا إلى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أعلن مسؤوليته عن الهجوم على مجلة "تشارلي إبدو"، الذي ذهب ضحيته 11 شخصا.
ويذكر رغفان أن تنظيم القاعدة استغل في عام 2011 الفراغ الذي تسببت به مظاهرات الربيع العربي، التي أطاحت بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، فسيطر على مساحات كبيرة من جنوب اليمن، منوها إلى أن هجوما للحكومة اليمنية، بدعم أمريكي عام 2012، ساعد على طرد المتطرفين من عدة بلدات.
وتستدرك الصحيفة بأن الحرب الأهلية اشتعلت بعد ثلاث سنوات من ذلك، مع دخول التحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه أمريكا لمحاولة إعادة الحكومة، وإضعاف تأثير ايران التي تدعم الحوثيين، واستغل تنظيم القاعدة الفراغ الذي أدت إليه الحرب الأهلية للاستيلاء على أراض وأسلحة وأموال، وقام بالسيطرة على مدينة جعار وعاصمة محافظة أبين، وزنجبار والمكلا، خامس أكبر مدينة في اليمن، مشيرة إلى أن تنظيم الدولة المنافس أوجد لنفسه فرعا متواضعا في اليمن من مئات الأعضاء، معظمهم من المنشقين عن تنظيم القاعدة.
ويلفت التقرير إلى أن إدارة ترامب أعطت للجيش الأمريكي حرية أكبر في العمليات البرية والغارات الجوية، دون الحاجة للحصول على موافقة البيت الأبيض، منوها إلى أن أحد أفراد القوات البحرية الخاصة قتل في غارة فاشلة شمال أبين.
ويقول الكاتب إن القوات الجوية الأمريكية قامت بـ131 غارة جوية العام الماضي، أي ستة أضعاف الغارات الجوية التي تمت عام 2016، معظمها كانت ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مع أن 13 غارة منها كانت ضد تنظيم الدولة الناشئ.
وبحسب الصحيفة، فإنه مع أن الغارات الأمريكية ساعدت القوات اليمنية وحليفتها الإماراتية في استعادة الأراضي، إلا أنه لا يزال لدى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، حوالي أربعة آلاف مقاتل، بحسب دراسة لمجلس العلاقات الخارجية في وقت سابق من هذا العام.
ويبين التقرير أن القوات اليمنية التي تدعمها أمريكا حاصرت خلال المعركة لاسترجاع عزان، في شهر آب/ أغسطس الماضي، المدينة، ودخلتها بعد ثلاثة أيام من القتال، فيما قام مقاتلو تنظيم القاعدة المتبقون بمحاولة المقاومة، ولم يبق سوى قناصين على مدخل المدينة، بقيا يطلقان النار حتى قتلا.
ويورد رغفان نقلا عن قائد القوات اليمنية التي سيطرت على مدينتي عزان وحطة، محمد سليم، قوله: "هكذا يقاتلون.. يحاولون منع تقدمك لكسب الوقت ليهرب مقاتلوهم"، حيث تبنى المتطرفون استراتيجية مشابهة عندما قامت القوات اليمنية والإماراتية باستعادة المكلا عام 2016.
وتذكر الصحيفة أن محمد سليم ينتمي إلى قوات شبوة الخاصة، وهي مليشيا تم إنشاؤها محليا، مكونة من حوالي 3 آلاف مقاتل، لافتة إلى أن سليم كاد أن يموت في معركة حطة، بعد أن أصابه القناصة مرتين في خاصرته.
وبحسب التقرير، فإن محمد يعلق في خيمته المفروشة بالسجاد صورة لزعيم الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي تدعم دولته المليشيا بالمال والسلاح، وتحارب بعض القوات الإماراتية إلى جانب قواته، ويقول إن القوات الأمريكية الخاصة موجودة، وهي التي تطلب الغارات الجوية.
ويقول الكاتب إن العشرات من رجال محمد يقومون اليوم بحراسة عشرات الحواجز فيما كانت أراضي يسيطر عليها تنظيم القاعدة، مستدركا بأن تنظيم القاعدة لا يزال يسيطر على 4 مناطق نائية، حيث يستخدم مقاتلوه الجبال والكهوف للاختباء والتدريب، كما يحتفظ التنظيم بخلايا نائمة في المناطق "المحررة".
وتستدرك الصحيفة بأن ما يعيق القوات اليمنية هو استخدام تنظيم القاعدة للألغام والمتفجرات لإعاقة تقدم تلك القوات، حيث يقول محمد إنهم وجدوا ذات مرة 80 قنبلة في مختبر يعتقدون أن صانع القنابل الشهير في تنظيم القاعدة إبراهيم العسيري قد يكون هو من أداره، لافتة إلى قول محمد إن المصائد التي يزرعونها والكمائن هي أصعب العقبات التي تواجههم، حيث انهم "يستخدمون المتفجرات بطرق مبتدعة وخطيرة".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن ما يساعد تنظيم القاعدة أنه وفر خدمات لم توفرها الحكومة للمناطق التي كان يسيطر عليها، كما أنه يجد تربة خصبة للتجنيد في المناطق النائية في اليمن، التي تعيش فيها مجتمعات محافظة، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك مشاعر كراهية ضد أمريكا؛ بسبب دعمها لإسرائيل، وبغزوها للعراق وأفغانستان زادت تلك الكراهية، وما زادها أكثر هو الهجمات التي تقوم بها الطائرات دون طيار، التي قتلت العديد من المدنيين.