جدل كبير شهدته مصر خلال الساعات الماضية، بعد نشر الخبر المتعلق
بقانون جديد تمت الموافقة عليه في البرلمان من حيث المبدأ، وهو قانون يحصن بعض
القيادات العسكرية السابقة ويمنحهم ميزات الوزير وحقوقه الكاملة كما يمنح رئيس
الجمهورية حق إضافة أي مخصصات أخرى، إضافة إلى تحصين هؤلاء القادة من أي مساءلة
قانونية عن أعمال قاموا بها خلال فترة تعطيل الدستور، ويقصد بها الفترة التي أعقبت
3 يوليو 2013، إضافة إلى تحصينهم على المستوى الدولي بمنح من يسافر منهم خارج
البلاد حصانة ديبلوماسية تماثل رئيس البعثة الديبلوماسية المصرية في الخارج.
القانون كان مفاجئا، ولم يسبقه أي إشارات أو نقاش أو حوار على أي
مستوى سياسي أو برلماني أو حتى إعلامي، بل إنه ظهر فجأة وتم تمريره بسرعة البرق،
وتقريبا لم يستغرق ظهوره والموافقة عليه أكثر من يومين عمل، وهو ما فتح الباب أمام
تساؤلات عديدة عن أسباب ذلك، وقدم النائب البرلماني محمد أنور السادات رئيس حزب
الإصلاح والتنمية بيانا حوى عددا من التساؤلات، كلها مطروحة بالفعل في مصر الآن،
عن الأسباب الدافعة لهذا القانون، وهل هناك ما يقلق بشكل حال أو قريب فاستدعى أن
يتم إنجاز قانون بهذا الشكل وتلك السرعة، وفي بيانه أكد السادات أن هذه التساؤلات
التي يطرحها لا تحمل في داخلها أي نوع من التشكيك أو التقليل من الدور العظيم الذى
قامت به القوات المسلحة والشرطة ولا زالت في حماية أمن واستقرار الوطن. لكنها مجرد
تساؤلات تستوجب التوضيح حتى لا ندع الرأي العام في حالة من البلبلة والشائعات.
وقد
شملت التساؤلات تحديد هؤلاء القادة المقصودين، لأن القانون ترك المسالة فضفاضة،
ويحدد الأسماء رئيس الجمهورية وحده، كما تساءل السادات عن سبب عدم شمولية القرار
لصغار الضباط ممن شاركوا في الأحداث وكذلك ضباط الصف والجنود، لماذا اقتصر على بعض
القادة فقط، وكذلك لماذا اقتصر على قادة الجيش ولم يشمل قادة وضباط الشرطة ممن
شاركوا في الأحداث وهم أولى بالتحصين والحماية والتكريم، إن كان الأمر حسب ما قيل
نوع من التكريم.
والحقيقة أن ظهور هذا القانون بتلك الصورة أساء للنظام السياسي إساءة
بالغة، ولا أعرف من صاحب الفكرة بالضبط، ولكني أعتقد أنه أراد أن يجامل الرئيس
فتورط في إثارة القيل والقال، فمسألة التوسع في منح قادة عسكريين مخصصات الوزير
وزيادة لا تتسق مع خطاب رسمي يشتكي للناس قلة ذات اليد، وفقر الدولة، لأن التوسع
في بسط اليد هنا يعني أن الدولة غنية وتملك أن "تبحبح" على الناس،
فلماذا "تبحبح" على البعض وتبخل على عموم الشعب وتقدم له الوجه العابس
واليد المغلولة وادعاء الفقر وسوء حالة الاقتصاد، هل هذه المقارنات في صالح
مؤسستنا العسكرية التي نحترمها ونجلها بدون أي تكريمات مفتعلة، أم أنها تسيء إلى
المؤسسة وتضرب إسفينا بينها وبين الشعب بدون أي معنى ولا ضرورة.
أيضا،
مسألة الاستعجال على إخراج قانون يحصن القيادات من المساءلة القانونية غريب، لأن
القوانين لا توضع للتأبيد، فسوف تتغير حتما، وقوة نفادها مرتبط بالنظام السياسي
القائم، وأعتقد أنه -دون هذا القانون- يملك النظام أدوات عديدة لبسط الحماية بصورة
كافية وزيادة على هؤلاء القادة وغيرهم، وأما بعد تغيير الوضع السياسي، وحتما
الدنيا لا تدوم على حال، فالمؤكد أن من يأتي بعد ذلك سيغير ذلك كله، أيا كان
القانون، بل ربما يتقرب إلى الناس بمحو هذه القوانين، وقد حدث مثل ذلك بصورة طبق
الأصل في تجارب شهدتها بلدان أخرى في المنطقة، وجاءت حكومات أخرى بعد ذلك فألغت
القوانين السابقة المحصنة للقيادات، بل وقدمتهم للمحاكمة تقربا إلى الشعب الغاضب.
فالشاهد
أن مثل هذه القوانين تكون مؤقتة، وتذهب بذهاب الحالة السياسية القائمة، وبالتالي
فقيمتها رمزية ووقتية، والأبقى والأفضل أن تترسخ سياسات وإجراءات وعلاقات تعزز
مشاعر الاحترام بين جموع الشعب ومؤسسته العسكرية، بقوة الحب والاحترام والتقدير
وليس بقوة القانون، هذا أهم من أي قانون وأقوى من أي تشريع.
المصريون المصرية