قضايا وآراء

ذكرى 30 يونيو ومستقبل الاصطفاف والمصالحة

1300x600

لم تكن 30 يونيو 2013 نهاية التاريخ، ولا ينبغي لها أن تكون، لم تكن ثورة في ست ساعات، لم يخدش فيها ظفر مواطن، لكنها في أفضل الحالات كانت مجرد مظاهرات غلب عليها أعداء ثورة يناير، وإن لم تخل من المنتسبين لتلك الثورة المغدورة، خمس سنوات مرت على تلك النكبة التي قسمت المجتمع وجعلته شيعا يكره بعضه بعضا، ويحرض بعضه ضد بعض، خمس سنوات مكنت لحكم فاجر يسير بخطوات متسارعة نحو حتفه، وشعب غاضب لا يعرف أين وكيف يوجه غضبه، ومعارضة ممزقة لا تعرف كيف تلملم أشلاءها.

 

في الذكرى الخامسة لهذه النكبة التي ألمت بمصر لتذكرنا بنكبة سابقة حدثت في الشهر ذاته قبل 51 عاما حين انهزم الجيش المصري في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وظل المصريون يدفعون ثمن تلك الهزيمة من سيادتهم وكرامتهم وقوتهم وسعادتهم، وهو ما يتكرر مجددا مع نكبة يونيو 2013 التي يدفع المصريون جميعا سواء من شاركوا فيها أو من لم يشاركو ثمنها غاليا من سيادتهم وكرامتهم وقوتهم وسعادتهم أيضا، وإن كانت النكبة هذه المرة على يد عصابة عسكرية استأسدت على شعبها، بينما تنازلت عن أرض الوطن ومياهه وغازه لكل طامع.

 

كان المأمول بعد 5 سنوات من العذاب والغلاء والخيانة والقتل أن نشهد ثورة وعي تشمل كل من شارك سواء بحسن نية أو بسوء طوية، في تلك الجريمة بحق الوطن، لكن نفرا ممن "نظروا" و"فلسفوا" وحشدوا، وشاركوا لا يزالون في غيهم سادرون، غير مقدرين لما جنوه على مصر والمصريين، لا يفوتني التأكيد أن بعض من شاركوا في تلك اليلة الكئيبة شاركوا بحسن نية، وكمتظاهرين معارضين فقط لحكم الرئيس مرسي ومطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة، ورغم أنني أختلف مع مطلبهم غير الديمقراطي ضد رئيس أكمل بالكاد عامه الأول، إلا أنني لا أنكر حقهم في التعبير عن رأيهم بطريقة سلمية دونما إستدعاء للعسكر، لكن الغلبة الغالبة في 30 يونيو والتي كانت حشدا مصطنعا، وقفت خلفه كل مراكز الدولة العميقة وعلى رأسها المخابرات التي أسست حركة تمرد، وحصلت على تمويلات لها من الإمارات، فقد كانوا جميعا مجرد غطاء مدني للانقلاب العسكري الذي كانت خططه قد أعدت سلفا في أقبية المخابرات، وإن لم يعلم عنها الرئيس الشرعي للبلاد شيئا، لأن تلك الأجهزة لم تكن مخلصة للرئيس، ولم يكن الرئيس قد إمتلك الوقت والأدوات الكافية للخلاص العاجل منها.

 

على مدى العامين أو الثلاثة الماضية شهدت الحالة الثورية مراجعات للكثيرين، عبروا فيها عن ندمهم على المشاركة ولو بحسن نية في تلك المظاهرات التي أجهضت الحلم الديمقراطي الجنيني الذي أنتجته ثورة 25 يناير، وعبر عن هذه الحالة الفنان ياسر المناوهلي بأغنيته الشهيرة (طلعت قفة) وهي وصف مصري للمستغفلين، والمخدوعين، والتي سخر فيها من المشاركة فيما وصفه بالزفة والفخ، والتي شارك فيها أيضا مشبوهون (زومبي)، كما انتقد فيها النخبة الذين تحالفوا مع الفاسدين، كما أن منسوب الوعي لدى القطاعات الشعبية سجل درجات عالية، مكنتها من كشف الكثير من الأوهام التي ساقتها عصابة الانقلاب لتبرير جريمتها، ومكنتها من معرفة الكثير من الحقائق التي أرادت السلطة حجبها، ولكن الغريب هذا العام أن نجد دفاعا من بعض النخب عن تلك الكارثة، باعتبارها عملا شعبيا مشروعا، وهذا استحضار لجانب شكلي من المظاهرات، مع تجاهل المحرك والمنظم والراعي الرئيسي لها، والذي خطط من البداية لهذا المشهد ليشكل غطاء لانقلابه العسكري الذي أوصل مصر إلى حالتها الحالية، والذي تسبب في حبس أو تهجير الكثير من النخب نفسها التي دافعت عن تلك الخطيئة، وسوقت لها.

 

تزامن الذكرى هذا العام مع فوز الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتمية في الانتخابات التركية، كان مناسبة لكشف قطاعات من النخب الثورية التي أثبتت وأكدت كفرها عمليا بالخيار الديمقراطي، حيث أن هذه النخب لم تقتصر على رفض الخيار الديمقراطي الذي أنتجته ثورة يناير في مصر، ولكن هذا العداء امتد لرفض الخيار الديمقراطي في تركيا، ولم يجدوا حرجا في إعلان هذا الموقف على صفحاتهم، بالطبع هذا ليس موقف كل النخب فهناك من أعلن تقديره للتجربة التركية، وقبوله بنتائج الانتخابات، وتمنى أن نشهد مثلها في مصر مجددا.

 

هذا الموقف لبعض الرموز التي تصدرت المشهد يوما، وادعت امتلاكها للحكمة كان له جانبه الإيجابي أيضا، فقد كشف ملامح خريطة التحالفات الصلبة التي يمكن أن تتشكل، والتي يمكن أن تثمر عملا مشتركا حقيقيا بعيدا عن هؤلاء المعادين للديمقراطية، فالاصطفاف الصحيح لا يكون إلا مع المؤمنين بالخيار الديمقراطي أيا كانت نتيجته، والذين لم تتلوث أيديهم بدماء المناضلين، ولم يحرضوا على قتلهم، أما من باركوا القتل وفوضوا القاتل، ثم استمرأوا هذا الأمر، ولم يعتذروا عنه فمكانهم مع القاتل حتى وإن ادعوا معارضته.

 

وإذا كانت معركة الوعي قد حققت على مدى العامين الماضيين نجاحا معقولا في فهم حقيقة الأحداث، وهدم جدر الوهم، فإنها لم تصل بعد إلى المستوى الذي يحدث تغييرا، وهذه مهمة كل المخلصين لثورة يناير ومبادئها، وللحكم المدني الديمقراطي لاستكمال هذه المعركة، وتشكيل قيادة وطنية موثوقة توجه الجماهير إلى ما ينبغي فعله، ساعتها فقط يمكن لمصر أن تتخلص من كابوس الحكم العسكري. 

 

واجب الوقت الآن بعد خمس سنوات من تلك المصيبة أن نتحرك جميعا لعلاج الشرخ الكبير الذي أحدثته بين المصريين، والسعي الحثيث لإنجاز مصالحة مجتمعية تاريخية، تفسد خطة طغمة الانقلاب التي تدرك أنها لا بقاء لها إلا في ظل شعب ممزق، استنادا إلى المبدأ الاستعماري الشهير "فرق تسد"، هذه المصالحة المجتمعية تتوجه إلى الشعب مباشرة، بكل فئاته وطبقاته، وليس إلى نخب محنطة أو منحطة، كانت سببا بالأساس في تمزيق الشعب، وترويج الأكاذيب التي صاغت عقله، وبيع الأوهام التي بنى عليها موقفه، وإذا نجحت جهود المخلصين من كل الاتجاهات لتحقيق هذه المصالحة المجتمعية التي تتوفر شروط نجاحها حاليا، فإن إسقاط أو سقوط الحكم العسكري سيكون هو الخطوة الأسهل أمامها، ولن يحتاج جهدا كبيرا.