لو قُدِّر لأردوغان الهزيمة في تلك الانتخابات لتغيرت جميع الحسابات في المنطقة؛ سواء الدول أو المؤسسات أو التيارات أو الرموز أو الأفراد وكذا القنوات والمؤسسات الإعلامية والتعليمية، والفكرية والبحثية وغيرها، بل وتغيرت المعادلة السياسية في المنطقة بأسرها لصالح المفسدين والطغاة وأكابر المجرمين في المنطقة والعالم، ولكان النقاش اليوم منصبا على الوجهة التي يمكن الرحيل إليها، والوطن الذي يرضى باستقبال التائهين، وترتيبات الحياة، ولقمة العيش، وظروف الأُسر ووثائق السفر، ومشاكل لا تُحصى عدا، ولا تُتصور خطرا.
فإذا كان الله تعالى قد سلم اليوم من هذا المصير فماذا عسانا أن نفعل في الغد؟
ماذا عسانا أن نفعل إن خطف الأجلُ أردوغان، أو حتى إن طال بنا الزمان حتى نهاية تلك الولاية، أو تغيرت الأحوال بأي ظرف أو حادث؟
أما آن لنا أن نبحث عن آلية لاستنقاذ أوطاننا، أو ُصنع رؤية علمية لتحرير شعوبنا، أو صياغة لمخرج تتبناه المؤسسات والكيانات والقيادات والرموز لتخليص شعوبنا من العدوان الغاشم والاستعباد الآثم!!
فهل نعي أننا أمام فرصة ضيقة للتقدم طور البناء والانطلاق صوب الإنجاز والنجاح!!
أما آن لنا أن ندع الخلافات، ونترك المهاترات، ونتعالى على المشاحنات لنتفرغ للبناء الجديد، ونساهم في صناعة الحياة كما أراد الله تعالى!!
ـ إن السب والشتم والطعن في أنظمة الطغيان والفساد والاستبداد لا يكفي لتطهير البلاد من رجسهم، وإنما نحتاج إلى رؤية شاملة وعمل جاد لنفتح لأمتنا أبوابا ولشعوبنا مخرجا.
ـ إن نجاح تركيا لن يحرر بلادنا من الطغاة؛ وإن كان سيعطي للجميع فرصة جديدة للتحرك والفاعلية والبناء، لا يعلم مداها إلا الله.
وإن أي تضييع للوقت إنما هو تضييع للأمانة، وإهدار لمآسي القابعين خلف القضبان، والمطاردين في كل مكان، والمهاجرين الباحثين عن الأمان، والآملين في مستقبل يعودون فيه إلى الأوطان، ينتظرون حراك إخوانهم، وفكر رموزهم، ونجاح إعلامهم، وفلاح قياداتهم.
فواجب الوقت على كل المفكرين والنابهين من جميع الأقطار المنكوبة بالفساد، والمصابة بالاستبداد، أن يتعاونوا معا لوضع آلية للخلاص من نيران الاستعباد والاستذلال، ولَعمري إنها فرصةٌ سانحةٌ اليوم، لا تدري ماذا في الغد، فإن لم تكن المسارعة في الإنجاز والنجاح فستكون المسارعة إلى الانحدار والخسران.
وواجب الوقت على الأفراد والمؤسسات أن تقفز قفزاتٍ نوعيةً لتحقق نجاحاتٍ أفضل، وانجازاتٍ أشمل، وأن تعمق وجودها في المجتمع التركي، وأن توسع علاقاتها الخارجية لتتحول إلى منصات عالمية تؤثر في المجتمع، وتصنع الأجيال، وتبني الأفكار، وتنشر الوعي، لتكون بحق مؤسسات بناء وارتقاء.
إن الفرص لا تتكرر كثيرا، وإن سنن الله لا تحابي أحدا، وإن فوز أردوغان وحزبه نعمة من الله تعالى على الثورات العربية، وشكر هذه النعمة يتمثل في انطلاقة فتيّة نحو صناعة نجاحاتٍ حقيقية، وقفزاتٍ نحو الإنجاز نوعية، وفتح الآفاق لأجيال جديدة من المبدعين والملهمين والنابهين، ليحرثوا أرض الفساد، ويغرسوا أرض الأمل بفكر رائدٍ، وهمةٍ عالية، ورؤيةٍ ثاقبة.
إن البكاء على الأطلال لن يُطعم جائعا، والانشغالَ فقط بخطط الفساد لن يُحقق نصرا، والإسراف في حكاية أنواع المظالم لن يجدي نفعا، إنما وفقط العمل البناء في المجال العلمي، وتحقق الكفايات في الجانب الاقتصادي، والوصول إلى الريادة في الجانب الإعلامي، وحماية الأجيال في الجانب القيمي، وصناعة الكوادر والرموز في الجانب السياسي والإداري، واستشراف المستقبل ومراجعة الثوابت والمتغيرات في الجانب الشرعي، والتعاون الجاد والبناء في العمل الأممي.
هذا ما سيجعل للفرصة قيمة، وللأجيال أملا، وللمكروبين مخرجا، وللعلماء أثرا، فإن فعلنا ذلك فهو المراد والمأمول، وإن ضيعنا فدين الله بدوننا منتصرٌ، ورايته بغيرنا مرتفعةٌ، وكلمته بوعده باقيةٌ إلى يوم القيامة، ونوره بجلاله لا ينطفئ أبدا.
قال تعالى: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم. سورة محمد