موندياليات

انتهت الجولة الأولى من دوري المجموعات في مونديال روسيا 2018.. الإثارة كانت حاضرة خارج الملاعب وليس بداخلها. ورغم نسبة تسجيل الأهداف المقبولة حتى الجيدة، إلا أن هذا لا يعني الضرورة حضور الأداء الهجومي الذي تراجع لصالح الحذر، والتكتل الدفاعي الممل، بينما جاءت النجومية للحراس والمدافعين في ظل المردود المتواضع للاعبي الهجوم، خاصة النجوم منهم.

إذن الإثارة كانت حاضرة في المونديال، لكن خارج الملاعب في المدرجات، ورغم التوتر الذي طبع العلاقات الروسية مع إنجلترا ودول أوروبية أخرى عديدة، إلا أن هذا لم ينعكس على سفر الجماهير لروسيا، ولم يؤد إلى أي مقاطعة للمونديال على الصعيد الإعلامي والجماهيري، إضافة طبعاً إلى حرص السلطات الروسية الزائد، وحتى خروجها عن طورها لتقديم التسهيلات للمشاركين، وإخراج المونديال في أجمل صورة، حتى أن جهة سيادية روسية (على طريقة أنظمة الاستبداد التقليدية) أعطت أوامرها بالتعتيم على أي أخبار أو أحداث سلبية قد تخدش أو تؤثر سلباً على المونديال، بينما قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن موسكو طلبت من الاحتلال الإسرائيلي عدم قصف قواعد للاحتلال الإيراني في سوريا خلال فترة المونديال. وهذا يفسر ربما انتقال الضربات الهجمات الإسرائيلية إلى أقصى الشرق السوري، بعيداً عن الاحتلال الروسي وأماكن تواجده.

على المستوى الفني، يمكن الحديث عن عدة نقاط تتعلق بطغيان الجانب الدفاع وتراجع مستوى الفرق الكبرى، كما عن الأداء المخيب للفرق العربية ونجومية حراس المرمى خلال الجولة الأولى التي شاهدنا فيها كل الفرق.

جاء أداء المتتخبات الكبرى مخيباً، ولأول مرة في تاريخ المونديال تعجز منتخبات مثل البرايزيل وألمانيا والأرجنتين عن الفوز في الجولة الأولى مع أداء سيئ لمنتخب فرنسا، رغم الفوز الهزيل على أستراليا، بينما جاء أداء إسبانيا لافتا جداً رغم التعادل مع البرتغال طيلة 2016، ومع اعتبار إنجلترا من الفرق الكبرى، فقد قدمت أيضاً أداء جيداً، وهو ما ينطبق على بلجيكا التي حققت نتيجة كبيرة أمام بنما.

تراجع أداء المنتخبات الكبرى يعود بشكل عام لعدة أسباب منها الإرهاق بعد موسم طويل في الدوريات الأوروبية الكبرى، حيث يلعب معظم نجوم تلك الفرق، ومنها الطابع الدفاعي الصارم الذي غلب على معظم مباريات الجولة الأولى، وأخيراً التدرج في المستوى الذي شاع في الموندياليات الأخيرة، حيث يرتفع المستوى تدريجياً مع الانتقال إلى المراحل الحاسمة والنهائية.

بتفصيل أكثر، جاء أداء المنتخب البرازيلي عادياً، والفريق افتقد للحسم والإصرار، حتى مع التقدم على سويسرا مبكراً، كما عدم القدرة على العودة بعد هدف التعادل لسويسرا، رغم أنه جاء مبكراً جداً في بداية الشوط الثاني وامتلاك راقصى السامبا مساحة زمنية كافية من أجل الفوز.

برازيلياً، جاء مستوى نيمار عادياً مع الانتباه إلى أن هذه مباراته الرسمية الأولى منذ أربعة أشهر، كما لم يقدم زملاؤه الآخرون أفضل مستوياتهم، مع الانتباه إلى أن منتخب السامبا يعتبر الأكثر تكاملاً على مستوى الخطوط كلها (إضافة إلى أن إسبانيا) مع امتلاكه حارس مرمى وخط دفاع يضاهي في جودته الخط الأمامي الهجومي الناري.

منتخب ألمانيا أيضاً لم يقدم مستوى رفيعا، هذا جاء في الحقيقة متطابقاً مع التوقعات والمباريات الإعدادية الباهتة للمانشافت، رغم أنه أن كان يستحق التعادل على الأقل أمام المكسيك المجتهد والعنيد، إلا أن نقاط ضعف الألمان بدت واضحة وكبيرة في الثغرات، وحتى الشوارع الدفاعية، كما الافتقاد لمهاجم صريح هداف من الطراز الرفيع.

أداء الأرجنتين جاء ضعيفاً متساوقاً مع مسيرة المنتخب المتعثرة في التصفيات والمباريات الإعدادية، كما تبدت أيضاً الثغرات في الدفاع وحراسة المرمى، إضافة إلى الضعف الهجومي، رغم امتلاك ميسي وترسانة مهاجمين، ولكن مع الافتقاد إلى نسق أو تكتيك هجومي واضح وفعال.

وحدها إسبانيا من الفرق الكبرى والمرشحة قدمت أداء جيداً حتى أكثر من جيد، رغم الهزة وحت الزلزال الإداري الفني مع تغيير المدرب قبل 48 ساعة من انطلاق المونديال، إلا أن المنتخب قدم أداءا راقياً متجانساً فعلاً في مباراته الأولى أمام البرتغال التي استحق ألف فيها الفوز، حتى مع الأداء السيئ المفاجئ لحارسه دي خيا، الحارس الأول في الدوري الإنجليزي، وأحد أفضل حراس العالم.

فرنسا مثل العادة تملك فريقاً كبيراً مدجج بالنجوم، إلا أنها لا تملك مدرباً كبيراً، وهي عانت أمام أستراليا الضعيفة، لكن المجتهدة، والتخبط بدا واضحاً على الزرق فردياً وجماعياً، كما التشكيل وطريقة اللعب، ولولا الاعتماد على التكنولوجيا لما خرجت فرنسا فائزة ولا حتى متعادلة فى مباراتها الأولى.

إنجلترا هي الأخرى تملك فريقاً كبيراً، لكن مع مدرب عادي ودون خبرة كبيرة، وهي قدمت مباراة كبيرة أمام تونس، مع إعادة الاعتبار لطريقة اللعب 3-5-2، لكن مع نسق هجومي كاسح وانضباط دفاعي أيضاً بوجود لاعبين كبار فردياً وجماعياً أيضاً.

منتخب بلجيكا امتلك الخبرة اللازمة وبات من الفرق الكبرى، وهو قدم أيضاً مباراة كبيرة أمام بنما، بالاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخلف، ولكن مع اندفاع هجومي وترسانة مدججة، وبالتأكيد فإن البلجيك مؤهلين لعب دور الحصان الأسود بالبطولة.

نتائج المنتخبات العربية جاءت مخيبة جداً، وحده المغرب قدم أداء هجومياً لافتاً، وكانت تستحق الفوز أمام إيران، والتعادل على الأقل أمام البرتغال، وهي افتقدت لمهاجم صريح كبير بمستوى لاعبي خط الوسط لديها. أما مصر فقد امتلكت منتخب اً كبيراً، ولكن مع مدرباً جباناً وجامداً عاجز عن ابتداع الحلول التكتيكية في مجموعة ضعيفة وبالمتناول.

تونس قدمت أداء في حدود إمكانياتها، وهي تلك فريقاً متوسط مع مدرب معقول، ولكنها لعبت بروح عالية حتى مع الهزيمة المؤلمة مؤخراً أمام إنجلترا، وقد تلاشت فرصها عملياً في المنافسة في وجود المنتخب البلجيكي القومي بنفس المجموعة.

السعودية رابع المنتخبات العربية، وكما قال الخبير الضليع جوزيه مورينيو، فهو منتخب ساذج أتى من واقع مختلف، وهي غيرت مدربها ثلاث مرات فيأقل من سنة، أي منذ التأهل لكاس العالم ولاعبيها افتقدوا للقوة البدنية والوعي التكتيكي الذي يحتاج إلى سنوات من الجهد والعمل، كما قال مدربها الخبير والمجتهد الارجنتيني بيتزي.

أفريقيا، خيب المدرب النيجيري الأمال (مورينيو توقع تأهله لدور 16 برفقة المنتخب الأرجنتيني)، رغم امتلاكه مجموعة رائعة وشابة من اللاعبين مع مدرب ألماني كفء وخبير، وهو قدم الفوز على طبق من ذهب للمتتخب الكرواتي في مباراته الأولى، ومع ذلك ما زال يمتلك نظرياً فرصة للتأهل مع تقارب المستويات في المجمعة. أما المنتخب الأفريقي الآخر، السنغال، فقد قدم أداء متوازناً وذكياً أمام المنتخب البولندي، وهو يملك مجموعة متجانسة مع مدرب شاب جيد، وتوقع له مريني التأهل كأول للمجموعة التي تضم أيضاً كولومبيا واليابان.

في الأخير لا بد من الإشارة إلى ما قدمه منتخب بيرو بقيادة مدربه الأرجنتيني الجريء جاريكا، حيث قدم مباراة هجومية رائعة، لكنه عجز عن التسجيل أمام الدانمارك في مواجهة التألق الكبير للحارس شمايكل الابن الذي حطم رقم والده في الاحتفاظ بشباكه النظيفة، وأكد من جهة أخرى، برفقة حارس المكسيك والحارس المصري والحارس الآيسلندي، أن هذه البطولة قد تكون بطولة الحراس، في ظل تراجع المهاجمين وتحديداً الكبار منهم، باستثناء رونالدو الذي قدم مستوى ممتازاً في المباراتين، رغم تراجع الأداء الجماعي للمنتخب البرتغالي الذي لم يظهر مستوى كبير ومنسجم على المستوى الجماعي، كما كان الحال عندما فاز ببطولة أوروبا الماضية بفرنسا.