قضايا وآراء

روح الربيع العربي باقية

1300x600


ليس بالضرورة أن تشترك جميع الحراكات العربية بنفس التعبيرات،حتى وإن كانت مرجعيتها واحدة، تحدي الظلم والتهميش، بل انه من الطبيعي أن تكون هناك تعبيرات جديدة تظهر بوصفها نتاج خبرة ومشاهدة عيانية يومية ومراجعة تصحيحية لأخطاء ثبت مدى ضررها وتأثيرها، لكن أليست هي ريح الربيع العربي التي تهب شرقاً وغرباً؟.

في الأردن والمغرب وفلسطين، وأقل درجة في العراق، حركات مطلبية واحتجاجية وثورية، اتخذت كل واحدة منها أشكال وتعبيرات عديدة، عكست ظروف المرحلة، وفهم النخب القائدة للمتغيرات وظروف البلاد، كما أكدت إستبطانها وفهمها العميق لسنوات المخاض العربي السابقة، ما دفع هذه الحراكات إلى وضع خرائط طريق واضحة لتحركها وتركيزها على مجالات معينة حتى لا يتم استنزافها ضمن مساحة واسعة من ساحات الاشتباك مع السلطات ذات الخبرة الهائلة في إدارة مثل هذه الحراكات ودفعها إلى نهاياتها وتدفيعها الثمن.

معناش: عنوان الحراك الأردني وشعاره الأساس احتجاجا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها الحكومات الأردنية في السنوات الأخيرة، ونتيجة هذه السياسات ارتفعت بدرجة كبيرة حدّة الفقر وتراجعت الطبقة الوسطى، وزاد الأمر سوءاً مع استمرار هذه الحكومات إثقال كاهل المواطن بالمزيد من الضرائب ورفع أسعار المواد الأساسية.

ورغم وضوح المشكلة، غير انه لم يكن من يتصوّر أن تكون الاستجابة لها على هذه الشاكلة، ويبدو أن ثمة في المطبخ الحكومي من راهن على هذه المسألة، ذلك أن الأردن الذي راقب وعاين ثورات الربيع العربي، وضربت الانقسامات ساسته ونشطاءه، لا بد أن يكون حذراً إلى درجة الشلل، وأن الشارع الأردني قد يتململ ويتأفف لكنه لن يخرج عن حدود الاعتراض الصامت، فما الذي يمكن فعله والدم السوري في الجوار ما زال ساخنا؟.

خليه يريب: شعار المقاطعة المغربي الأشهر في وجه شركات الاحتكار، من الحليب إلى المياه المعدنية، وحتى شركات الوقود، وجاءت حركة المقاطعة كجزء من حراك مستمر في المغرب منذ سنة 2016 اتخذ تعبيرات عديدة شملت التظاهر والإضراب والمقاطعة، في مواجهة سياسات اقتصادية واجتماعية عملت على تهميش فئات وقطاعات سكانية كبيرة بانحيازها لأصحاب الثروات وبذريعة تشجيع رؤوس الأموال على الاستثمار في البلاد.

في الحالتين الأردنية والمغربية كانت ردود الفعل الشعبية خلاقة ومبدعة، خاصة لجهة استقطابها لنسب كبيرة من المتعاطفين مع المطالب التي رفعتها هذه الحراكات، أو بالنسبة لنتائجها المذهلة في دفع السلطات إلى التنازل أمام هذه الحراكات، كما أنها استخدمت أدوات من خارج الصندوق الذي عرفت السلطات العربية كيف تفك شيفرتها وتجهضها قبل نضوجها وتحقيق مطالبها، أو تحرفها عن أهدافها الأساسية، كما حصل في سورية ومصر بذريعة أنها ليست سلمية وإرهابية.

وفي فلسطين، كانت مسيرات العودة نمطاً جديداً من تعبيرات الحركات الثورية، بعد زمن حاولت فيه إسرائيل تصدير نمط للنضال الفلسطيني مختزل باستخدام الصواريخ، من قبل حماس والجهاد الإسلامي، التي تستهدف " أبرياء" المستوطنات العنصرية، وقد نامت إسرائيل سنوات طويلة على هذه الرواية المريحة، وهو ما وضع الذهنية الأمنية والإعلامية الإسرائيلية  في مأزق انعكس على أداءها الدبلوماسي، وظهرت رواية الإرهاب الفلسطيني مترهلة وغير قابلة للتسويق في الخارج.

وفي الحالتين الأردنية والفلسطينية، شاركت قوى وتيارات متعدّدة ومختلفة، بعضها ناصر الربيع العربي وتعاطف مع الثورات في مصر وسورية، وبعضها عاداها واتهمها بالمؤامرة والرجعية، لكن ما من شك أن روح الربيع العربي كانت حاضرة بقوة لدى جميع الأطراف المشاركة في تلك الحراكات، واذا كان الفلسطينيون يمتلكون خبرة واسعة في مجال التمرد ضد سلطات الاحتلال، كما هم الأردنيون لديهم تراث كبير في معارضة الحكومات وإسقاطها، إلا أن الحراكات الجديدة ترتبط عضويا بالربيع العربي لانطلاقها من فكرته التي ترفض الظلم وتعمل على ترجمة هذا الرفض بأساليب خلاقة وجديدة.

تتغير التعبيرات وتختلف ردات الفعل، لكن روح الربيع العربي لم تمت بعد، على ما حاول البعض إيهامنا وإيهام انفسهم، فما دام هناك شارع عربي ما زال يبدع طرقاً جديدة للتعبير عن روح التمرد والرفض، وما دام هناك من بات قادراً على مواجهة تكتيكات الأنظمة وتفنيد ألاعيبها وإجبارها على التنازل بأكلاف بسيطة، وما دام أن المذبحة السورية لم تشكّل عقدة أو متلازمة للجماهير العربية وتمنعها من المطالبة بحقوقها، فروح الربيع ما زالت حية.