قال الكاتب الإسرائيلي
بصحيفة مكور ريشون، يائير شيلغ، إن "عالم الديموغرافيا اليهودي أرنون سوفير
الذي يحظى بتأثير كبير على دوائر صنع القرار في إسرائيل لتصميم هويتها وصياغة
حدودها، يرى أن الحرب الأكبر والأخطر مع الفلسطينيين هي البعد السكاني
الديموغرافي، لأن ما يصفها "دولة تل أبيب" تعيش تحت خطر التهديد الذي
يشكله العرب البدو في إسرائيل".
وقال شيلغ في حواره
المطول مع سوفير، وترجمته "عربي21"، إن "سوفير 83 عاما، يحظى
بعلاقات وثيقة مع كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي وقيادات سياسية وأمنية وازنة، ممن
كانوا تلاميذه على مقاعد الجامعة أو الدورات التدريبية داخل الجيش والحكومة، يمثل
نموذجا لعلاقة الأكاديمي مع السياسي في إسرائيل، فبعد أن أنهى مهامه الأكاديمية
والسياسية والعسكرية، بما فيها التدريس بجامعة حيفا، فقد واصل إلقاء المحاضرات
والتدريب أمام رجال الأمن والجيش، حتى بات من أكثر المؤثرين على السياسات
الإسرائيلية بمختلف المجالات خلال العقود الماضية، بسبب تخصصه الدقيق في
الديموغرافيا السكانية، وينظر إليه من كبار العقول والأدمغة التي تستشرف مستقبل
المخاطر على إسرائيل".
حقيبة الخرائط
يقول سوفير إنه
"قبل اندلاع حرب الخليج الأولى 1991، توجه إليه عدد من جنرالات سلاح الجو
لاستشارته حول أي الأماكن أفضل لمهاجمتها في العراق في حال تورطت إسرائيل في
الحرب، وخلال اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 في الضفة الغربية وقطاع غزة تشاور
معه جنرالات الجيش حول كيفية الاستفادة من الأبنية المزدحمة في مناطق الفلسطينية،
والقتال فيها، السلبيات والإيجابيات، انطلاقا من معطيات جغرافية ومساحية ميدانية،
حيث اتصل به أحد الضباط ذات يوم وهم عالقون في مخيم بلاطة بمدينة نابلس، والمسلحون
الفلسطينيون يطلقون النار عليهم، فأشرت عليه على الفور، قم بتكسير الجدران الواصلة
بين المنازل، واخرج للجهة المقابلة من هذه المنطقة السكنية، لن تجد المسلحين هناك".
يقول شيلغ إن
"الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه قبل سبعين عاما نشأ فيه 210 من حملة لقب جنرال،
تتلمذ على يدي سوفير 80 منهم، ويحتفظ حتى اليوم بعلاقات وثيقة معهم، حتى بعد أن
أنهوا مسيرتهم العسكرية والأمنية، وقد حصل على العشرات من خرائط الشرق الأوسط وشرق
أفريقيا، واحتفظ بها، وكان يطلب من طلابه "الجنرالات" تحليلها وتشريحها،
وإظهار المخاطر والفرص الكامنة فيها، للاستفادة منها وقت الحاجة".
يرى سوفير أن
"التهديد الأكبر على إسرائيل هو الميزان الديموغرافي بين اليهود والعرب داخل
حدود إسرائيل، فضلا عن المناطق المزدحمة المكتظة بالسكان في النقب والجليل، وهذا
الميزان الديموغرافي يجب أن يحدد معالم حدود إسرائيل النهائية، أكثر من الاعتبارات
الأمنية، ولذلك فهو مستعد لتلقي خطط من أقصى اليمين لأقصى اليسار، المهم أن تخدم
الأغلبية اليهودية، وتحافظ عليها، ويدعم إقامة دولة فلسطينية وانسحاب من معظم
مناطق الضفة الغربية، تماما كما يدعم ضخ المزيد من اليهود في مناطق الجليل والنقب".
المخاطر السكانية
وأضاف أنني "أدرك
أن تقسيم إسرائيل اليوم غير عملي، وطالما لا نريد أن تسيطر حماس على الضفة
الغربية، فهل يكون البديل الاحتفاظ بها مائة عام أخرى، ولذلك أرى أن هناك فرصة
للانسحاب من بعض مناطق الضفة، وفي الوقت ذاته ليس هناك داعيا للاستيطان خارج
التجمعات الاستيطانية الكبرى، بل يجب ضمها، ولكن ليس كل مناطق سي، لأن التواصل الجغرافي
الفلسطيني حينها لن يكون قائما، حتى أن القدس ينبغي تقسيمها، فليس لدينا مصلحة في
البقاء مسيطرين على بلدة صور باهر".
على المدى البعيد،
يعتقد سوفير أنه "من الناحية السكانية الديموغرافية فإن بقاء عرب إسرائيل
داخل حدودها يشكل خطرا عليها، لأنهم سبق أن هاجموا اليهود بأكثر من مناسبة، محظور
أن نسمح لهم بالتمدد المساحي الجغرافي، لأنهم قد ينضمون لأعدائنا الفلسطينيين في
الضفة الغربية، ويطالبون بحكم ذاتي لهم، أو حتى دولة مستقلة خاصة بهم، لذلك يجب
الحرص على توفير أغبية يهودية في النقب والجليل، لأن لدي مخاوف أن نكون قد فقدنا
النقب من الناحية العملية، علماً بأني سبق أن عرضت التنازل عن النقب كالضفة
الغربية، كي لا يتم تعريض الميزان الديموغرافي اليهودي للخطر داخل إسرائيل".
سوفير يعتبر
"صاحب نظرية توزيع سكن العرب داخل إسرائيل، وإقامتهم بمناطق متفرقة، حتى
اتهمه البعض بأنه يشوه المنظر الطبيعي الجمالي للجليل، ولكن حين اندلعت أحداث
أكتوبر 2000 بين عرب إسرائيل والشرطة، اتصل بي أحدهم، قائلا: بفضك احتفظت إسرائيل
بالجليل، بعد أن كانت خشية من انضمام باقي العرب للمظاهرات العارمة ضد الشرطة".
يبدي سوفير
"معارضة واضحة لخطط الترانسفير ضد الفلسطينيين التي تطرحها الأحزاب اليمينية،
لأننا نفذنا مثل هذا التهجير عام 1948 ضدهم، والعالم سامحنا، لأننا خرجنا حينها من
المحرقة بعد ثلاث سنوات، ومع ذك فقد أثبتت السنوات والعقود أن هذا الترانسفير لم
يحل لنا المشكلة الفلسطينية، كما أننا لن نجد دولة مستعدة لقبول هؤلاء المطرودين
المهجرين، إسحق رابين رئيس الحكومة الأسبق لم ينجح في 1992 بنقل 400 من قادة حماس
إلى لبنان، فكيف والحال بطرد مئات الآلاف منهم، العالم ينتظر منا أن نرتكب هذه
الحماقة".
يشيد سوفير
"بالخطة التي قام بها أريئيل شارون في 2005 بالانسحاب من قطاع غزة، حيث التقى
به قبل تنفيذ خطته، وتناقشا معا حول خيارين تجاه الفلسطينيين: رسم مسار جدار الفصل
في الضفة الغربية، أو الانفصال عن الفلسطينيين، وقبيل الإعلان عن خطته في 2003 طلب
مني شارون الذي أعرفه منذ 1988، إحضار الخرائط التي بحوزتي، وجلسنا نتناقش ومعنا
رئيس الموساد السابق مائير دغان".
مقبرة غزة
يقول سوفير إنه
"رغم استمرار إطلاق الصواريخ من غزة، وحفر الأنفاق، وجولات الحروب مع حماس
بين عام وآخر، لكني لست نادما أني دفعت شارون للانسحاب من غزة، أنا سعيد أننا
خارجها، هل تذكر حين كان الجنود يبحثون عن شظايا أجساد رفاقهم في محور فيلادلفيا
صلاح الدين جنوب القطاع، بعد عمليات حماس التفجيرية، حين خرجنا من غزة كان فيها
مليون نسمة وزيادة، اليوم باتوا مليونين، هل تتصور أنهم كانوا سيسمحون لليهود
بالحياة بصورة طبيعية داخل القطاع المكتظ".
وأضاف أنني "أنقذت
بهذا الانسحاب حياة آلاف اليهود، داخل القطاع وخارجه، رغم أني تفاجأت من انسحاب
شارون من المستوطنات الثلاثة في قطاع غزة، القريبة جدا من حدود إسرائيل وهي:
نيسانيت، دوغيت، وإيلي سيناي، لكنه اعتقد أنه بهذا الانسحاب للخطوط الدولية سيحظى
بدعم العالم".
يقول سوفير إنه
"في 2010 تم دعوتي لاجتماع للحكومة الإسرائيلية، وتحدثت أمامهم عن أزمة
المياه القادمة في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، والمخاوف من جفاف نهر النيل، حيث
سيتوافد آلاف الأفارقة إلى ما يعتبرونها الدولة الغربية القريبة منهم وهي إسرائيل،
فعرضت على الحكومة إقامة جدار أمني على طول الحدود المصرية، بنيامين نتنياهو وافق،
وعرض المقترح على التصويت فحظي بالموافقة الجماعية من الوزراء، ثم اصطحبت معي
مساعد رئيس الأركان بيني غانتس وقائد المنطقة الجنوبية تال روسو ورئيس جهاز
الشاباك يورام كوهين، وجلسنا سويا نفكر ماذا نفعل، وبالفعل خلال عامين تم إقامة
الجدار على حدود مصر".
سوفير يقول: "لا
أرى أن الديموغرافيا تهديد واحد وحيد يهدد إسرائيل رغم خطورتها، فهناك قضايا
أخرى تشكل خطرا عليها كتبتها في مذكراتي، كفيلة بتدمير المجتمع الإسرائيلي، منها
تراجع الحصانة القومية، التي تتجسد في ظاهرة مغادرة الإسرائيليين من زملائه
الأكاديميين الذين يطرقون أبواب السفارات الأجنبية، رغم أننا أمام فئة قوية وصلبة
تغادر إسرائيل، لدي ثمانية أحفاد كلهم في إسرائيل لكني أفكر ما الذي يجعلهم
وأبناءهم يبقون هنا، ولا يغادرون".
جملة التهديدات
تهديد آخر على إسرائيل
رآه سوفير يتمثل في "مظاهر التدين المتزايدة بين اليهود تقلقني، لأنها ستشكل
أداة ضغط على العلمانيين لمغادرة الدولة، أنا قلق أكثر من تزايد المظاهر الدينية
في الدولة، واعتبار المعسكر الديني اليهودي أنه الوصي على الدولة".
وأضاف أن
"الأوضاع في النقب والتمدد البدوي ظاهرة مقلقة، لأن الشرطة لا تسيطر عليهم،
فحين قامت إسرائيل في 1948 كان فيها عشرة آلاف بدوي، اليوم هناك ربع مليون، وبعد
عقدين سيتضاعف العدد أكثر من ذلك، هناك آلاف البدو يهربون من النقب شمالا باتجاه
تل أبيب، وهذا خطر".
وواصل سرد مخاوفه على
مستقبل الدولة أنه "ليس معقولا بعد سبعين عاما على تأسيسها أن تكون 12% من
مساحة إسرائيل الكاملة، يقطن فيها فقط 2-3% من السكان، لأن الازدحام الحاصل في
تواجد اليهود في بقعة جغرافية واحدة داخل إسرائيل هو تهديد جدي، ويؤثر سلبا على
المشروع الصهيوني، نحن في تكاثرنا الطبيعي نعتبر دولة من العالم الثالث، وفي مستوى
حياتنا فنحن دولة رفاهية من العالم الأول، ولذلك فإني أقترح إقامة جزر مائية في
البحر،، والبناء العلوي وتحت الأرض".
يستمر سوفير في سرد
مخاوفه على مستقبل إسرائيل بقوله أن "التغييرات المناخية في العالم خاصة في
الشرق الأوسط، والتمدد الصحراوي على حساب المناطق الخضراء، سيؤثر على إسرائيل
سلبا، حيث ستكون الأجواء حارة والجفاف أكثر، وستنشأ حرائق".
لكن الخطر الأكبر الذي
يراه سوفير على إسرائيل يتمثل بأن "أعداءنا المحيطين بنا، المعادين لنا،
سيستمرون في محاولات الوصول إلينا، لأن القلاقل الإقليمية تقلقني كثيرا، فمنذ
إقامة إسرائيل كانت هناك أربع دول تهددها: مصر، الأردن، سوريا، ولبنان، اليوم نحن
أمام عشرات المجموعات المسلحة المرتبطة بالإسلام، وترى في إسرائيل عدوة لها".
وختم بالقول إنني
"متشائم جدا حول مستقبل إسرائيل أكثر من التفاؤل، قبل سنوات ألقيت محاضرة
لضباط جهاز الأمن العام الشاباك، أغلقت الباب، وقلت لهم: إذا واصلت الدولة عملها
بالسياسات القائمة، فإنها في طريقها للخراب، وهذه مسألة وقت ليس أكثر، الكثير من
الناس الجيدين لن يبقوا هنا، لقد مررنا بالكثير من الأزمات التي خرجنا منها، وكانت
أخطر بكثير مما نحياه اليوم، لكن في السابق كانت هناك ثقة وإيمان بالمشروع
الصهيوني، اليوم لا".