اعترف جنرال إسرائيلي بعدد من الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل خلال تعاملها مع حركة حماس في السنوات الماضية، أهمها أن الحكومة في كل الحروب السابقة، وآخرها في 2014، لم تذهب إلى حد الإطاحة بالحركة في غزة، بل كانت تطرح في كل مداولة رسمية: نريد عنوانا مسؤولا في غزة، وفي الوقت ذاته نسعى لأن تكون حماس ضعيفة ومردوعة، وإلا فإنها ستتحضر للدخول بمواجهة جديدة معنا في قادم الأيام".
وأضاف
عاموس يادلين، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن "حماس
يجب أن تفهم أنها في حالة تجاوزها خطوط إسرائيل الحمراء، فإننا سنعمل على الإطاحة
بها، ولن نتأسف عليها".
احتلال غزة غير وارد
وقال
يادلين، في مقابلة مطولة مع صحيفة معاريف ترجمتها "عربي21"، إن "إسرائيل تعيش اليوم في مرحلة تاريخية لم تشهدها
منذ سبعين عاما منذ تأسيسها، فهي تملك قوة عسكرية ساحقة، ولديها حليف لم تعرف
مثيلا له من قبل في البيت الأبيض، وتربطها علاقات جيدة مع الدول العظمى في العالم،
واتفاقا السلام مع الدولتين العربيتين مصر والأردن مستقران، بجانب علاقات غير
رسمية مع بعض دول العالم العربي، ما يعني أنها في وضع استراتيجي جيو-سياسي متين".
واستدرك
قائلا إن "كل هذه الميزات التي تتمتع بها إسرائيل لم تساعدها في حل مشاكلها
الأمنية المركزية: التهديد الإيراني، القوى الإقليمية الداعية لتدمير إسرائيل،
الصراع الدامي مع الفلسطينيين، وقد توقعنا أن تندلع مواجهة عسكرية ضارية خلال هذا
العام على واحدة من الجبهتين الشمالية مع لبنان، أو الجنوبية مع غزة، رغم القوة
العسكرية التي بحوزتنا، ورغم ذلك فقد بذلت إسرائيل جهودا كي لا تقع مثل هذه
المواجهة، حتى الآن".
يادلين،
الطيار المخضرم، طار أكثر من 4200 ساعة طيران، ونفذ 250 طلعة جوية هجومية، وأشرف على طياري النخبة، منح رؤيته للوضع في غزة والعلاقة مع حماس
حيزا كبيرا من هذه المقابلة، قائلا إن "الإسرائيليين في نظرتهم للوضع في قطاع
غزة، يفضلون دائما الحلول الأكثر تطرفا، فإما أن يعملوا ضد حماس من خلال الجو، أو
إعادة احتلال غزة كليا".
ورأى أن "هناك العديد من الوسائل العسكرية التي يمكن من خلالها إسقاط حكم حماس دون الاضطرار لاحتلال القطاع من جديد، لكن المشكلة تكمن في أن الحكومة الإسرائيلية ليس لديها حتى الآن قرار بإسقاط حماس في غزة، وعدم الإعلان هذا يمنح الحركة هامشا لأن تمارس ضغوطها علينا".
تعادل استراتيجي
وأشار إلى أنه قدم اقتراحا في 2014، "وما زلت أعلنه اليوم، أن نذهب باتجاه خطوات قوية ومؤلمة كفيلة بإسقاط حماس، بحيث يمكن اللجوء لضربات جوية وبرية تجبي منها أثمانا باهظة ومكلفة، وتعمل على وضع سلطتها في مرحلة الخطر، بجانب تفعيل عمليات الاغتيال لقادتها، واستهداف مقدرات جهازها العسكري، والقيادات الميدانية، فضلا عن عملية برية كبيرة مكلفة لحماس، وخطوات أخرى لم تتخذها إسرائيل من قبل".
وأكد
يادلين، الذي قاد سلسلة مسؤوليات ومواقع قيادية في سلاح الجو، ثم تسلم جهاز
الاستخبارات العسكرية "أمان"، وكان أحد أقطاب دوائر صنع القرار في تل
أبيب، حين اندلعت حرب لبنان الثانية 2006، ومهاجمة المفاعل النووي السوري 2007، وحرب
الرصاص المصبوب في غزة 2008، أن "حرب الجرف الصامد في غزة 2014 يمكن وصفها
بأنها تعادل استراتيجي، فحماس المنظمة المعادية، الضعيفة نسبيا، احتجزت دولة
إسرائيل، وجعلتها رهينة لها طيلة أسابيع تحت القصف الصاروخي".
وشرح
قائلا إن ذلك "حصل بسبب تقديرين خاطئين، أولهما أن حماس معنية بوقف إطلاق
النار بأي لحظة، وهو ما لم يحصل، والثاني أننا اعتقدنا أنه من المحظور الوصول لمرحلة
إسقاطها كليا في غزة، فلم نعمل على تفعيل القوة النارية الكافية والقدرات الجوية
والبرية التي تجعلها تترجى وقفا لإطلاق النار بفترة زمنية أكثر تبكيرا، بدلا من
الخمسين يوما".
الحوار مع حماس
وأوضح أن "إجراء حوار سياسي مع حماس أفضل منه عبر المدفعية والصواريخ، لكن الحركة طلبت في السابق التوصل مع إسرائيل إلى هدنة بتنازلات منا أكثر بكثير مما طلب أبو مازن في اتفاق سلام دائم، ومع ذلك يمكن إجراء مفاوضات غير مباشرة مع حماس، لكننا حين سنصل القضايا المحورية فإن المفاوضات ستنفجر بسرعة".
وشرح
قائلا إن "هناك عدة أسباب كفيلة بإفشال أي مفاوضات بين حماس وإسرائيل، أولها
الرهائن الإسرائيليين والجثامين التي تحتجزها حماس في غزة، فإسرائيل مستعدة لدفع
أثمان لاستعادتهم، لكن ليس كما تطلب حماس، الفجوة بيننا كبيرة، ومن الصعب جسرها،
ولذلك فإن نسبة التوصل إلى اتفاق مع الحركة منخفض".
ثاني
هذه الأسباب، كما ذكرها يادلين، تتمثل في القوة العسكرية لحماس، فـ"إسرائيل مستعدة
للمساهمة في إعادة إعمار غزة، شرط أن توافق الحركة على نزع سلاح القطاع، أنا متأكد
أن حماس لن توافق على التخلص من سلاحها، أنا لست ضد الهدنة، لكننا إذا دخلنا للتفاصيل،
فسنرى أن إمكانية تحقق ذلك ضعيفة ومتواضعة".
يادلين
استدرك قائلا إنه "ربما تحصل هدنة قصيرة بمساعدة من المصريين والأوروبيين،
لكن يجب فحصها جيدا دون أخطاء، وبعيون مفتوحة، وإلى حين تحقق ذلك فإن إستراتيجيتنا
تقوم على أن قطاع غزة كيان معاد، انفصلنا عنه، ولم نعد مسؤولين عما يحصل فيه، الإستراتيجية
التي أنصح بها أن تكون "هدوء مقابل هدوء"، صحيح أن هذا لا يحل المشكلة
من جذورها، إلا أنه يجب العمل على تخفيض فرص الدخول في مواجهة عسكرية جديدة كل ثلاث
سنوات".
وأشار
أنه "على المدى البعيد يجب العثور على حل سياسي يربط قطاع غزة مع الضفة الغربية،
وإن كان مثل هذا الحل لا يحظى بقبول كبير في الحكومة الإسرائيلية، لأنها تفضل
التعامل معهما كل على انفراد، لكن للأسف لا يبدو أن هناك حلا في الأفق؛ لأن اتفاق
أوسلو جلب الانتفاضة الثانية بأكثر من ألف قتيل إسرائيلي، والانسحاب من غزة جلب
القذائف الصاروخية والأنفاق".