أتيحت لي الفرصة بلقاء العديد من الشباب المشاركين في الاحتجاجات
بالقرب من الدوّار الرابع، وإجراء حديث وحوار طويل معمق، على هامش الاعتصام الذي
تابعته أول من أمس، كما التقيت بمواطنين آخرين من مناطق مختلفة جاؤوا إلى عمّان
لإيصال رسالتهم السياسية.
الحضور متنوع ومتعدد، من الشباب المعولم وطلاب الجامعات والطبقة
الوسطى وأبناء المحافظات، الذين قرّروا نقل احتجاجهم إلى عمّان والانضمام إلى
الرابع، منذ مساء الأربعاء، وهناك خليط كبير من الكبار والشباب والصغار، ونسبة
كبيرة منهم لم يسبق لها أن عملت في المجال السياسي، ونسبة معتبرة من أبناء الحراك
الشعبي 2011.
التقيت بموظف من مخيم البقعة لديه 4 شباب خريجو جامعات عاطلون عن
العمل، وآخر من السلط أنهى جامعته منذ 12 عاما، وحاول فتح تجارة صغيرة، لكن الركود
في السلط لا يساعده على النجاح، وآخرين من حيّ الطفايلة والزرقاء وإربد، ومجموعة
من الشباب المنظّمين المتميزين، الذين عملوا على صوغ المطالب الاقتصادية ووضعها
ضمن أولوية حزمة الإصلاحات المطلوبة.
هذا الحشد الكبير الاحتجاجي يجمع بينهم الغضب والسخط على الوضع
الحالي، والشعور بخيبة أمل كبيرة تجاه السياسات، والأهم عدم وجود رسالة مقنعة من الدولة
تجاههم، ولديهم حالة عدم أمان كبيرة تجاه الوضع الحالي وعدم ثقة بالحكومات
وبإمكانية التغيير، لذلك يرون أنّ تغيير رئيس برئيس لن يؤدي إلى نتائج مختلفة
ومغايرة.
مرّة أخرى شعرتُ وأنا أتحدث معهم أنّ "الدولة" بعيدة جدا
عنهم، ونسبة كبيرة منهم للمفارقة موظفون في القطاع العام، وإذا كانت الدولة عاجزة
بدرجة كبيرة اليوم عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في ظل الظروف الإقليمية
المحيطة وخمول الاستثمار، وهي نفسها -أي الدولة- واقعة في أزمة مديونية رهيبة
وتعاني ماليا، فإنّ ما قصرت فيه الدولة هو الشأن السياسي وتدوير النخب السياسية
والانفتاح على الشارع ومخاطبته.
في الوقت نفسه، يدرك كثير من الشباب أنّ البقاء في الشارع لم يعد
مجديا، وأنّ السيناريوهات المقبلة قد تكون معكوسة، بمعنى ينقلب الإنجاز الحالي إلى
خسارة شديدة، إما بفعل التراجع المنطقي في الحراك أو التغير في طبيعته أو حتى
الدخول في مرحلة اشتباكات وشيطنة له، لذلك هنالك تصور مشترك لدى نخب عديدة بضرورة
"الخروج المشرّف" وإسدال الستار على المشهد النهائي بصورة جميلة
وحضارية، يمكن البناء عليها مستقبلا؟
المشكلة أنّهم منقسمون تجاه هذه الخيارات، ويخشون بعد مغادرة الشارع
عدم وجود تغيير جوهري، لكن في المقابل لا يمكن القول إنّ المطالب المرتبطة بتغيير
النهج والسياسات هي كبسة زر، أو قرار سياسي، فهي عملية متدرجة زمنية.
إذا ما الحل؟! برأيي الإصلاح لا يأتي دفعة واحدة، واستدامة البقاء في
الشارع غير ممكنة، والخروج المشرف ضروري، إذا المطلوب أن يتم مأسسة الشبكات التي
تشكلت وتطويرها نحو عمل مجتمع مدني، سواء حزبي أو لوبي، وتطوير مانفيستو للشباب
الأردني يحمل طموحاتهم وأفكارهم ومطالبهم، والعمل على تطوير البرامج والقوى
الضاغطة التي ستسعى لاحقا لتحقيق هذه المطالب والآمال.
الغد الأردني