قضايا وآراء

الدين المغشوش.. بين اللازم والمتعدي

1300x600

كما درسنا فى النحو والصرف الفعل اللازم يلزم الفاعل فلامفعول به، وجملته مقتضبة لاحياة فيها، أما الفعل المتعدى فليزم وجود مفعول أو أكثر فجملته تضج بالإيجابية والحركة. 

 

كذلك أرى الأفعال في الإسلام،  لازمة يلزم الإنسان فعلها ويعود عليه دون غيره ثوابها ولا ينتفع أحد منها إلا بقدر ما تدفع صاحبها إلى أفعال متعدية بالخير، فصلاتك وصيامك وحجك وعمرتك وتسبيحك وتحميدك وأذكارك، كل ذلك أفعال لازمة لا غنى عنها وهي أشبه بالأساس لعمارة شاهقة تبنيها،  فالأساس تحت الأرض لا يراه الناس، إنما يرون العمارة ويسكنون فيها، وينتفعون بها، فإذا تركنا الأساس بغير بناء فوقه فما قيمة هذا الأساس؟؟  


وهي أشبه أيضا بالوقود للسيارة؛ فإذا وضعته فيها ولم تدر محركها وتنطلق بها ويركبها معك غيرك وتستفيد أنت والناس منها، فما قيمة هذا الوقود؟؟ 

 

أردت هذا مدخلا لازما لتقييم وتقويم تلك الحالة المعوجة والصورة الشائهة لهذا الدين العظيم، ووضع الأمور في نصابها،  لذلك أسأل 

هل ينكر أحدٌٌ فضل التلاوة والذكر والتسبيح والتحميد؟
بالتأكيد لايوجد من ينكر 

 

ولكني أراها غسيلا لأدران القلب ومحفزات لعمل يرضي الرب جل وعلا، أما أن تكون هي منتهى ما يتواصى الناس به فيرسلون منها رسائل بغير حساب، فإنه ميل للسهل وزيغ عن المراد منها، بل أحيانا تدفع إلى الرضا المزيف الذى لايكلف المرء شيئا، فهي أقوال (وأفعالٌٌ لازمة) يعود ثوابها على صاحبها فقط، ولاينتفع منها الآخرون إلا بقدر ما تدفع إلى (أفعال متعدية) بالخير إلى الغير، ثوابها أضعاف أضعاف هذه الأفعال اللازمة، وخذ مثلا لحديث سيد الخلق لتعلم من أحب الناس والأعمال إلى الله تعالى:  

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي اللع عنهما أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ". السلسلة الصحيحة. 

واقرأ إن شئت في مسند الإمام أحمد من حديث رسول الله عن تلك المرأة البغي من بني إسرائيل، التي دخلت الجنة في سقيا كلب ( فعل متعدي) بالخير إلى كلب وليس - حتى إنسان - ، وتلك التي دخلت النار في حبس هِرة ( فعل متعدي ) بالشر إلى هِرة، بل اقرأ إن شئت عن تلك الصوٌَامة القوٌَامة كثيرة الذكر والتسبيح التى ذُكرت لرسول الله، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال هي فى النار، هكذا حدد مصيرها في كلمة، ذلكم أن عباداتها - أفعالها اللازمة - تلك مغشوشة، ظهر ذلك في أفعالها المتعدية بإيذاء جيرانها بلسانها. 


ستجد في هذه الأيام الدعاء الممزوج بالدموع المنهمرة في التراويح أن يحرر الله المسجد الأقصى من احتلال الإسرائيليين، ثم لاتلبث أن تجدهم - خاصة هؤلاء الأئمة- يوالون هؤلاء الإسرائيليين، ويعادون من يجاهد من أجل التحرير الذى يدعون به ويبكون لأجله، كأن هذا الفعل اللازم الدعاء - وهو مندوب إليه - كافِِ للتحرير دون فعل إيجابي. 


ذلكم هو الفهم الشائه لهذا الدين العظيم، المُقَزٌم لدوره العملاق فى إصلاح الكون، ويكأن هؤلاء لم يريدوا أن يفهموا الفهم الصحيح ليغازلوا بأفعالهم اللازمة جنة عرضها السموات والأرض، تنتظر أصحاب الأعمال المتعدية بالخير إلى الغير التي تجلى فيها صدق أفعالهم اللازمة من صلاة وصيام وذكر وتسبيح وتراويح، فإن تألم البعض من قولي أو شغب على ما أقول، فليقرأ قول سيد المصلحين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: 

 

(رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه التعب والسهر).  

 

صدق رسول الله، وأفلح من اتبع هداه.