واصلت الصحافة
الإسرائيلية الحديث عن تصورها لشكل
السلطة الفلسطينية فيما لو غاب رئيسها محمود
عباس عن الساحة السياسية، وسط تصاعد الحديث عن تدهور صحته، وتراجع قدراته الجسدية عن القيام بمهامه الرئاسية.
وذكر إيلان لوكاتشي الكاتب في القناة 13 أنه "على الرغم من كثرة الشائعات، وتوافد الأطباء، فإنه يمكننا تقديم حصاد كامل لسنوات عباس في قيادة السلطة الفلسطينية، وقياس مدى التأثير الذي أحدثه في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية".
وأجرى الكاتب مقابلات مطولة مع عدد من كبار الضباط والخبراء الإسرائيليين، ترجمتها "عربي21" للبحث في تقديراتهم بشأن اليوم التالي لغياب عباس عن المشهد السياسي.
عاموس غلعاد الرئيس السابق للدائرة الأمنية والسياسية بوزارة الحرب الإسرائيلية، قال إنني "أنظر لحقبة أبو مازن من زاوية أمنية فقط، فهو بعكس سلفه ياسر عرفات، عارض العمليات المسلحة، وشهد عهده وصول التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي إلى مراحل متقدمة جدا، وشمل ذلك كلا من: أجهزة أمن الجانبين ، والإدارة المدنية، والجيش الإسرائيلي، وكانت النتيجة المحافظة على حياة الإسرائيليين".
وأضاف غلعاد، الرئيس الحالي لمعهد الاستشارات الاستراتيجية بمركز هرتسيليا متعدد المجالات، أن "إسرائيل لن تعثر على رئيس يتعاون معها أكثر من عباس، رغم أنه يدفع أموالا لمنفذي العمليات، ويتفوه بتصريحات معادية للسامية، لكنه على الأرض وفر البضاعة التي أرادتها إسرائيل".
شمريت مائير الخبيرة الإسرائيلية في الشؤون العربية قالت إن "عباس وقع بيده على طي صفحة الكفاح المسلح الفلسطيني، انظر ماذا حل بحركة فتح، تنظيم مسلح، هجر مع مرور الوقت هذا الطريق الذي اختطه لنفسه منذ عقود، وهذا أمر جوهري وحيوي، ومنذ أن اعتلى عباس السلطة قبل 14 عاما، أدار الصراع قبالة إسرائيل بطريقة سياسية وليست عسكرية أو أمنية، فلم يسمح بظهور انتفاضة ثالثة، لكنه في الوقت ذاته لم يحقق إنجازا سياسيا".
أما عضو الكنيست آفي ديختر رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست فقال إن "عباس لم يكن خيارا موفقا منذ البداية، حتى عندما قاد عملية أوسلو سرعان ما ثبت فشلها، وقد أضاع الفرصة تلو الفرصة، واليوم يجد الرجل نفسه وسلطته في حالة عزلة شبه تامة، وفيما تقوي إسرائيل علاقاتها مع عدد من الدول العربية، فإن الأخيرة هذه تبتعد عن الرجل القابع في المقاطعة".
وأضاف ديختر، وهو وزير الأمن الداخلي ورئيس جهاز الأمن العام الشاباك الأسبق، أن "كل الأطراف تنتظر ما الذي سيحصل عقب غياب عباس في اليوم التالي، حتى إن إسرائيل تأمل في حال غيابه أن تتم المحافظة على المنظومة الإدارية السلطوية، وأن تواصل مؤسسات السلطة عملها، ويستمر التنسيق الأمني، ويبقى العنف في أدنى حدوده".
الجنرال إيتان دانغوت المنسق السابق لعمليات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية قال إنه "ستنشأ في اليوم التالي لغياب عباس حالة من الصراع الداخلي، وأطراف كثيرة ستنخرط في التنافس على خلافته، ما قد يسفر عنه نشوء حالة من الفوضى الفلسطينية الداخلية، ولذلك لا أرى الآن وريثا واحدا حصريا له، بل قيادة ثنائية أو ثلاثية تقود السلطة".
وشدد دانغوت على أن "أيام عباس باتت معدودة، ولن يذكره التاريخ كزعيم قاد توجهات كبيرة، ولم يشهد عصره أحداثا درامية بالحد الأدنى، لكن بالتأكيد كان ملائما جدا لإسرائيل، وفي ظل أن مسألة الوراثة تأخذ أشكالا حادة مع مرور الساعات، فإن الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، يتأهبان لكل سيناريو".
من جانبه، مردخاي كيدار المستشرق الإسرائيلي، كتب في موقع ميدا قائلا إن "نهاية عباس تقترب مع مرور الوقت، ما يطرح عدة أسئلة مهمة ستؤثر إجاباتها على مستقبل المنطقة بأسرها: ما الذي سيحصل في حال غياب عباس، ومن سيخلفه، هل سينجح الزعيم القادم في إجراء مصالحة بين فتح وحماس، كيف ستكون علاقته بإسرائيل، ما هو مصير السلطة الفلسطينية، ويبدو أن العديد من هذه الأسئلة ما زالت بدون إجابة حتى الآن".
وأضاف في مقاله الذي ترجمته "عربي21" أنه "من الواضح أن تشتت السلطة الفلسطينية وغياب مركزيتها بعد غياب عباس قد يخدم الرؤية الإسرائيلية، ويعلي من شأن تعزيزها، واستبدال فكرة الإمارات العائلية بكيان السلطة، إذ تقوم كل إمارة منها على قيم وأسس عشائرية محلية في مدن الضفة الغربية".
وقال إن "هذا النموذج من حكم العائلات سيعمل على إبعاد النشطاء المسلحين، لأنهم يؤثرون بنظرهم على استقرار الوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للعائلة والعشيرة، ما يتطلب من إسرائيل دعم هذا الخيار بقوة، خاصة في هذه الأيام التي تشهد حالة من الفراغ القيادي الفلسطيني".
بدوره نقل المحلل السياسي الإسرائيلي البارز بن كاسبيت عن مصدر عسكري كبير قوله إن "عباس يشهد نهاية عهده السياسي في هذه الآونة، وقد سأل خمسة من أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية حول رؤيتهم لوريث عباس، فلم يكن لدى أحد منهم رؤية واضحة تجاه الإجابة عن هذا السؤال، وهذه هي الصورة القائمة اليوم في أجهزة الأمن الإسرائيلية".
وأضاف في مقاله بموقع "يسرائيل بلاس"، وترجمته "عربي21" أن "الكابينت الإسرائيلي لم يعقد الكثير من الاجتماعات للبحث في خليفة عباس، ويبدو أنه غير معني كثيرا بالبحث في أي شخصية متوقعة، فأبو مازن لم ينظم انتقال السلطة بصورة سلسة، رغم أن الأوساط الأمنية في إسرائيل تردد هذه العبارة: سوف نشتاق كثيرا لعباس، لأن السلطة الفلسطينية ستدخل عقب غيابه في حرب الوراثة، فإما أن تنشأ قيادة ثلاثية، أو يبرز واحد من الأسماء المتداولة لقيادتها فترة من الوقت".
وأشار إلى أنه "رغم ما حظي به عباس من اتهامات وتهجمات غير مسبوقة من بعض الوزراء الإسرائيليين، وبدأت جهود سياسية لاستبداله، خلال العامين الأخيرين، لكن المؤسستين الأمنية والعسكرية وقفتا في الاتجاه المعاكس بصورة حادة، لأن الرجل واصل حتى لحظاته الأخيرة محاربة الجماعات المسلحة، وأجهزته الأمنية تواصل التنسيق الأمني مع إسرائيل، وعدد كبير من الهجمات التي تم إحباطها تمت بفضل هذا التعاون".
وأضاف كاسبيت أن "عباس هو الشخصية المركزية التي تمنع فتح من الانضمام لموجة العمليات في الضفة الغربية، حتى خلال موجة هجمات السكاكين، ما جعل معظم الفلسطينيين خارج نطاق المشاركة في هذه العمليات".
وختم بالقول إنه "من وجهة نظر الجيش والمخابرات الإسرائيلية فهذا هو الأساس، ولذلك حين يرى كبار الضباط والجنرالات الصراخ الصادر عن المستوى السياسي والوزراء ضد عباس، يردون عليهم بالقول: سوف تشتاقون كثيرا لأبو مازن".